كتبت "الشرق الأوسط":
كاد الوضع في لبنان يتدحرج نحو المجهول لو لم يبادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى التدخل لوقف حملة رئيس الجمهورية ميشال عون، ومعه رئيس الحكومة حسان دياب، لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لأن هناك حاجة – كما تقول مصادر وزارية ونيابية- “للافتداء به” لتنفيس الاحتقان في الشارع احتجاجاً على انهيار سعر صرف الليرة، بصفته المسؤول المؤتمن على سلامة النقد الوطني.
وعلمت “الشرق الأوسط” من مصادر نيابية ووزارية أن بري الذي انتقل أول من أمس من منزله في مصيلح، في جنوب لبنان، إلى بعبدا، بواسطة مروحية تابعة لسلاح الجو في الجيش اللبناني للمشاركة في الاجتماع الذي جمعه بعون ودياب، قبيل انعقاد الجلسة الثانية لمجلس الوزراء، كان قد أمضى ليل الخميس على تواصل مع جميع المعنيين لقطع الطريق على إصرار رئيسي الجمهورية والحكومة، ومن خلالهما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، على الإطاحة بسلامة لإعفاء الحكومة من تحميلها مسؤولية الانهيار المالي، وبالتالي دعوتها للاستقالة.
وكشفت المصادر نفسها أن بري لم يخلد إلى الراحة إلا بعد أن تمكّن من وقف اجتياح سلامة، وسحب إقالته من على جدول أعمال جلستي مجلس الوزراء؛ الأولى استعراضية عُقدت في “السرايا الكبير”، والثانية تقريرية ترأسها رئيس الجمهورية، وقالت إن صرف النظر عن إقالة سلامة شجّع بري على الانتقال من مصيلح إلى بعبدا بحثاً عن مخارج لوقف انهيار سعر صرف الليرة.
ولفتت إلى أن مجرد التركيز على سلامة، والتعامل معه وكأنه المسؤول الأول عن انهيار العملة الوطنية، ما هو إلا محاولة للهروب إلى الأمام، لصرف الأنظار عن حالات الإرباك والتخبُّط الناجمة عن أداء الحكم والحكومة. وقالت إن المسؤولية لا تقع على سلامة دون الآخرين الذين لا يعترفون بأن البلد يمر في حالة استثنائية قاهرة تستدعي المجيء بتعيينات فوق العادة، بدلاً من تلك التي صدرت، ويراد منها محاصرة سلامة مالياً ومصرفياً لدفعه إلى الاستقالة، وإلا فلا مفر من إقالته.
وأكدت المصادر النيابية والوزارية أن بري نجح في تصويب البوصلة باتجاه ابتداع الحلول، وقالت إن “حزب الله” وإن كان قد غض النظر عن نزول محازبيه إلى الشارع، فإنه في المقابل لم يشكل رأس حربة للإطاحة بسلامة، تاركاً لسواه الخوض في مهمة يعدها من المستحيلات، على الأقل في المدى المنظور، من دون أن يُسقط من حسابه أن هناك ضرورة لتوجيه رسالة ضاغطة لئلا يفقد السيطرة على جمهوره.
ورأت أن بري نجح من خلال تحرّكه في رسم حدود للحكومة والحكم على السواء، وقالت إن دعوته للقراءة في كتاب واحد في مخاطبة صندوق النقد الدولي برعاية المجلس النيابي، التي جاءت مقرونة بتشكيل خلية أزمة، برئاسة وزير المال غازي وزني، لمتابعة الوضعين المالي والنقدي، لقيت موافقة من عون ودياب، وقالت إن ما تحقق في هذا الخصوص أوقف الأداء المرتبك المتخبط للحكومة.
وبكلام آخر، فإن بري استردّ زمام المبادرة، وأعادها إلى البرلمان الذي سيتولى مهمة التوصل إلى مقاربة موحّدة للأرقام المالية التي سيجري على أساسها التفاوض مع صندوق النقد، إضافة إلى أنه أعاد تعويم دور وزارة المال لوقف تعدّد الرؤوس في استقراء الحلول لإنقاذ الاقتصاد من التدهور، وبالتالي أوقف التنافس بين المستشارين.
فبري، من وجهة نظر المصادر النيابية والوزارية، هو من أنقذ الحكومة والحكم من الغرق، وأتاح لهما الاستعانة بسترات النجاة، وإنما لفترة زمنية قصيرة، وبالتالي فإن الأمر سيكون من الآن وصاعداً للبرلمان.