أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

القصة الكاملة للقاء عون ـ صفير

السبت 05 كانون الأول , 2009 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,111 زائر

القصة الكاملة للقاء عون ـ صفير

يمكن العماد ميشال عون إنكار تأثير بكركي. ولا يمكن بكركي إنكار موقع عون. اللقاء الذي عُقد بين الطرفين الأربعاء الفائت كان استثنائياً، وحتميّاً في الآن نفسه. ذاب الجليد بين الطرفين، إلا أنّ الملفّات الشائكة التي طُرحت تحتاج إلى نقاش لا تحسمه ساعات قليلة.

«ما جرى وما اتُّفق عليه يحتاج إلى متابعة، والأهم أنه يحتاج إلى صيانة وحماية». بهذه العبارة، لخّص أحد المساهمين في ترتيب الاجتماع الاستثنائي بين العماد ميشال عون ومجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك نصر اللّه صفير، نتائج ذلك الاجتماع. وهو ينطلق من اعتبارات عدة أبرزها أن المتضررين، وهُم كُثُر، سوف يسعون إلى احتواء الموقف وقلب الأمور وإعادة التوتر. كذلك فإن في لبنان والخارج من يسعى إلى جعل بكركي طرفاً مباشراً في الانقسام السياسي.

 

التمهيد والترتيبات

قبل مدّة غير قصيرة وغير بعيدة، كان مقرّبون من العماد عون يناقشون معه مستقبل العلاقة مع بكركي. وبينهم من له علاقات قوية داخل الكنيسة، ويحرص على ضرورة التمييز بين صفير نفسه ومجلس المطارنة، ليس بقصد كسب ودّ طرف على حساب طرف آخر، بل للإشارة إلى أن التواصل مع المطارنة من شأنه المساعدة على منع التداعيات السلبية، وأن المطارنة يؤدّون دوراً بارزاً في تهيئة المناخات المتصلة بالموقف الصادر عن الكنيسة، سواء ما يصدر عن اجتماع المطارنة أنفسهم، أو عن البطريرك.
لم يكن الجنرال يتهرّب من الأمر، وعلى عادته، كان صريحاً في القول إنّه لا يريد لقاءات من أجل الصورة دون حوار يؤدّي ـــــ أقلّه ـــــ إلى تبادل واضح لوجهات النظر بشأن كل المسائل. ولذلك، سارع عون إلى اقتراح أن يكون الاجتماع مع المطارنة لا مع صفير وحده، دون أن يرفض فكرة الاجتماع بالبطريرك على انفراد.

من الجانب العوني، تولّى الوزير جبران باسيل والنائب إبراهيم كنعان إعداد العملية. تربط الأخير علاقات قوية بعدد من المطارنة، كما بالبطريرك صفير. وقد سارع إلى إجراء بعض الاتصالات، وعقد اجتماعات مع أعضاء اللجنة السياسية في بكركي، التي تضم المطارنة: يوسف بشارة، سمير المظلوم، بشارة الراعي وبولس مطر. وجرى ترتيب لقاءات في منزل كنعان، حضر أحدها العماد عون، قبل أن يجري ترتيب عشاء في منزل الوزير باسيل، حضره عدد من المطارنة أيضاً، ولكن عون لم يحضره.
في هذه الاجتماعات، جرى تناول النقاط العالقة كلها، وجرى الحديث على طريقة عون، لجهة المكاشفة في كل نقاط القلق التي يمكن وصفها بـ«هواجس مسيحية أو هواجس عند مسيحيين». وقبل زيارة صفير إلى الفاتيكان، فاتح النائب كنعان البطريرك برغبة عون في أن يكون الاجتماع بحضور المطارنة، وجرى التفاهم على انتظار مناسبة مدروسة. ولمّا حصل التفاهم، كان صفير قد قرّر السفر إلى الفاتيكان، علماً بأن أقرب مناسبة لوجود المطارنة جميعاً في بكركي كانت الأربعاء الماضي، وهي التي تصادف أول أربعاء في الشهر، أي الموعد الشهري لاجتماع مجلس المطارنة.
ومع أن سفر صفير كاد يقود إلى تأجيل الاجتماع، فإنّ عودته في الأول من الشهر فتحت الباب أمام الاستفسار عن الموعد. فوصل رسول إلى بكركي ليلاً، وعاد حاملاً التأكيد على أنّ الموعد في اليوم التالي. وتُرك للعماد عون أن يحضر في الساعة المناسبة مراعاةً لاعتباراته الأمنيّة.

 

جدول الأعمال

في كل الاجتماعات التمهيدية، وفي لقاء بكركي، كان هناك تركيز على «مصلحة المسيحيّين» إزاء ما يجري في لبنان والمنطقة، وموقعهم من الأولويات القائمة محلياً وخارجياً. ولم يخطر في بال أحد أن يُقنع طرفٌ الآخر بكامل وجهة نظره، بل أن تُفتح قنوات تواصل لإزالة الالتباسات.

