كتب د.محمد حسين بزي* "رحيل نبيل لرجل صالح " في رثاء الحاج علي أحمد بيضون (أبو نزار)
إنّه الموت، في يقظة دائمة، وفي ديمومة لا تنفصم، ولا تنفصل منذ الفطام الأول للنفس التي في البدن.. أمّا الروح فذاك الذي في الخالدين يبقى مع العمل الصالح.. وبين العالمَين "الغيب و الشهادة" تبقى روح أبي نزار رافلة زاهية.. ترفل بنعيم إلهي ارتضاه بعض شقاء في الدنيا لينعم الأيتام والفقراء في لبنان والكويت والعراق وباكستان والهند ووو وقل أكثر .. وتزهو روحه بكبرياء نفس ذلّت لله فأعزّها دون كثيرين سعوا وما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً..
إلّا أنّ أبا نزار قطفها، تلك الشجرة المباركة التي سُقيت بدمع المحتاجين وعرق الكادحين، قطفها أبو نزار من أعلى مآذن لمساجد لله شيدها وأعلى بنيانها، قطفها قطف الأبرار في مرجل الحياء من ذكر اسمه في أي عمل خير كان صاحبه، نعم قطفها، لكنها كانت وفيّة لسرّه.. وهي دانية حانية نحو روحه التي تطهّرت مذ كان قبيل الحلم، نمت، وشبّ معها غريباً عن الأهل والوطن لعشرات السنين، حتى أنّ الشمس التي كانت تتعالى كل صباح خجلت من كرمه ذات يوم، من فضله، من علمه، من تواضعه العزيز ..! وكان يكبر في دوحة العمر؛ وتكبر معه الهموم والمسؤوليات الجسام، فما إن دنا من شرفة الستين حتى داهمه المرض، فصبر راضياً واحتسب مرضياً، لكن نفسه اطمأنت أكثر، وروحه أشرقت أكثر فأكثر. رحل أبو نزار عن عمر ناهز 75 عاماً قضاه رغم الغربة في حبّ الله وفي خدمة عياله، رحل وله في قلبي حقان، الأول: دعمه في انطلاقة دار الأمير عند تأسيسها، والثاني: محبة لا تزال تظلّلني كيفما كنتُ، وستبقى حتى آخر يوم من هذا العمر القصير.
حلّق في ملكوتك أيها الطاهر، فلم تزل ترعى محبيك من عليائك، فأمثالك لا يموتون، بل مناياهم تضاعفهم في الذرية الصالحة التي تركت، وفي أحباب وخلان يذكرونك بالدمع مع كل دعاء.
لزوجك المؤمنة المحتسبة "الحاجة أم نزار" ولبنيك البررة وابنتك العزيزة كل العزاء، ولهم فيك القدوة والفخر بين الأقران.. ولنا فيك ومعك ذكريات لن تنقضي ولو جار الزمان يوماً، فذكراك كفيلة أن تكون بلسم أيامنا الباقية.
إنّ القلب ليحزن، وإنّ العين لتدمع، وإنّا على فراقك يا أبا نزار لمحزونون، ولا نقول إلّا ما يرضي الرب، فرحمك الله في الصالحين، وحشرك مع محمد وآله الأطهرين، وإنّنا في الأثر لرحمة مليك مقتدر، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
(*شاعر و روائي و كاتب لبناني، مدير عام دار الأمير في بيروت)