أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

دقت الساعة

الخميس 24 كانون الأول , 2009 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 11,939 زائر

دقت الساعة

تُجمع المرجعيات السياسية والأمنية على أن أوضاع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لا تبشّر بالخير. وتُجمع أيضاً على أن وقت التغيير قد حان. فالاستمرار في الوضع الحالي يُعيد المؤسسة يوماً بعد آخر إلى مزيد من السوء. انطلقت عجلة البحث في التعيينات الأمنية لم تتقدّم معالجة خلافات قيادة قوى الأمن الداخلي، التي أنجزها السياسيون قبل نيل الحكومة الثقة، نحو تسوية شاملة، مع أن وزير الداخلية زياد بارود وعد بطرح هذا الملف على الجلسات الأولى لمجلس الوزراء. وتشير المداولات السياسية إلى استمرار التباين في أمور كثيرة، أبرزها الدور الأمني والسياسي لهذه المؤسسة، وبتّ مصير «شعبة» المعلومات وإعادة النظر بأحوال بقية القطعات والوحدات.
عندما حاول بارود تسوية الأمر من خلال صورة إعلامية برزت في جولاته الميدانية مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وقائد الدرك العميد أنطوان شكور، تبين أن الخطوة لها أهداف محددة: إشعار الجمهور بأنّ المؤسسة يمكنها العمل رغم الخلافات (وهو أمر غير حقيقي)، والقول لأركان المديرية إنهم خاضعون لسلطته، وإن عليهم الالتفات نحو تأدية واجباتهم بغضّ النظر عن الخلافات السابقة. إضافة إلى ذلك، أراد بارود التعبير عن إمكان التعايش بينه وبين ريفي.
لكن التسوية التي تمّت قبل أسابيع اقتصرت على نزع فتيل الانفجار بين ريفي وشكور. إذ إن مجلس القيادة لا يزال معطلاً، وهو بات اليوم، أكثر من أي يوم مضى، بحاجة إلى صدمة تغيّر أسلوب عمله. وهذه الصدمة تكون من خلال التغيير، أو بقرار سياسي.