وبحسب أحد المعنيّين، فإن أبرز العناوين هي: أين تكمن مصلحة المسيحيين في تركيبة النظام القائم في لبنان، ومن الخيارات التي يجري التداول بها، بما في ذلك الفدرالية والتقسيم. موضوع الحكم، والتباين بشأن الموقف من الديموقراطية التوافقية، وفكرة الأكثرية والأقلية، وموقع المسيحيين في الدولة، وصولاً إلى ملف المقاومة وسلاحها، وموقع المسيحيين من الصراعات القائمة في المنطقة والعالم.

لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى عون سماع الأسئلة ـــــ الهواجس، كالتي ترى أن النظام الديموقراطي يفرض أن تحكم الأكثرية وأن تعارض الأقلية، وأن فكرة إلغاء الطائفية السياسية إنما تستهدف النيل عددياً من الدور المسيحي، وكذلك الخشية من المقاومة وسلاحها، باعتبارها مناقضة للشرعية، أو ذات أهداف ومصالح لا تتّصل بلبنان، إضافةً إلى صلة المسيحيين بالمناخ الغربي العام. ولو أن النقاش لم يتناول الأمور وفق صياغات، كالتي يستخدمها السياسيون عادةً، إلا أن الجميع تصرف على أساس وجود وجهتي نظر. وكان على عون وفريقه، خلال الاجتماعات التمهيدية وفي لقاء بكركي، شرح وجهة نطر متكاملة تستند إلى الآتي:

 

مغادرة وهم التقسيم:

سمع أركان الكنيسة كلاماً مباشراً وصريحاً عن واقع المسيحيين اليوم في لبنان، إن لناحية القوة العددية أو النفوذ الفعلي، وكيف أن هذ الواقع لا يتيح لهم ادعاء دور مستقل بمعزل عن شراكة كاملة مع الآخرين في الوطن. كما سمعوا شرحاً مفصّلاً عمّا آلت إليه الخيارات الأخرى. واستُعيدت كل التجربة السابقة، التي قادتها الجبهة اللبنانية وقواها العسكرية، والتي أدّت إلى تهجير المسيحيين داخل لبنان، ثم انتهى الأمر إلى حروب أهلية داخلية أدّت بهم إلى الهجرة خارج لبنان نهائياً. وبالتالي، فإن هذا الخيار جرِّب ولا حاجة للعودة إلى مناقشته. وهو أمر محل توافق وتثبيت من غالبية أركان الكنيسة.


الديموقراطيّة التوافقيّة:

سبق للعماد عون وفريقه أن استمعوا إلى وجهة النظر المتعلقة بالموقف من الديموقراطية التوافقية، وتثبَّّتَ من تأثير جهات سياسية تريد تصوير هذا المبدأ على أنه مسبّب لتعطيل المؤسسات، والنظام السياسي اللبناني، الأمر الذي احتاج إلى إعادة تذكير أركان الكنيسة بواقع لبنان الديموغرافي وتركيبته وتنوّعه، مع شروح إضافية عن واقع الأنظمة السياسية في دول عدة في العالم، من بينها الدول المتقدمة، حيث يُضمن الاستقرار من خلال مشاركة الجميع، وهي مشاركة لا تكون من خلال قانون الأكثرية والأقلية، الذي قد يؤدي إلى عزل قوى وجماعات بأكملها. وبالتالي، فإن وجهة نظر قوى المعارضة في لبنان تستهدف تأمين مشاركة كاملة دائماً، وعدم رهنها بنتائج انتخابات، قد تؤدي إلى إبعاد طوائف بأكملها عن دائرة الحكم.
وقد ركّز عون على أن الأزمة هنا هي أزمة سياسيّة لا أزمة في النظام، وأنها ناجمة عن الخلافات وعن أزمة الثقة الموجودة، التي أمكن تجاوزها من خلال الحوار والتفاعل والتفاهم، مع الإشارة صراحةً إلى أن على المسيحيين اتخاذ مواقف موصِلة بين المجموعات اللبنانية، لا الوقوف إلى جانب طرف ضد آخر، وخصوصاً في التجاذب السني ـــــ الشيعي.


سلاح المقاومة:

أمّا بشأن المقاومة، فثمة تقديم بديهي يتعلق بوجود سبب فعلي لقيام المقاومة، وهو الاحتلال الإسرائيلي، ومن قام بهذه المهمة هم من أبناء لبنان، لا من الخارج، وأن هناك فروقاً كبيرة بين المقاومة اللبنانية والمقاومات الأخرى التي مرت على لبنان. أضف إلى ذلك وجود واقع قائم، وقد جرب العالم كله أساليب مختلفة بقصد نزع سلاح المقاومة أو التخلص منها، وقد فشلت كل هذه الخيارات بما في ذلك خيار العمليات العسكرية الواسعة، التي قامت بها إسرائيل. وكان عون حاسماً في أن هذا الموقف «لا يعني أبداً التبعية لأيّ جهة، ولكن هناك حاجة إلى مناقشة الأمر والإقرار بأن المقاومة لا تمثّل خطراً على لبنان ولا على مسيحيّيه».

Script executed in 0.18604588508606