أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

القوّاتيّون والعونيّون: كليشيهات الأخوة الأعداء (1/2)

الثلاثاء 27 تشرين الأول , 2009 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 5,820 زائر

القوّاتيّون والعونيّون: كليشيهات الأخوة الأعداء (1/2)

يبرز لدى العونيّين اقتناع راسخ يفصل بين قوات بشير الجميّل وقوات سمير جعجع. القواتيّون يعيبون على العونيّين تأليههم عون، فيما يوزّعون على «الرفاق» صور سمير جعجع محاطاً بالقدّيسين


غالباً ما يتجاور أنصار القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، أو يعيشون في المنزل نفسه. لكن الجيرة والقرب العائلي لم يستطيعا قمع الأفكار الغريبة لأحدهما عن الآخر. فكوكب القوات يُصدِّر، بحسب العونيّين، أشخاصاً ميليشياويّين بطباعهم وأفكارهم، عناصر من حركة «طالبان» مسيحيّة، أفراداً يعتقدون الزفت سوساً و«الموكيت» أسرّة. أما كوكب عون، بحسب القوّاتيّين، فيُصدِّر «فوفويات ونونويات»، حاقدين على القوات، وملحدين يعبدون العماد ميشال عون.

القوّاتيّون في عيون عونيّة

بدايةً، يظنّ المستمع لحديث العونيين (ليس كلهم) عن القوات أن الشباب يمزحون في قولهم مثلاً إن الشرط الأساسي للانتساب إلى القوات هو امتلاك «طرطيرة». لكن تطور الحديث يظهر أن جزءاً كبيراً من الرأي العام العوني مقتنع حقاً، أو مؤمن، بأن القواتي ـــــ كل قواتي ـــــ هو «أزعر» يعمل على درّاجته النارية نشّالاً في الصباح، و«ملطّش» صبايا في المساء. وهو يعيش غالباً في النبعة أو في المتفرعات من شارع «سلاف» أو في كرم الزيتون وغيرها من الأحياء المسيحية الفقيرة. وحين ينضج القواتي، يتابع العونيون، يشتري «رانغلر» و«رايبن» ويعمل حارساً في أحد الملاهي الليلية. ففور رؤية شاب سوالفه مشطوبة أو يرتدي «بادي» أو يضع صليباً ذهبياً أكبر من صلبان المطارنة، يتسابق العونيّون لتأكيد قواتيّة الآتي، ويبدأون بالسخرية منه.
وفي صبحيات العونيات، يمكن سماع الكثير من العبارات المعبّرة. هنا واحدة تلاحظ أن كل اللحّامين في حيّها بشرّاويّون، لتستنتج بثقة أنّ القواتيين بطبيعتهم جزارون، وهناك أخرى تكاد تبكي مستقبل ابنها لتقرّبه من صبية قواتية، مؤكدة أنها عرفت انتماءها فور رؤية ملامح تعاطي المخدرات عليها. وتتجاوز بعض العبارات أحاديث النساء، فيردد شاب بكل وقاحة أن ليس بين مناصرات القوات صبية واحدة، كلهنّ نساء! وإذا نوقش العوني قليلاً في الصفات التي يعطيها للقوات، يستعمل «الحجّة الدامغة»: قالوا إنّ مرشحهم في المتن، إدي أبي اللمع، يمثّل نموذجاً قواتياً جديداً، وهو شاب مثقف يعمل أستاذاً جامعياً، وإذا بنا نشاهده في 23كانون الأول الشهير ثائراً في الشارع يحطّم بعصا البايسبول كل ما يراه أمامه.
وحتى العونيون الهادئون الذين يتجنبون الحوارات الصاخبة، يخبّئون مفاجآت في نظرتهم إلى القواتيين. فتقارن ندى قصّار مثلاً بين العوني والقواتي، كالآتي: العوني غير عنصري بخلاف القواتي، ولا يحمل صليبه كل الوقت ليقنع الناس بأنه أكثر مسيحية من الآخرين. العونيون عادة متعلّمون ومحترمون ويعرفون أكثر من القوات كيف يتصرّفون بتهذيب، وقد أخبرتني جدتي مرة أن القواتيين «زعران»، أما العونيّون فأوادم. وهذا طبيعي، فشباب القوات تربّوا على أيدي ميليشياويّين، أما شباب التيار الوطني الحر، فتربية الجيش اللبناني.