رئيس الحكومة سعد الحريري متمسك ببقاء المدير العام اللواء أشرف ريفي في منصبه

فالاتفاق على أصغر قرار بات بحاجة إلى «شيخ صلح» ليضمن انعقاد المجلس. ترقية الضباط التي أقرها المجلس في اجتماعين عقدهما خلال اليومين الماضيين، مثال. البند ملِحّ على جدول أعمال المديرية. فبعد نهاية الشهر الجاري، تصبح الترقية بحاجة إلى قانون يصدر عن مجلس النواب. وقبل انعقاد جلستي اليومين الماضيين، طرح ريفي على بعض أعضاء المجلس أن يكون جدول أعمال اجتماعاتهم عادياً، أي أن يضم كل ما يتيح الوقت دراسته. نشط قائد جهاز أمن السفارات، العميد عدنان اللقيس، في الاتصال بزملائه في المجلس، لكن طول المباحثات أدى إلى اتفاق هزيل: ينعقد مجلس القيادة ليدرس جدول أعمال يضم بنداً واحداً فقط، هو ترقية الضباط. ما عدا ذلك، مؤجل إلى أن تُحل قضية «شعبة» المعلومات، أو أن يسترد وزير الداخلية مراسلته التي كان قد بعث بها في الشهر الأخير من عام 2008، والتي طلب فيها من مجلس القيادة بتّ أمر القطعات المستحدثة، وأُولاها «شعبة» المعلومات، إضافة إلى إجراء مناقلات عامة للضباط. وبما أن اقتراح تشريع «شعبة» المعلومات لم يحصل على عدد الأصوات الكافية للموافقة عليه، فإنه سُحِب من التداول، من دون أن تجيب المديرية على طلب الوزير، فبقي هذا الطلب معلقاً منذ نحو 12 شهراً. وعلى هذا الأساس، يتهم قائد الدرك العميد أنطوان شكور، ومعه عدد من أعضاء مجلس القيادة، اللواءَ أشرف ريفي، «بأنه يريد فرض أمر واقع، وإقرار الأمور بطريقة استنسابية، ينفذ بواسطتها ما يشاء من قرارات مجلس القيادة». وبحسب هذا الفريق، «فإن البنود المطروحة على جدول الأعمال، كترقية الرتباء مثلاً، هي محقة. وإن عدم إقرارها سببه طريقة إدارة ريفي للأمور في مجلس القيادة».
وبحسب أصحاب هذه الوجهة، «فإن مسؤولية وزير الداخلية أساسية في هذا المجال، لكونه هو من طلب من مجلس القيادة تسوية أوضاع القطعات المستحدثة. وقد صدرت مجموعة من القرارات التي لم ينفذها المدير العام، ولم يحاسبه أحد على ذلك. كذلك، فإن القادة السياسيين ـــــ يتابع أصحاب الرأي ـــــ «الذين عملوا على تجنب الانفجار قبل مدة، قالوا إنهم سيصرون على معالجة الأمر بعد نيل الحكومة الثقة، ولم يحصل شيء من هذا القبيل. والمدير العام يريد إبقاء وضع مئات الضباط المفصولين بطريقة غير قانونية على ما هو عليه، ويريد إبقاء فرع المعلومات يقوم بدور غير قانوني وغير شرعي».
في المقابل، يرى ريفي أن مسألة «شعبة» المعلومات باتت في عهدة السلطة السياسية. ولا يجوز أن تتوقف دورة العمل بسبب خلاف يعلم الجميع أن حله سيكون على المستوى السياسي، لا في مجلس القيادة.
بدوره، يرى وزير الداخلية، بحسب مقربين منه، «أنّ من غير الجائز أن تُرمى الملفات في حضنه». وهو في هذا المجال يقول كلاماً قاسياً بحق من لا «يؤدي واجباته»، سواء لناحية إيجاد حلول للملفات العالقة منذ سنوات، أو لجهة القضايا اليومية المتعلقة بأفراده ورتبائه وضباطه ومهماته ووحداته. ويرى الوزير أن أمور المديرية لن تستقيم إلا بالعودة إلى القانون، مع ما يعنيه ذلك من بتّ أمر القطعات المستحدثة، مع تحديد صلاحية كل منها بوضوح، ثم إجراء مناقلات عامة للضباط وإجراء تغيير جذري في مجلس القيادة، وهو ما لا بد منه بعد سنوات التعطيل في المديرية.
التغيير الجذري بدأ يستشعر قربه قسم من أعضاء مجلس القيادة. فعدد كبير من هؤلاء يرون أن الفترة الحالية هي «وقت مستقطع» قبل التغيير الآتي. وقد بدأ النقاش السياسي في الأمر.
رئيس الحكومة سعد الحريري متمسك ببقاء المدير العام اللواء أشرف ريفي في منصبه. ووزير الداخلية لم يطرح يوماً استبدال ريفي. ورغم أن البعض تداولوا خلال الأسابيع الماضية خبراً مفاده أن قوى الأقلية النيابية أبلغت رئيس الحكومة أنّ تغيير قائد الدرك العميد أنطوان شكور لن يكون من دون تغيير المدير العام، إلا أن المعنيين بالملف في قوى الأقلية نفوا ذلك قطعاً.

