أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أسكتوا هذه السفيرة الثرثارة!

الإثنين 02 تشرين الثاني , 2009 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,080 زائر

أسكتوا هذه السفيرة الثرثارة!
ليس تجاوزاً أو خرقاً للأصول ولثوابت العمل الدبلوماسي أن تتصرف السفيرة الأميركية في بيروت أو تدلي بتصريحات مستفزّة وأن تحرّض على الفتنة وتعزز دعاة الانقسام والتقسيم في سعيهم لضرب ركائز الوحدة الوطنية في ظل الشعارات الملتهبة بنار «العنفوان والسيادة والاستقلال».
إن هذه السفيرة الخطيرة إنما تتصرف ضمن المساحة التي يتيحها لها أهل النظام من أقطاب الطبقة السياسية، والذين يتخذون منها «المرجع الصالح» في شؤون لبنان، شعباً ودولة ومؤسسات، إذ إنهم يرجعون إليها في كل كبيرة وصغيرة، يطلبون إليها أن تقرّر عنهم أو أن تملي عليهم المواقف التي ترى فيها الخير للبنان السيد المستقل والعزة لشعبه العنيد، بوصفها الممثل الشخصي الوحيد والناطق الرسمي باسم الأمين العام لثورة الأرز جيفري فيلتمان.
ثم إن هذه السفيرة التي لا تنام إنما تتبع منهج وزيرتها هيلاري كلينتون، التي ترى نفسها رئيس ظل للولايات المتحدة الأميركية، فتخاطب الأصدقاء العرب بلهجة الأمر فيصدعون ولا يعترضون، وتذهب في رفض مطالبتهم بالحد الأدنى من حقوقهم إلى الحد الأقصى، كما فعلت برئيس السلطة التي لا سلطة لها في فلسطين المحتلة، فلا يغضبون ولا يثورون ولا يطالبون بطردها من العاصمة العربية التي كانت تستضيفها بشهامة العرب وكرمهم الحاتمي وتحت شعار «يا ضيفنا لو زرتنا لرأيتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل».
والحمد لله أن السماء لا تأتمر، بعد، بتعليمات السفيرة التي لا تنام، وإن نام معلمها فيلتمان، والتي تصل بزياراتها «السرية» الليل بالنهار، وإلا لما كان المطر قد انهمر غزيراً مبشراً بمواسم خير وفيرة تعطيها الأرض الطيبة بغير إذن من أركان الطبقة السياسية المانعة للخير...
وبرغم أن بركة الأمطار المبكرة سيذهب بها افتقاد الإدارة وسوء التنظيم والتعدي المتفاقم على الأملاك العامة، فتكون النتيجة أزمة سير خانقة وأعطالاً غير محدودة في شبكة الكهرباء شبه المعطلة أصلاً، وجرف بعض التربة الصالحة للزراعة، وتعقيدات إضافية في لعبة تشكيل الحكومة الخرافية، بعضها يعود إلى عقدة «الاتصالات»، وبعضها الآخر إلى ضياع بعض «الحقائب» المذهّبة بالاحتكار أو بالاستثمار السياسي أو في غياهب المزايدة والمناقصة... وأحياناً في لعبة «الروليت الروسية» التي صار لها نسخ جديدة بجنسيات عدة.
برغم ذلك كله، فإننا ـ وفي ما يعنينا في لبنان مباشرة ـ نتوجه إلى الله فنحمده كثيراً على أن السماء لا تتلقى تعليماتها من السفيرة الأميركية الفصيحة التي لا تترك شاردة أو واردة إلا وتعلق عليها مصدرة ما يشبه التعليمات المباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين، كبارهم والصغار، حول صيغة التشكيلة الحكومية، مستبعدة حكاية الوحدة الوطنية، منبّهة إلى ضرورة الالتزام بنتائج الانتخابات بوصفها العمل الديموقراطي الأعظم، بالسلاح الطائفي المشرع، بدليل أن تصريحاً واحداً لزعيم كتلة نيابية قد ذهب به، مستدركة بالتحذير من خرق القرار الهمايوني 1701، ملوّحة بإصبع التهديد الإسرائيلي إن خطر لأحدهم أن يشرك «حزب الله» في الحكومة، متحدية بعض المراجع الرسمية باتخاذ أبواب مقراتها منبراً لتحدي مواقفها المعلنة...