العوني مقتنع بأنّ القواتي «أزعر» يعمل على درّاجته نشّالاً في الصباح و«ملطّش» صبايا في المساء

عماد معلوف، صديق ندى، يثني على كلامها، مضيفاً: الفرق شاسع، العوني يتعرف إلى الفتاة بطريقة جدية قائلاً: (voudrais-je faire ta connaissance ma demoiselle)، أما القوتجي فيفتح أزرار قميصه ويتوجه صوبها قائلاً: «شو يا قشطة، البقلاوة هربان من «السي سويت»، بدّك إبّا قدامك تتشوفي الصدم شو بيعملو؟».
هذا كله عن الطباع، ماذا عن المنطق السياسي للقواتيين؟ الأكيد أن قلة فقط من العونيين مستعدون لسماع، ولو مقتطفات من مقابلات القواتيين السياسية. وفي مهرجانات القوات، يُشغَل العونيون بتململ الناس من زحمة السير التي سبّبها المهرجان، ويغمضون أعينهم وآذانهم عن كل التفاصيل الأخرى. وإذا حدث أن فُتح نقاش سياسي، يقطعه العونيون بسرعة جازمين بأنّ جعجع تابع لتيار المستقبل أو مصر أو إسرائيل أو الولايات المتحدة، ولا مبرر لأخذه على محمل الجدّ. وتبرز لدى العونيين ذلك الاقتناع الراسخ الذي يفصل بين قوات بشير الجميّل وقوات سمير جعجع، والذي يرى أن غالبية قوات بشير هي اليوم عونيّة، أما قوات جعجع فوافدون إلى السياسة من بشري ودير الأحمر. ولبشري ودير الأحمر حصتهما دائماً في الحديث العوني. فهاتان المنطقتان لا تخرّجان، بحسب الصورة النمطيّة التي يعتمدها بعض العونيّين، إلا «المعّاز» وقاطعي الطرق وأهل الكهوف الذين لا يعرفون شيئاً عن المدنية ولا يملكون غير العنف وسيلة لتحقيق مآربهم.
يبقى سمير جعجع. يحب العونيون جعجع كثيراً، لكن قوانين الإعلام المكتوب تمنع كتابة الصفات التي يطلقونها على «الحكيم». وسيجد أنطوان زهرا مفردات كثيرة لاسمه في القاموس العوني. علماً بأن العونيين لا يستخدمون صفات كهذه في كلامهم عن سعد الحريري أو وليد جنبلاط.
وغالباً ما يختتم الحديث العوني عن القواتيين بشتيمة للعسكريين الذين تفرجوا في وزارة الدفاع على «قاتل زملائهم» يتمشّى ويقرأ و«يدّعي الصلاة»، ولم يثأروا لبذلتهم.

العونيّون في عيون قوّاتيّة

سيظن المستمع لكلام العونيين عن القواتيين أنه يشهد قمّة الحقد، لكن ظنه سيخيب حين يسمع القواتيين يتحدثون عن العونيين. غالباً ما يبدأ القواتيون الكلام باستغراب الانتقادات العونية لأدائهم خلال الحرب، على اعتبار أنه لولا تلك «التضحيات» لما كان العونيون موجودين أصلاً. وينطلق بعض القواتيين في انتقادهم للعونيين من تهذيب هؤلاء ولا عنفهم، لكون استراتيجية المسالمة تضرّ بالمسيحيين ولا تفيدهم، لأن الطرف الذي لا يُشعر محاوره بأنه قادر على انتزاع حقه بالقوة سيكون المحاور الخاسر.