بعض أعضاء مجلس القيادة يرون أن الفترة الحالية «وقت مستقطع» قبل التغيير الآتي

إضافة إلى دعمه بقاء ريفي في منصبه، فإن رئيس الحكومة سعد الحريري يقف خلف المدير العام في مطلبه تغيير اثنين على الأقل من أعضاء مجلس القيادة، هما قائد الدرك العميد أنطوان شكور ورئيس هيئة الأركان العميد جوزف الحجل. لكن وزير الداخلية، كلما سئل عن الأمر، أجاب بأنه يريد تغييراً جذرياً، لا على قاعدة الانتقام من أحد، وخاصة قائد الدرك العميد شكور. لكن يبدو أن فكرة التغيير الشامل لن تكون سهلة، رغم أنها إلزامية إلى حد ما، إذ إن عقد المجلس بدأ بالانفراط، منذ إحالة العميد سمير قهوجي على التقاعد بداية الشهر الجاري. فخلال الأشهر المقبلة، سيلحق به أربعة من زملائه، هم العمداء أنور يحيى وعبد البديع السوسي وسيمون حداد ونبيل مرعي. والأخير (هو من حصة تيار المستقبل في المديرية)، كان بعض المقربين منه يشيعون بأنه يحظى بدعم بعض قوى الأقلية النيابية ليصل إلى منصب المدير العام للأمن الداخلي. إلا أن التدقيق في ذلك بين أنه ليس أكثر من أُمنية، إذ إن قوى الأقلية تفضل، بدرجات، بقاء ريفي على وصول مرعي.
في ما يخص تغيير أعضاء مجلس القيادة، يبدو أن المشكلة تتركز على الأعضاء المسيحيين الخمسة. فمنصب المدير العام محسوم لريفي (إلى حين بحث تغيير قادة الأجهزة كافة). والفريق السياسي الشيعي ليس تحت الضغط لاستبدال العميدين عدنان اللقيس ومحمد قاسم (الإدارة المركزية). فبحسب أحد السياسيين المعنيين بالملف، إن العميدين المذكورين «لم يخطئا طوال السنوات الماضية، سواء في عملهما داخل المديرية، أو في القضايا السياسية». وبناءً على ذلك، فإن استبدالهما ليس أمراً ملحاً، رغم أنه هيّن، لوجود عدد كبير من الضباط الشيعة المؤهلين للوصول إلى مجلس القيادة، ممن يرتاح لهم طرفا الثنائية الشيعية، كالعمداء علي خليفة ومحمود إبراهيم وعدنان عبود والعقيد أسعد الطفيلي. ويرى مرجع سياسي في قوى الأقلية أن حزب الله وحركة أمل يربطان استبدال العميدين اللقيس وقاسم بتعيينهما في مناصب إدارية أو دبلوماسية أخرى. أما العضو الدرزي الوحيد في مجلس القيادة، العميد انور يحيى (قائد وحدة الشرطة القضائية)، فلا يبدو التوصل إلى اسم خليفة له أمراً صعباً، وخاصة أن الأمر بات محصوراً بين 4 عمداء، هم: منير شعبان وصلاح عيد وهشام الأعور وياسر المحمود. وهؤلاء، يحظون برضى المرجعيات السياسية الدرزية، وخاصة النائب وليد جنبلاط. كذلك الأمر عند السُّنّة. فخليفتَا العميدين نبيل مرعي وعبد البديع السوسي، سيُختاران من بين العمداء أحمد حنينة وزهير كشلي وعبد الرحمن غلاييني وديب الطبيلي، إضافة إلى العقيدين منذر الأيوبي وبسام الأيوبي. ويبدو أن اختيار اثنين من المرشحين الستة لن يكون صعباً على تيار المستقبل وحلفائه، ولا سيما أن معظمهم لا يستفز أي طرف سياسي.

في ما يخص تغيير أعضاء مجلس القيادة، يبدو أن المشكلة تتركز على الأعضاء المسيحيين الخمسة

