أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

صراخ من وراء الحدود .. والحرب التي تبتعد يوما بعد يوم

الخميس 26 تشرين الثاني , 2009 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,026 زائر

صراخ من وراء الحدود .. والحرب التي تبتعد يوما بعد يوم
التهديدات الإسرائيلية المتكررة الى لبنان التي تقع في باب الحرب النفسية، تستدعي تحليلا نفسيا، وردا من الطبيعة نفسها يتسم بقدر أكبر من الذكاء الذي يفتقر إليه المسؤولون الاسرائيليون، ويحاولون من خلاله تطمين جمهورهم بطريقة غريبة بعض الشيء، لا سيما عندما يؤكدون له بشكل متكرر ومن دون أي لبس او شك أن مختلف أنحاء دولتهم من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب هي الآن في مرمى صواريخ حزب الله.
لا يمكن الظن ان المسؤولين الاسرائيليين يعدون الجمهور بشكل غير مباشر لاستخلاص العبر السياسية والاستنتاج بأنه إذا بات من المستحيل هزيمة حزب الله او تحييد صواريخه من خلال المواجهة العسكرية، فلا بد من البحث عن سبل أخرى للتفاوض والتفاهم معه، او على الاقل مع حلفائه في دمشق وطهران. مثل هذا المنطق ينطوي على مخاطرة لا تجدي مع الحزب، ولا تفتح بالتالي أبواب المفاوضات مع السوريين والايرانيين الذين اختلفت نظرتهم الى الجبهة اللبنانية بشكل جذري وتقديرهم لاهميتها الاستراتيجية منذ العام 2006.
بديهي القول ان التهديدات هي جزء من منظومة الردع الاسرائيلية لحزب الله خاصة ومن أدوات الرد على الخطاب السياسي السوري والإيراني، لكن التكرار يفرغها من مضمونها، كما ان التركيز على توسع الترسانة الصاروخية الموجهة الى اسرائيل، يخرج فكرة الحرب من نطاقها اللبناني الضيق ويخضعها للمزيد من الخطوط الحمر التي حافظت على الهدوء النسبي على تلك الجبهة طوال السنوات الثلاث الماضية.
لا يمكن المبالغة في التحليل النفسي للخطاب الاسرائيلي الى حد الافتراض مثلا ان حكومة بنيامين نتنياهو التي فشلت في مساعيها الاخيرة لإبقاء حزب الله خارج الحكومة اللبنانية الجديدة، تحاول الآن التأثير على لجنة صياغة البيان الوزاري من حرمان المقاومة من الغطاء الشرعي الذي تحتاجه للاحتفاظ بسلاحها: ليس الاسرائيليون على هذا القدر من السذاجة بحيث تنطلي عليهم خدعة الجدل الدائر الان حول فقرة في نص ذلك البيان لن تلزم احدا في الحكومة اللبنانية او خارجها، ولن تصمد طويلا بعد تلاوتها في جلسة الثقة في مجلس النواب.. حتى ولو خلت من اي تحفظات.
ليس هناك علاج ناجع لتلك التهديدات سوى إهمالها. فهي ليست بالضرورة سببا للحرب ولا مقدمة لها. فالمواجهة العسكرية التي كان يمكن ان تندلع نتيجة سقوط عدد من القتلى او الجرحى في قصف صاروخي ينطلق من الاراضي اللبنانية ويستهدف احدى المستوطنات الاسرائيلية، تبتعد يوما بعد يوم، نظرا لكلفتها البشرية التي لا تعادل جدواها السياسية، ولمصداقية طرفيها في إبداء الرغبة الجدية، التي لا تقاس في الاعلام فقط، في تفاديها.. خصوصا وأنها لن تؤدي أي غرض لا مع سوريا ولا مع ايران، في هذه المرحلة التي لا تبدو فيها قنوات الاتصال مقفلة تماما.
ينسب بعض الدبلوماسيين التهديدات الاسرائيلية الى الادمان، وهم ينصحون بالعثور على إدمان لبناني مواز يكون أشد دهاء وأقل صخبا.. ولا يتفاعل مع ذلك الصراخ الآتي من وراء الحدود.

Script executed in 0.21684813499451