في ظلّ العَوْلَمة المتسرِّبة كالنّمل في الخَفَاء والمُتَطَفِّلة في العَلَانِية، فَقَدَ الجِيل الحَالي روح الثّقافة العَربيّة وأُصُول حَضَارَتها... الخطّ العربيّ.
فمِن هذا الوباء المتفشّي، نجد جيلنا يميل إلى اللّغات الأجنبيّة بل ويفتخر بها؛ وكأنّها مِن بقيّة ما ورثه عن أجداده.
وبهذا الفِكر قد بدأ يضعف جيلنا العربيّ بِلُغتِه الأم بل وقد ألحَقَ الأذى بثقافة الخطّ العربيّ الفنّيّ والكتابة اليوميّة، كما أنّ هذه المادّة المُهمّة قد اندثرت تدريجيًّا مِن مدارسنا الرّسميّة الّتي تزدريها، وتعتبرها غير نافعة ومضيعة للوقت !
في المقابل، يصبُّ عتاب الأساتذة والمديرين على خطّ هذا الطّالب غير المسؤول عن مادّة الخطّ ! فهذا التّناقض الجليّ يزداد سنة بعد سنة..
ومِن نتائج إهمال هذه المادّة القَيِّمَة أنّها أدّت إلى زيادة نسبة تراجع الطلّاب في مجتمعنا خصوصًا، بالرّغم من أنّها الأساس والقاعدة القويّة الّتي يستند عليها كلّ طالب في جميع المواد الدّراسيّة كاللّغة العربيّة والتّاريخ والجغرافيا والتّربية المدنيّة والفلسفة، إلخ..
وسوء الخطّ قد شَمَل أيضًا الكُتّاب والروائيين والأساتذة والمحامين والأطبّاء وغيرهم من المثقّفين.. فضلًا عن طلاّب الجامعات والمُرشّحين للامتحانات الرسميّة.
لفتني اقتباس للكاتب الأميركي الشّهير "مارك توين" يقول : كُن حذِرًا وأنتَ تقرأ كُتُب الصّحّة، فقد تموت بِخطأ مطبعي.!
هذا الاقتباس له أهمّيّة كبيرة في مُختَلف المجالات لا سِيَّما الطّب وما يتّصل به من علوم ومعارف، وكذلك في النّظام التّعليمي والميادين التّربويّة.
أمّا في ما يتعلّق بالميدان الطّبّي، فمِن المُحتَمل تقديم تقرير طبّي خاطِئ وخَطِر بسبب كلمة واحدة كُتِبَت بِخطّ سيّء، وأدّت إلى معنى آخر..
وأمّا على الصّعيد المدرسي والجامعي، فالكثير من الطلّاب يعانون ( رغم ذكائهم ) حصولهم على علامات أقلّ بكثير ممّا كانوا يتوقّعون تصل بهم في غالب الأحيان إلى السّقوط والفشل.
من ناحية أُخرى، نَوَدّ تسليط الضّوء على ما هو مهم أيضًا خلال تقديم الامتحانات، حيث إنّ مُدّتها لا تكفي الطّالب لإنهاء كتابة الأجوبة مما يُحتّم عليه السّرعة في الكتابة، الأمر الّذي يُنتِج سوء التّرتيب وزيادة التّوتّر، فيتشتّت تركيزه ويرى نفسه واقعًا بين أمرَين، الأوّل أن يبذل جهدًا في ترتيب خطّه غير المقبول ومن ثمّ خوفه من عدم إمكانيّة قراءة أجوبته، والأمر الثاني هو تركيزه في أن يذكر الإجابات الصّحيحة الّتي بذل جهدًا في دراستها لسنة دراسية كاملة..
مِن هنا، كان لنا الخطوة الضّروريّة للتحرّك سريعًا عبر إقامتنا دورات عديدة خاصّة في تعليم أصول الخطّ وقواعده وأسراره على الصعيدَيْن الفنّيّ بالقصب والحبر والكتابة اليوميّة بالقلم العادي ( الرّقعة الدّارج ).
إلى جانب الدّورات، قمنا بإطلاق فكرة إعداد وتأليف كرّاس جديد ذي منهاج متكامل وسهل وواضح، يُغْنِي عن تعدّد سنوات لدراسة الخطّ ويختصرها بأقلّ من سنة واحدة، كافية لتعلّم الكتابة وتحسينها.
أطلقنا على الكرّاسة اِسمًا يدلّ على غايتها وهو " الهادي إلى تحسين الخطّ العادي "
(الرّقعة بالقلم العادي)، تحت إشراف " القلم المحمود " أدوات الخطّ العربي ومستلزماته بيروت-لبنان، واِطّلاع أهم خطّاطي العالم العربيّ نذكر منهم على سبيل المثال الأساتذة: الخطّاطة الموصليّة جنّة عدنان عزّت، أستاذ الخطّ العربيّ مُثنّى العُبيدي، عميد الخطّاطين في المملكة السّعودية ناصر الميمون، ونقيب الخطّاطين في جمهوريّة مصر العربيّة خُضير البورسعيدي.
واللّافت أنّنا صدَّرنا شهاداتهم في أولى صفحات الكرّاس والّذي نأمل في أن تتبنّاه الجهات الرسميّة المُختصّة في وزارتي التّعليم والثّقافة، والإقبال على هذه المادّة الثّقافية التي تحفظ قِيَم حضارتنا العربيّة ومبادئها إلى جانب اللّغة العربيّة، وإعادة إقرارها في المناهج من جديد.
يتضمّن الكرّاس تشريح الحروف المُفرَدة وقواعد توصيل الحروف، ثم ينتهي إلى الكلمات والجُمَل، فالإِخراج النّهائي الصّحيح في الكتابة المؤدّية إلى نتائج إيجابية واضحة أتت بعد تجربة مديدة.
المُدرِّب والمُصمِّم هادي المحمود - موقع بنت جبيل