لكن المعضلة تبقى في التوافق المسيحي. وكما في كل أمر، فإن كلاًّ من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ومسيحيي قوى 14 آذار يريد حصة في هذه التعيينات، مع إضافة رضى المرجعيات الدينية. ومن جهة الأقلية النيابية، وضع الأمر في عهدة العماد ميشال عون. واتُّفق على ذلك خلال الاجتماع الذي عقده أركان المعارضة بعيد الاتفاق على التشكيلة الحكومية، إذ تقرر أن يعمد عون إلى اختيار عدد من المرشحين على «أساس الكفاءة». في هذا الإطار، يبدو أن لدى عون خمسة مرشحين للمقاعد المسيحية، علماً بأن البحث يتعلق بسبعة مرشحين للمواقع المارونية الثلاثة (الدرك، القوى السيارة، والخدمات الاجتماعية)، هم العمداء: صلاح جبران، جوزف الدويهي، رولان عبد الساتر، فادي الهاشم، خليل أبو راشد، الياس سعادة والعقيد جوزف الحلو. إضافة إلى هؤلاء، يبقى قائد وحدة القوى السيارة الحالي العميد روبير جبور مرشحاً جدياً لقيادة الدرك، وهو يتمتع بصلات جيدة مع عدد كبير من الأطراف السياسية. إلا أن استقرار الرأي على تغيير جذري في المديرية سيضعف حظوظه في البقاء في مجلس القيادة. وفي الموقع الأرثوذكشي (هيئة الأركان)، ثمة ثلاثة مرشحين جديين، هم العمداء سامي نبهان وصباح حيدر وإيليا العبيد. وفي موقع المفتس العام (كاثوليكي)، يوجد مرشحان جديان هما العميدان شارل عطا وبيار نصار.
افتُتِح البازار السياسي، ويملك وزير الداخلية مفتاح اقتراح الأسماء في مرسوم عادي، يحتاج إلى أربعة توقيعات فقط: رئيسا الجمهورية والحكومة، ووزيرا الداخلية والمال. ويعرف زياد بارود جيداً أن المرسوم لا يصدر في لبنان، وفي هذه المرحلة تحديداً، إلا بتوافق بين الأطراف السياسية. ويعرف أيضاً أن ثمة من يربط بين التعيينات الأمنية والإدارية، ويعطي الأولوية للإدارية.
أمر آخر سيُطرَح على بساط البحث خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. ففريق تيار المستقبل في المديرية يقترح تعديل بعض القوانين المنظمة لآلية اتخاذ القرار في المؤسسة، وخاصة في مجلس القيادة، حيث يحتاج إصدار أي قرار اليوم إلى أكثرية 8 أعضاء من 11.

يملك وزير الداخلية مفتاح اقتراح الأسماء في مرسوم عادي، يحتاج إلى أربعة توقيعات فقط

وكان ريفي قد رفع، قبل أكثر من عامين، دراسة إلى وزير الداخلية يقترح فيها تعديل هذه الآلية، لتصبح شبيهة بما هو معتمَد في الجيش، إذ تصدر القرارات عن المجلس العسكري بعد حصولها على نصف عدد أعضاء المجلس، ويرجّح الكفة صوت قائد الجيش. ويرى ريفي أن استمرار العمل في المديرية، كما هو متّبع حالياً، يؤدي إلى منع مجلس القيادة من اتخاذ أي قرار من دون الحصول على موافقة 75 في المئة من أعضائه، وهي النسبة التي يحتاج تعديل الدستور إلى أقل منها. ويدعم رئيس الحكومة ريفي في هذا التوجه، إلا أن هذا الدعم لن يضمن لهذا المشروع القدرة على إبصار النور. فالأقلية النيابية تعارضه، وكذلك بعض أطراف الأكثرية، إضافة إلى وزير الداخلية الذي لا يريد سوى التزام المديرية بالقوانين المرعية الإجراء حالياً، قبل القفز إلى تعديلها. ويتسلح معارضو ريفي بأنّ الفارق كبير بين المؤسسة العسكرية والأمن الداخلي، وخاصة أن الأخيرة على تماس يومي مع المواطنين، وهي ليست مؤسسة عسكرية، بل إن الجانب المدني يطغى على عملها.
وبالنسبة إلى «شعبة» المعلومات، فإن مرجعاً أساسياً في الأقلية أكّد لـ«الأخبار» أن «كل ما نريده هو أن تكون هذه القطعة الأمنية واضحة المهمات والصلاحيات، وأن تلتزم بنص القانون، وأن يكون عديدها محدداً، وأن تكون خاضعة لقرارات مجلس القيادة». يضيف آخر أنه «لا يجوز أن يجري رئيس هذه القطعة تشكيلات لضباطه من دون العودة إلى أحد، وهو ما لا يتوافر لأي ضابط آخر في أي جهاز أمني». في السياق ذاته، يؤكد وزير الداخلية زياد بارود أنه سيطرح مسألة «المعلومات» على بساط البحث السياسي قريباً جداً، واعداً بتوفير توافق عليها.



