عندما تذهب إلى ضاحية بيروت الجنوبية وترى الحياة فيها، تنسى أن هذه المنطقة شهدت حرب دمار شامل في الـ2006 حين تحولت معظم المباني إلى غبار وركام أحجار مبعثرة تطمر مئات الجثث وآلاف الأغراض الخاصة والممتلكات. ولكن الطائفة الشيعية في لبنان، التي تمكنت من إثبات ذاتها كقوة طائفية فاعلة على الأرض خصوصا بعد اتفاق الطائف، تمكنت أيضاُ وفي ظروف عدة، من إثبات قدرتها التجددية إثر كل محنة تمر عليها. ومصدر هذه القدرة لم يأت إلا بفعل التمسك بالإيمان بمعتقداتها والمواظبة على التعليم الديني المستمر واتكالها على الله. ولعبت المساجد دوراً بارزاً في هذا المجال ولا سيما أحد مساجد ضاحية بيروت وهو جامع الإمامين الحسنين (ع) الذي عمل على تثبيت الإيمان عبر التعليم الديني اليومي المستمر وعبر صلوات العلامة السيد محمد حسين فضل الله الذي تمكن بفضل علمه ومثابرته من أن يكون أحد أهمّ المراجع لدى الطائفة الشيعية في الداخل اللبناني وفي الخارج أيضاً.
جامع الإمامين الحسنين
يشتمل جامع الإمامين الحسنين الذي افتتح عام 1996 في حارة حريك والذي أقيم فيه أول صلاة جمعة جامعة حاشدة، على مسجد الإمامين الحسنين (ع)، وهو يضمّ إضافة إلى المسجد الكبير، طابقاً علويّاً خاصاً بالنساء. يتّسع المسجد لأكثر من عشرة آلاف مصلٍّ، وأعدّ لكي يحتضن صلاة الجمعة التي يؤمّها العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، بالإضافة إلى صلاة الجماعة اليومية وموعظة ليلة الجمعة التي يخصصها السيد فضل الله بين صلاتي المغرب والعشاء وتنتهي بقراءة دعاء كميل المرويّ عن الإمام علي بن أبي طالب (ع).
ويحتضن المسجد سنويّاً سلسلة من البرامج الروحية التي تُقام في شهر رمضان، على غرار المحاضرة اليومية والأدعية النهارية، الأدعية الليلة بعد صلاة العشاء، وإحياء ليالي القدر، فضلا عن إحياء ليلة النصف من شعبان.
ويشتمل الجامع أيضا على "قاعة الزهراء"، وهي تتّسع لأكثر من 1000 شخص مجهّزة حسب المواصفات والتقنيات الحديثة، ويعقد فيها أسبوعيّاً ندوة قرآنية يعقبها حوار مفتوح مع الحضور، وذلك مساء كلّ ثلثاء. هذا وتحتضن القاعة أيضاً عدداً من الأنشطة، والندوات ثقافية والمؤتمرات، والاحتفالات بالمناسبات الإسلامية، وأنشطة مسرحيّة هادفة.
أما المركز الإسلامي الثقافي الذي يضمه هذا الجامع أيضاً، فهو يشرف على عدد من الأنشطة الثفافية وأهمها التدوات التي تطرح من خلال الحوار الهادف والنقد البناء مواضيع تهم المسلم المعاصر وتتصل بالواقع المعيشي. ويقدم هذا المركز، دروسا في العقيدة الإسلامية مساء كل أربعاء، دروساً في الشريعة الإسلامية مساء كل إثنين ودورات ثقافية صيفية للناشئة تتضمن أنشطة متنوعة إضافة إلى إحياء المناسبات الإسلامية وتنظيم مسابقات ثقافية وإسلامية متنوعة خلال العطلة الصيفية.
وتعزيزاً للروح العلمية في القراءة والبحث، حرص السيد فضل الله على توجيه الأنظار نحو مشروع تأسيس مكتبة عامّة ، أطلق عليها اسم "مكتبة سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله العامة"، تضمّ في ثناياها الكتب المختلفة والمتنوّعة، وكان أن توفّرت له المساهمات المالية التي دعمت المشروع الذي نُفّذ في الطابق السفلي لمسجد الإمامين الحسنين، ويشرف عليه المركز الإسلامي الثقافي، وقد تمّ تجهيزه بعشرات الآلاف من الكتب، مع صالة للإنترنت والبحوث.