أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أفريقيـات يتحضـرن لرأس سـنة في الغـربـة: نرقـص ونفـرح.. ولا نعـرف مـن أجـل مـاذا نفـرح

الثلاثاء 29 كانون الأول , 2009 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,591 زائر

أفريقيـات يتحضـرن لرأس سـنة في الغـربـة: نرقـص ونفـرح.. ولا نعـرف مـن أجـل مـاذا نفـرح
أنوار أشجار الميلاد ما زالت مضاءة، فبهجة العيد ساطعة، وسيلمع وميضها للأيام اللاحقة، أي حتى موعد ليلة رأس السنة بعد غد الخميس. في تلك الليلة التي تحمل «طقوسها» الخاصة أيضاً.
لكن، بين عيد الميلاد وليلة رأس السنة، هناك فقراء آخرون. مغتربون. مبعدون عن بلادهم. هم من أفريقيا. كيف احتفل هؤلاء بعيد الميلاد، وما هي ترتيباتهم لليلة رأس السنة؟
تعبق رائحة غريبة في الغرفة الصغيرة، حيث تتوزع الأسرّة ذات الشراشف الرثة. تقول «هيلين» إنها رائحة طحين. فالغرفة التي تنام فيها الفتاة العشرينية، تقع في الفرن الذي تعمل فيه. وهو فرن مخصص لصنع خبز لأتراب هيلين: الجالية «الأثيوبية».
تعمل الفتاة الكاثوليكية في لبنان منذ أكثر من 4 أعوام. وهي، مذ استقرت في البلد، راحت تمتهن مهنة صناعة الخبز «الأثيوبي الخاص»، الذي يشبه الى حد كبير «القطايف» التي نعرفها. أيام الآحاد، يكتظ الفرن بأقران «هيلين»، خصوصاً أنه الوحيد في المنطقة. تتقاضى الفتاة، من صاحب الفرن اللبناني، مبلغ ثلاثمئة دولار أميركي في الشهر.
تبتسم «هيلين» بفرح. تقول: «مبسوطة كتير». في الغرفة لا وجود لشجرة الميلاد، انها في أثيوبيا، الشجرة ليست هنا. والعيد مر على الفتاة كأنه ذكرى. «تذكرنا المسيح» تقولها بالانكليزية. تتسع حدقتاها، تزامناً مع بروز أسنانها اللامعة وتردف: معلم كويس كتير».
بعد أيام قليلة، ستعقد الفتاة حفلة صغيرة في الغرفة، هي وصديقتها، احتفاء بليلة رأس السنة. تقول إنها ستحضر لصديقتها طعاماً لذيذاً. ما هو يا ترى؟ «كوسا وبصل» تجيب. هيلين لا تصطنع الاقتناع، أو السعادة. فعيناها تدلان على صدق قناعتها، بالرائحة الغريبة، والسرير المهترئ، والغربة عن أهلها، والكوسا والبصل. هيلين سعيدة.
في أحد الأحياء العشوائية، المعروفة باحتضانها لصاحبات البشرة السوداء، تقطن سيدة ثلاثينية مع ابنتها باميلا، التي تبلغ من العمر 13 عاماً. السيدة اسمها فيرا، وهي توجهت من بلدها الأم «سيراليون» الى لبنان منذ 13 عاماً. فيرا حزينة.
تقول السيدة إن عيد الميلاد، هنا في لبنان، ما هو الا يوم عادي بالنسبة لهم، أو لهن. في المنزل المتوسط الحجم، يوجد ثلاثة أجهزة: كومبيوتر وتلفزيون و«دي في دي»، بالاضافة الى شجرة الميلاد الصغيرة. «هيلين» لم يكن عندها أي منها. «الشجرة من أجل باميلا» تقول الوالدة، لافتة الى أن هذا اليوم بات مجرد ذكرى، فقط.
تستذكر فيرا ليلة الميلاد في «سيراليون»: «في بلدنا، لا يوجد حواجز تسألك عن الاقامة. هناك، لا نفكر بإيجار المنزل. هناك ننتظر عيد الميلاد، أما هنا.... «. تتدخل «جوي»، صديقتها، وتضيف «هونيك نحنا محترم.. هوني لأ. هوني بوليس يتحركش فيك، وإذا ما حكيتو، بقلك وين اقامة؟!».
يسود التوجس في الغرفة لهنيهة، تغمغم جوي بضع كلمات غير مفهومة لصديقتها. ترمقها فيرا مستغربة، فتسألنا «معقول انت تبلغ عنا؟ انت يمكن بوليس؟». نشرح لها، فتقتنع، وتقنع صديقتها. تتذمر فيرا من السمعة التي تلاحقهن أينما ذهبن، فتعلق قائلة: «اذا سمك واحد انتزع بالبحر، كل السمك ينتزع؟». هي تعتبر، أن هذا الأمر لعنة. ولهذه اللعنة أساليب للدفاع، كالكمين مثلاً.
«بس شوف حدن ماشي وراي، بصير روح شمال، روح يمين. بوصل ع الحي، وبنزل فيه خبيط» تقول، وتضيف: «أنا معروفة اني محترمة بالحي. الكل يعرف أنا».
مر عيد الميلاد على فيرا كأي يوم عادي، ورأس السنة سيحل عليها عادياً أيضاً. ستعد الطعام لصديقاتها وابنتها. ستأكل، وتنام.
تنتظر الأم لحظات قليلة، تتأكد أن ابنتها باميلا قد خرجت، فتعدّل في اجابتها: بصراحة، سنخرج الى «النايت كلوب» (ملهى ليلي)، لكن سنكون نسوة فقط. في رأس السنة لا يستطيع أحد أن يبقى في المنزل. صحيح؟» تسأل، ثم توضح «انها الليلة الوحيدة التي نجتمع فيها. نرقص، نثمل، ونفرح. لكن لا نعرف من أجل ماذا نفرح»، تضحك السيدة.
تستغرب جوي صراحة صديقتها، فتقرر هي أيضاً أن تخبرنا ماذا ستفعل في ليلة رأس السنة: هناك خياران، اما أن أبقى في المنزل مع صديقتي، ونشاهد التلفاز، وإما أن أحتفل ببرنامج موفق، وهو التوجه الى السينما ليلاً، والذهاب الى التزلج صباحاً!» لكن، شتان بين الخيارين. تبتسم وتردف: لا تستغرب، الخيار الثاني محتمل، وهو منوط بالاكرامية التي ستعطيني ايها العائلة التي أعمل عندها».
يتزامن حديث جوي، مع غمامة حزن تعلو عينيها. تنكر هذا الأمر، فيزداد حزنها. لا تحبذ الايغال في الحديث. نسألها فتجيب، فقط. فيرا المتوجسة أصبحت نشيطة في الكلام، تقول: «نحنا ما بدنا نجمع مليونات.. مليونات. بدنا نعيش، بس». تعيش فيرا في احد الأحياء العشوائية، وهي، كما تقول، ستعود الى ديارها، لكن بعد حين. تختم فيرا، بلغتها الانكليزية الممتازة: «happy new year».

Script executed in 0.20904898643494