رجال أمن يشكون: من يحمينا؟

 

يصعب العثور على لبناني يبدي رأياً حسناً بضباط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وأفرادها. هؤلاء، يوصفون بأقذع الأوصاف: زعران، فاسدون، مرتشون... وما إلى ذلك من العبارات التي يزخر بها القاموس الشفوي اللبناني. وفي المديرية، لا ينفي معظم الضباط والرتباء وجود فاسدين فيها. ويمكن السائل أن يحصل على أجوبة أكثر مما كان يتوقع: ذلك الضابط (لا يزال برتبة وسطية) اشترى قبل أيام شقة يزيد سعرها على 700 ألف دولار، علماً بأن مجموع ما تقاضاه من رواتب وتعويضات طوال خدمته التي لم تنته بعد، لا يصل إلى أقل من نصف هذا المبلغ. وغيره يُقال إنه «انتَزَع. كان آدمياً. أما اليوم، فتراه لا يترك باباً للرشوة إلا يطرقه». ويمكن سماع ما لا يُحصى عن قصص الفساد. تُعطى له تفسيرات وأسباب ومبررات عديدة. أبرزها غياب المحاسبة، ووجود حمايات سياسية ومذهبية للفاسدين والمفسدين، وسوء الأحوال المالية لمعظم الرتباء والضباط ذوي الرتب المنخفضة. ويقول بعض المعنيين بالأمر إن أفراد هذه المؤسسة لم يأتوا من خارج الكوكب. بل هم أبناء هذا البلد. والفساد الموجود في المديرية هو بالنسب ذاتها، في معظم الدوائر الرسمية الأخرى.
لكن الواقع السيئ لا يخفي وجود أناس غير فاسدين في هذه المؤسسة. وهؤلاء كثر. يشكون دوماً سوء حالهم. بعضهم يتألم لما يُقال عنهم. يقول أحدهم: «كراماتنا تُهان كل يوم». يقر الضابط الشاب بالواقع. يقول إن الشخص الصالح في المديرية وغير المرتهن ليس له من يحميه. يتحدّث هو وزملاؤه عن أحد الضباط الكبار: «عندما كان آمراً لإحدى مفارز السير، كان يمنعنا من تحرير مخالفات بحق أصحاب السيارات التي تقف أمام عدد من المطاعم، لأنه اتفق مع أصحابها على مبلغ محدد يُدفَع له شهرياً. وعندما تجرأ أحد الأفراد على ذلك، نُقل بعد أيام للخدمة في أبعد مكان عن بيته». ضابط آخر يستذكر فترة خدمته في شرطة السير: «كنت أقفل هاتفي بوجه من يراجعني طالباً تسهيل أمور سائق مخالف. وبعد مدة، اتصل بي العميد قائلاً: «تخّنتا». وبعد أيام صدر قرار فصلي.
هؤلاء الضباط والرتباء لا يثقون اليوم بأحد. يسألون عن حق زميلهم الذي ضُرب في الضاحية قبل مدة لأنه «سنّي يخدم مع المفتي»، وعن حق زميلهم الآخر الذي ضُرب في الطريق الجديدة بسبب خلاف على أفضلية المرور، أو ذلك الذي تعرّض للإهانة في النبطية. أحدهم اتصل بمدّع عام لإبلاغه عن سيدة شتمته أثناء محاولته تحرير مخالفة بحقها، فأمر المدعي العام باصطحابها إلى المخفر. وهناك، تُترَك السيدة حرة، فيما يُترَك الضابط بسند إقامة. «هي بريئة وأنا مشتبه فيه. إنها زوجة فلان».
يحمّل هؤلاء الضباط والأفراد مسؤولية ما يجري لوزير الداخلية والمدير العام. «لو لم يسكت المعنيون عن حقنا لما تجرأ أحد علينا. إنهم يدفعوننا دفعاً باتجاه المرجعيات السياسية والمذهبية، أو إلى الالتفات إلى أوضاعنا حصراً وعدم الاكتراث لما يجري حولنا. إنهم يدفعوننا إلى الفساد بكل أشكاله».
ويوجّه عدد من هؤلاء الضباط والرتباء أسئلة إلى الوزير والمدير العام. يقول أحدهم: أنشأت المديرية قسماً لحقوق الإنسان. والوزير لا يترك مناسبة إلا يشدد فيها على المحاسبة. لكن مَن يحصّل لنا حقوقنا؟ ويضرب أحد هؤلاء مثلاً المساعدات الطبية. أحدهم لم يتقاضَ مستحقاته الطبية منذ 5 سنوات، علماً بأنه يعمل في واحدة من سرايا الحراسة الرئاسية. وآخر توفي والده قبل أن يحصّل بدل استشفائه. وثالث لم يتمكن من تحصيل مستحقاته إلا بعد خضوعه لابتزاز أحد زملائه الذي طلب رشوة للإسراع في تأمين المساعدة المرضيّة.
رتيب آخر يتحدّث عن مكان خدمته: «أعمل في هذا المخفر منذ سنوات. انظر آثار الرطوبة على جدرانه. دولتنا تنتظر من يتصدّق عليها لتحسين أماكن عملنا». يضيف: «أنا مجاز في الحقوق. وأندم على اللحظة التي تطوّعت فيها في هذه المؤسسة».

