كتب إيلي الفرزلي في صحيفة الأخبار:
مصرف لبنان بدأ الخطوات العملية للتخلي عن دعم السلع الأساسية. راسل الحكومة لإبلاغها بأن الاحتياطي لديه يكفي لثلاثة أشهر فقط، فاتحاً النقاش مجدداً بالبدائل. ذلك يفتح الباب أمام عودة النقاش في الأولويات. هل يترك الشعب اللبناني ليصبح بأغلبه تحت خط الفقر، أم تبدأ عملية جدية لمواجهة إفلاس القطاع المصرفي، وفرض التوزيع العادل للخسائر؟ ما جرى سابقاً لا يبشر بالخير. فالوصول إلى حالة الإفلاس كان متوقعاً، لكن المعنيين، وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان، لم يقوموا بأي خطوة كان ينبغي القيام بها قبل سنين، لتفادي الحالة الراهنة.
عادت مسألة إلغاء الدعم عن السلع الأساسية لتطرح بقوة، بعد إبلاغ «مصدر رسمي» وكالة «رويترز» أن مصرف لبنان «لن يدعم الوقود والقمح والدواء لأكثر من ثلاثة أشهر أُخرى، في ظل تناقص احتياطي العملات الأجنبية».
أول من مهّد لهذه الخطوة كان وزير الاقتصاد راوول نعمة. في حزيران الماضي كشف عن مسودة اقتراح لاستبدال تمويل مصرف لبنان عملية استيراد السلع الأساسية بالسعر الرسمي للدولار بآلية معقدة، تعتمد على إعطاء الفقراء قسائم تعوّض الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق. اقتراح نعمة كان يضع موعداً افتراضياً لبدء التنفيذ في الأول من آب، إلا أن الأمر طُوي حينها، قبل أن يعود مع تحذير مصرف لبنان للحكومة من أنه لم يعد قادراً على توفير دعم الاستيراد لفترة طويلة، لأن الاحتياطي يكاد ينفد.
هذا التحذير كان أبلغه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى رئيس الحكومة حسان دياب، في الاجتماع المالي الأخير في 30 تموز. في ذلك الاجتماع، الذي وُصف بأنه تضمّن خروجاً عن اللياقات في التخاطب، توجّه دياب إلى سلامة بالقول: «رياض نحن الاحتياطي بيكفينا ما هيك؟». فأجابه الأخير: «نعم، عنا مجال شي مليارين دولار». وعندما أوضح أن مجموع الاحتياطي يصل إلى 19.5 مليار دولار، قال له دياب: ولكن أنت قلت لي إنه يمكننا استعماله كله (سبق أن أبلغ سلامة الحكومة أن الاحتياطي يكفي حتى نهاية العام 2021). فأجاب سلامة: «نعم، ولكن لا يمكننا أن نمسّ بالاحتياطي الإلزامي» (أي نسبة 15 في المئة من الودائع التي يجب على المصارف أن تودعها في مصرف لبنان). عند هذا المستوى انتهى النقاش بمسألة الاحتياطي. سكت الحاكم معظم فترات الاجتماع، إلى درجة أن بادره رئيس الحكومة بالسؤال: لماذا لا تتكلم؟ فأجابه: أتعلّم منك.
مرّت الأيام، وزلزل انفجار المرفأ بيروت، ثم استقالت الحكومة، قبل أن يعود المصرف المركزي، وهذه المرة بشكل رسمي، ليبلغ الحكومة أن الاحتياطي يكاد ينفد. مصادر حكومية أكدت لـ«الأخبار» أن المصرف المركزي راسل، أول من أمس، رئاسة الحكومة، إضافة إلى الوزارات المعنية، معلناً أن الاحتياطي لديه وصل إلى 19.8 مليار دولار، بينما الدعم يكلّف شهرياً ما يقارب 700 مليون دولار، بما يعني أن الاحتياطي سيصل، خلال ثلاثة أشهر، إلى نحو 17.5 مليار دولار، التي تمثّل الاحتياطي الإلزامي للمصارف في مصرف لبنان. وهي قانوناً أموال لا يمكن المسّ بها، برأي سلامة. باختصار، قال المصرف المركزي إن الاحتياطي القابل للاستخدام يكفي لثلاثة أشهر، وعلى الحكومة أن تتصرف.
(الأخبار-https://www.al-akhbar.com/Politics/292939/)