في رأي القوّاتيين إن «مس أورانج» تمثّل شباب التيار الوطني الحرّ خير تمثيل

وفي رأي قوّاتيين، تمثّل «مس أورانج» شباب التيار الوطني الحر خير تمثيل. فالعوني، عند القواتي، يعتقد أن الأورانج هو اللون الوحيد في العالم، ولا يعرف شيئاً في السياسة إلا تأكيد صحة ما يقوله عون. ولا يخفي القواتيون استفزازهم من ابتهاج العونيين بشخصية «مس أورانج» وسعيهم إلى تقليدها بدل التفاعل مع الانتقادات بين السطور. وسيتوزع كلام القوات على طباع العونيين بين انتقاد قلّة تَدَيُّنِهِم، مثل قول ساندي يونان مثلاً إن «القضية» تحتاج إلى مؤمنين لحملها، ومن ليس لديه الإيمان (العونيون) فلن يستطيع الدفاع عن «القضية»، ومثل انتقاد «التبعية العمياء للجنرال» كتأكيد يمنى سعود مثلاً أن الشاب العوني يدّعي دائماً معرفة كل شيء وممنوع مناقشته، وسيفاجئك حين يبادر إلى الإعلان أن عون هو ممثّل الله على الأرض.
وفي الانتقال إلى السياسة، يصرف القواتيّون وقتاً طويلاً في نبش الأرشيف العوني لاستخراج ما يرونه تناقضاً في مواقف عون والمسؤولين في التيار. وفي رأي قواتيّين، فإنّه حين يغيّر زعيم موقفه، ولا يغيّر مناصره انتماءه، لا يستحق هذا الأخير المجادلة أو التوقف عنده. وفي جعب القواتيين دائماً كمّ كبير من الصفات المحقّرة لعلاقة العونيين بالنظام السوري ولتفاهم التيار الوطني الحر وحزب الله.

أما الأبرز في كلام القواتيين عن العونيين، فهو خشيتهم على مصير العونيين بعد موت الجنرال! إذ يكشف القواتيون فجأة عن وجه حنون يحب العونيين ويقلق على مستقبلهم. هؤلاء ينتقدون العونيين لتمسكهم بالالتفاف حول شخص، بخلاف القوات التي يرونها مؤسسة يذهب عنها سمير جعجع فيأتي غيره. وفي السياق نفسه، يرى عضو دائرة العلاقات العامة والخارجية في مصلحة الطلاب في القوات اللبنانية، بشير ورديني، أن المقارنة سهلة بين القوات والتيّار: الأول «حزب تقدمي»، أما الثاني فيقف محله. الأول كان يساء فهمه، أما الثاني فيتقن التضليل. الأول يعد بالبقاء على قيد الحياة، أما الثاني فانهياره عمودي. الأوّل حزب منظّم، أما الثاني فيشبه نادياً للمشجّعين.
ويحظى عون، في حوارات القواتيين، بصفات توازي تلك التي يعطيها العونيون لجعجع. والغريب أن بعض القواتيين يصدقون حقاً أن الجنرال مرّ بمستشفى دير الصليب، وأن سجلاته العسكرية تؤكد إصابته بأمراض نفسية وعقلية. ويُذكر هنا أن بعض مسؤولي الصف الأول في القوات يسوّقون بأنفسهم وفي صالونات عامة هذا الكلام، من دون خجل.
طبعاً تحفل توصيفات الطرفين بالثُّغر. ففيما يعيب العونيّون على القوّاتيين مجاهرتهم الدائمة بمسيحيّتهم، بات الخطاب العوني مسيحيّاً من الدرجة الأولى. أمّا القواتيون، فيعيبون على العونيّين تأليههم عون، فيما يوزّعون على «الرفاق» صور سمير جعجع محاطاً بالقدّيسين، ويصعب في منطقة الشفروليه التمييز بين صورة جعجع ومار شربل. لكن المعنيّين لا يهتمون بهذه «التفاصيل». فكثيراً ما يعمد طرف سياسي إلى تصوير خصمه بطريقة كاريكاتوريّة، ويهمل الطرف نفسه كلّ السلبيّات الخاصّة به.
(غداً القوات والعونيون: نقاط الخلاف والاتفاق)



مدرستان إعلاميّتان وسياسيّتان

 

أنشأت القوات اللبنانية قبل بضع سنوات مدرسة سياسية ـــــ إعلامية جديدة هي الموقع الرسمي الإلكتروني للقوات اللبنانية. ينشر هذا الموقع على نحو شبه يوميّ «خبريّتين»: واحدة عن العماد ميشال عون، وأخرى عن التيار الوطني الحر أو أحد نوابه. فيسارع عدد كبير من شباب القوات إلى حفظ الجملتين الواردتين في الخبر حرفياً، ويُشغَلون طوال النهار في تردادهما لإحراج العونيين الذين يُشغَلون طوال اليوم في إيجاد الرد المناسب على القوات. والمفارقة هنا، أن موقع التيار الوطني الحر جُرَّ إلى اللعبة نفسها، فانتقل من موقع غنيّ بالمواد التحليلية المتنوعة والتحقيقات الغنية إلى باحث عن شتيمة للقوات أو تهمة لنشرها، علّ العونيين يشنّون على الطريقة القواتية هجوماً على القواتيين.

Script executed in 0.22196221351624