 



«مصعد للضباط»... «مصعد للرتباء»...

 

نبيه بري (أرشيف)نبيه بري (أرشيف)قبل أيام، حُدّد موعد لاجتماع مجلس قيادة المديرية العامة للأمن الداخلي. تفاءل كثيرون في المؤسسة. ظنّوا أن الفرَج قد حان. استبشروا خيراً. مسألة أيام، وتُسوّى أوضاعهم، سيُرقّى من حان موعد ترقيتهم، وسيثبّت المجندون المتعاقدون، وسيُنظَر بطلبات فسخ التعاقد للعشرات الذين تقدموا بها. سرعان ما تبددت جرعة التفاؤل هذه. فعضو مجلس القيادة، العميد أنور يحيى، طرح على جدول الأعمال ترقية الرتباء الذين يستحق بعضهم الترقية منذ بداية عام 2008 ولم يحصلوا عليها. لم يلقَ اقتراح يحيى آذاناً مُصغية في المجلس، إذ إن بعض أعضاء المجلس ربطوا بتّ الأمر بحل مشكلة «شعبة» المعلومات. وبناءً على ذلك، قرر قائد الشرطة القضائية حضور المجلس من دون المشاركة في مداولاته، احتجاجاً على الغبن اللاحق بأكثر من 3600 رتيب. الغبن يلحق أيضاً بنحو 4500 مجنّد، مُددت خدماتهم سنة إضافية بعد انتهاء العقد الأول الذي كان لخمس سنوات. تؤرق هؤلاء هواجس كثيرة، إذ لا تعويضات لهم، عائلاتهم لا تستفيد من التقديمات الطبية. ويروي أحدهم أنه تزوّج بعد تعاقده مع قوى الأمن، وأنه اضطُر للتوقيع على ورقة يوافق فيها على أن زوجته لن تستفيد من استشفاء قوى الأمن. وفوق كل ذلك: ماذا سيفعلون إذا لم يجرِ تثبيتهم؟
المثبّتون ليسوا أفضل حالاً، فمسألة الترقيات لا تقل شأناً من حيث الأهمية. وبين الرتباء نحو 30 سيحالون على التقاعد بسبب بلوغهم السن القانونية، في الأسابيع القليلة المقبلة، علماً بأن ترقياتهم سبق أن استحقّت من دون أن يحصلوا عليها. وبعض زملائهم في الجيش كانوا قد انتسبوا إلى المؤسسة العسكرية بتاريخ انتساب رجال الأمن الداخلي إلى مؤسستهم، إلا أن بعضهم سبق زملاءه برتبتين. ففي الجيش، لا تتأخر الترقيات عن موعدها، وكذلك الأمر في الأمن العام وأمن الدولة.
ونظام ترقية الرتباء لا يشبه ذلك الخاص بالضباط. فتأخير ترقية الضباط لا يحرمهم حقوقهم، إذ إنه يصدر بقانون يحفظ لهم المفعول الرجعي. أما الرتيب الذي لا يرقّى عندما تحين ترقيته، فإن أي حق لا يُحفَظ له. الفارق بين النظامين يشبه واقع وجود مصعدين في معظم الثكنات الرئيسية التابعة للمديرية. أحد المصعدين «مخصص للضباط»، والآخر «للرتباء والأفراد». قبل أسابيع، وقف أحد العمداء المرشحين لدخول مجلس القيادة قرب مصعد ليوبّخ رتباء ومجندين. فهؤلاء ارتكبوا مخالفة لا يجوز السكوت عنها. استخدموا «المصعد المخصص للضباط». بعد توبيخهم، توعدهم العميد بعقوبات قاسية إذا كرروا «فعلتهم»!
