حيث أُوقدت الشعلة الأولى تحت القدور النحاسية السميكة بعد تأمين الحطب اللازم لها، معلنة انطلاق اليوم "العاشورائي" المبارك الذي نُذر من قبل هؤلاء الشبان حباً للامام الحسين (ع) باعتبار ان طبخة الهريسة هي من الاطعمة التقليدية التي يقال وبحسب الروايات انه يرجع تاريخها الى عام 61 للهجرة، العام الذي استشهد فيه الامام الحسين وآل بيته وأصحابة (ع) وأخذت عياله بمن فيهم الأطفال سبايا الى بلاد الشام..وهناك أنهكهم الجوع بعد أن أعياهم التعب لطول الطريق فكانت العقيلة زينب(ع) تجمع الحبوب الموجودة في الخربة التي احتجز الملعون يزيد فيها السبايا وراحت تعمل من هذه الحبوب القليلة جداً طعاما تسد به رمق الجوع الذي أنهك الأطفال..
اكثر من 12 ساعة كانت كافية لطهي الهريسة التي وضعت في قدور نحاسية " خلائين " التي انعقد حولها مجموعة كبيرة من ابناء الحي الذين تناوبوا حتى الصباح على هرسها بملاعق خشبية ضخمة على نار هادئة من حطب، فيما انشغلت النسوة بتهيئة مستلزماتها وسلق اللحمة، و تقدير السمنة ومراقبة سير العمل. تقول المشرفة على طبخة الهريسة المربية نزيهة جمعة "ليس الرجال وحدهم من يطبخون الهريسة فالنساء خاصة كبيرات السن لهن في طبخها لمسات كبيرة واساسية" وأضافت "أنا تعودت على طبخ الهريسة منذ فترة طويلة و دائماً نحرص على طبخها كل عام"، مضيفة " بعض الناس يطبخونها على الغاز اما القسم الكبير من اهالي البلدة فانه يعتمد الحطب لذلك، لتوزع لاحقاً بعد الانتهاء من طبخها في الصباح الباكر على المشاركين وبيوت البلدة .
اما باسل شرارة يقول " الهريسة في أيام عاشوراء لها نكهة مميزة ولها مدلولات تاريخية وإيمانية أيضا وهذا تقليد تعودت عليه منذ كنت صغيراً حيث كان الاهل يعملون الهريسة لأجل التعبير عن الحب والولاء الى الامام الحسين والى واقعة الطف التي استشهد فيها الامام الحسين في العاشر من محرم الحرام."
الحال هذا ينطبق على جميع احياء بنت جبيل، اذ بات هذا التقليد سنوياً اساسياً في ايام عاشوراء، فتقام ورش الهريسة تقريباً في جميع الاحياء و الحارات التي تشبه الى حد كبير " الكرنفال " الشعبي، فـ بالاضافة الى الاجر و الثواب، فانها تجمع الاسر و الجيران والاصدقاء عن روح ابا عبد الله الحسين عليه السلام.
التقرير مصور