بديهي أن يلتبس الأمر، أحياناً، على المواطن فيفترض أنه يسمع تهديداً إسرائيلياً بلغة أميركية ذات لكنة آسيوية...
وبديهي أن يفترض هذا المواطن البسيط أن السفيرة الخطيرة إنما تستقوي على اللبنانيين باللبنانيين وعلى العرب بالعرب، وعلى الجميع بإسرائيل التي لم تعد ثمة حدود بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، لا فرق بين إداراتها وسواء أكانت من الديموقراطيين أم من الجمهوريين، أية فوارق تذكر، بشهادة التراجعات المتوالية التي صدرت عن إدارة أوباما حول المستوطنات الإسرائيلية وحول مشروع الدولة الفلسطينية في بطن «دولة يهود العالم» التي ابتلعت أرضها المفترضة، خصوصاً بعدما أسقطت هذه الإدارة المطعّمة بشيء من الإسلام الأسود مدينة القدس (ومن ضمنها المسجد الأقصى) من الأرض التي ستمنح للفلسطينين فلم يعد في الأمر ما يستحق العناء...
مع ذلك، وبرغم احتشاد الأساطيل الأميركية، بحاملات الطائرات والبوارج والمدمرات إلى جانب مثيلاتها «المعارة» إلى إسرائيل، في البحر الأبيض المتوسط، الذي سيظل «عربياً» بمعظم شواطئه، فإن المواقف المستفزّة والخارجة على الأصول التي صدرت وتصدر عن السفيرة الأميركية في بيروت، وبتعليمات مباشرة ومعلنة، بالصوت والصورة من موجهها جيفري فيلتمان، غير مقبولة، ومستنكرة، ومستفزّة لكرامة اللبنانيين، ومن الضروري إلزام هذه السفيرة ـ على خطورة من تمثل ـ بأن تراعي موجبات موقعها، فتُنبّه إلى خرقها الفاضح لمبادئ السيادة والاستقلال والكرامة الوطنية.
لم يصبح لبنان، بعد، مستعمرة أميركية، ولن يكون كذلك في أي يوم!
ويكفينا أهل الفصاحة من المروّجين للانقسام حتى حدود الفتنة من أساتذة اللغة العربية، رجال دين ورجال دنيا، ومن أتباع المرجعيات الأجنبية، ومن المراكز المعتمدة للتمويل العربي للحرب الأهلية التي تخدم إسرائيل في جهودها لتصفية القضية الفلسطينية.
لعل المطر الذي يذهب بالغبار ومخلّفات الحر واليباس، أن يكون بشارة خير بانفراج سياسي يعيد كلاً إلى حجمه الطبيعي، يستوي في ذلك صنّاع الخلافات والدافعين بها إلى حدود الفتنة من أبناء الطبقة السياسية أو من يفترضون في أنفسهم أنهم أصحاب القرار، وأن لهم حق الإمرة على اللبنانيين جميعاً وعلى علاقاتهم بمحيطهم وبالعدو الإسرائيلي بالذات.
بكلمة: إما أن تسكت هذه السفيرة الثرثارة، وإما أن تطلبوا من إدارتها أن تسكتها... ولتقل ما تشاء، في خلواتها السرية، وهي تقول فيها الكثير الكثير مما لا يجوز للبنانيين أن يقولوه فكيف بأن يسمعوه من أجنبي غالباً ما ينطق بلسان إسرائيل؟!

Script executed in 0.20377111434937