الرتباء المحرومون الترقية لجأوا أول من أمس إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. قصدوه إلى منزله في المصيلح من دون موعد. شرحوا له معاناتهم. استغرب بري الأمر، واتصل بمن يعنيهم الأمر. وعبر قنواته الخاصة، طلب رئيس مجلس النواب من رئيس الإدارة المركزية في المديرية العميد محمد قاسم السعي إلى حل المعضلة، إذ لا يجوز أن يلحق الغبن بهذه الشريحة المهمة من الأمنيين. وطوال أمس، سعى قاسم والعميد عدنان اللقيس لدى أعضاء مجلس القيادة إلى بتّ هذه القضية. ومن المتوقع أن يتابعا اتصالاتهما اليوم للغاية ذاتها.
حتى مساء أمس، كان سبعة من أعضاء مجلس القيادة موافقين على حل مسألة ترقية الرتباء التي تحتاج، كغيرها من قرارات مجلس القيادة إلى 8 أصوات. وقال عضو ثامن لـ«الأخبار» إنه سيوافق على إقرار الترقية إذا توافر النصاب. وأبدى المدير العام استعداده لعقد جلسة خاصة لحل هذا الأمر. أما وزير الداخلية زياد بارود الذي أكّد في غير مناسبة أنه لن يسمح بأن يدفع الرتباء ثمن الخلافات في مجلس القيادة، فكرر امتعاضه من اضطراره للتدخل في قرارات تعود صلاحية إصدارها لمجلس القيادة حصراً. وقد وجّه كتاباً إلى المديرية (يفترض أن يكون قد وصلها صباح اليوم) يتعلق بقضية الرتباء.
مرة جديدة، يثبت مجلس قيادة المؤسسة أنه بحاجة إلى دفع من المستوى السياسي للقيام بواجباته. وبفعل الدفع السياسي، وُضِعَت ترقية الرتباء على جدول الحل. تبقى قضية المجندين. وهؤلاء، أجاز مجلس الوزراء تثبيت نحو 6 آلاف منهم. لكن مجلس القيادة لم يتوصل بعد إلى الاتفاق على تثبيتهم. السبب الرئيسي مذهبي وطائفي. وفي الانتظار، يؤدي هؤلاء المجندين معظمهم المهمات التي يقوم بها زملاؤهم المثبتون. وأكثر من 80 منهم تقدموا بطلبات لفسخ تعاقدهم، إذ إنهم يريدون التقدم إلى وظائف مدنية. لكن أمر طلباتهم لم يُبَتّ بعد. هم «غير معلّقين، وغير مطلّقين».

شارك في الإعداد رضوان مرتضى

Script executed in 0.16978192329407