أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عندما تتحوّل إسرائيل إلى عدّاد لصواريخ المقاومة

الإثنين 09 تشرين الثاني , 2009 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,875 زائر

عندما تتحوّل إسرائيل إلى عدّاد لصواريخ المقاومة

بدت إسرائيل خائبة من ردة الفعل الدولية غير المبالية، في أعقاب «صيدها الثمين» و«ضبطها» سفينة أسلحة، قالت إنها إيرانية المصدر، وموجّهة إلى حزب الله. مرة جديدة، تسقط إسرائيل، كعادتها، ضحية توقعاتها المفرطة، فـ«هدية السماء»، بحسب تعبير أحد المعلّقين الإسرائيليين، لم تحرك أحداً على المسرح الدولي لإدانة إيران وحزب الله، بالمعنى الفعلي للإدانة، كما أنها لم تؤدِّ إلى تعاطف مع «الضحية الإسرائيلية» وتدفع الأصوات المنادية بإدانتها، على خلفية تقرير غولدستون، إلى الخجل والاعتذار من إسرائيل. والأكثر عجباً، من ناحية إسرائيلية، أن إيران وسوريا وحزب الله، لم يسارعوا إلى الاختباء هرباً مما اقترفته أيديهم من «جرائم حرب حقيقية»، بحسب تعبير رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في وصفه لـ«الجريمة» الإيرانية وضبط إيران متلبّسة فيها.
تعدّ الحركة الإسرائيلية الأخيرة، إحدى آخر الحلقات في سلسلة محاولات إسرائيل لمحاصرة حزب الله وإضعافه، ويرتبط ذلك في سياق استراتيجية إضعاف الحزب بما يتيسر من أدوات موجودة في ذاتها، أو بفعل إسرائيلي، كما هي «هدية السماء» الأخيرة (سفينة الأسلحة)، وهي استراتيجية «الوقت الضائع» ما دامت المواجهة والواقعة الكبرى مؤجّلتين إلى وقت غير معلوم. إذ يبدو أن الرأي مستقرّ لدى أصحاب القرار الإسرائيلي، بأن إضعاف حزب الله كهدف مأمول، ومعقول نسبياً قياساً على صعوبة اجتثاثه، وفي ظل «تأجيل» المواجهة معه، يأتي نتيجة لـ«تجفيف مصادر القوة لديه، وفصله عنها».
إحدى أهم الطرق للوصول إلى ذلك هو التركيز على «المساعدة» التي يتلقاها حزب الله من إيران وسوريا، وعلى سبل إيصال هذه «المساعدة»، والتشديد على خطورتها وتأثيرها المباشر في إيجاد التوتر في المنطقة، والهدف النهائي من ذلك هو دفع عواصم القرار الدولي للتحرك نحو محاصرة منشأ المشكلة (إيران وسوريا)، أو أساليب إيصال المساعدة، وصولاً إلى محاصرة الهدف النهائي ـــــ حزب الله، وخاصة أن للأمم المتحدة أدواتها العسكرية المنتشرة على الأراضي اللبنانية.
مع وجود مطالب إسرائيلية ملحّة في المرحلة الحالية، وتحديداً على خلفية تقرير القاضي غولدستون وتداعياته، وجدت إسرائيل نفسها أمام واقعة القرصنة، يتجاذبها مطلبان، مواجهة التقرير وإيجاد ما يُمكّن تل أبيب من هذه المواجهة، وفي الوقت نفسه مواصلة العمل على استراتيجية فصل حزب الله عن إحدى مصادر قوته. اختارت إسرائيل أن تعمل في الاتجاهين معاً، إذ عملت على «فضح» حزب الله وسوريا وإيران، وتوقعت أن تتزاحم الإدانات الدولية ضد هذا «المحور»، مع أمل بتفاعلات عملية ضده، بينما أملت في الوقت نفسه أن تستخدم «الواقعة» في صدّ تداعيات غولدستون. لا هي نجحت في مواجهة غولدستون، ولا هي نجحت في محاصرة حزب الله، إلا أنها راكمت رواية جديدة ضد الحزب وإيران وسوريا، قد تنفعها لاحقاً، وفي مستقبل غير منظور، إذا تبدّلت الظروف الموضوعية في المنطقة، وإذا وجدت عواصم القرار الدولي مصلحة لها في نبش أرشيف الاتهامات، مهما كان مستوى صدقيّتها ضد هذا «المحور».
في أي حال، تعتري الرواية الإسرائيلية شكوك معتبرة، فنوع الأسلحة المصادرة غير ذي صلة بحاجات حزب الله ولا يلائم المستوى الذي وصلت إليه قدراته، بل تعدّ بدائية قياساً على ما في حوزته، ما يشير إلى أن وجهة الأسلحة، إذا صحّت الواقعة كما تشير

تعتري الرواية الإسرائيلية شكوك، فنوع السلاح المصادر غير ذي صلة بحاجات حزب الله

 

إليها إسرائيل، كانت باتجاهات أخرى غير مرتبطة بحزب الله. وهذا ما دفع صحيفة «هآرتس» إلى القول إن إسرائيل غير قادرة على استغلال هذه الواقعة لدى الأميركيين باتجاه إيجاد أرضية صالحة للبناء عليها ضد حزب الله وإيران، كما فعلت في أعقاب سفينة «كارين أيه» عام 2002، ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، مشيرة إلى أن القصور الإسرائيلي لا يرتبط وحسب بتبدل الإدارة الأميركية ووجود الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، على نقيض من سلفه جورج بوش، بل لأن «إسرائيل لا تملك أدلّة استخبارية دامغة» تساعد في الترويج لروايتها... ما يشير إلى ضعف أدلة إسرائيل، رغم اجتهادها ومساعيها اللافتة لاستغلال عملية القرصنة.
تجدر الإشارة إلى أن الحديث الإسرائيلي ركّز لساعات بعد الكشف عن استيلاء البحرية الإسرائيلية لسفينة الأسلحة، على أن وجهة السلاح هي قطاع غزة، وهذا ما أكدته مصادر عسكرية إسرائيلية، قبل أن تعود رواية إسرائيل لتستقر لاحقاً على حزب الله. سقط هذا المعطى من التداول، ولم يأخذ حقه في التعليق والتحليل، رغم دلالاته.
في مرحلة انتظار المواجهة الكبرى مع حزب الله، التي قد تطول أو تقصر أو قد لا تأتي بالمطلق، رغم أن ضباط إسرائيل يصرّون على أنها مقبلة لا محالة، يمكن إسرائيل أن تتسلّى في استغلال ما تشاء ضد حزب الله، ويمكن أن تفتعل من الوقائع ما تشاء لإدانته، بما فيها مواصلة القرصنة في البحر وتصوير حادثة انفجار ما في جنوب لبنان على أنها انفجار مخزن من مخازن المقاومة، كما يمكنها أن تعمل (over time) كعدّاد لتسجيل حجم الوسائل القتالية التي تتراكم لدى المقاومين وأنواعها، إلا أن ذلك لا يغيّر شيئاً: ما لم تحقّقه في الحرب العسكرية، لا تحقّقه في السياسة.

Script executed in 0.18801403045654