خلدة كالصاعقة التي أرقت ليلهم الماطر رياحا وبرقا ورعدا، مستعيدين اجواﺀ الحزن يوم تحطمت طائرة في كوتونو وسقط فيها مئات اللبنانيين ضحايا الاغتراب والسعي وراﺀ العمل والرزق الحلال.
لف الحزن مدن الجنوب وقراه بعدما اعلن الحداد الوطني، وارتفعت آيات القرآن، فيما توافد الى منازل الضحايا الاقارب والاصدقاﺀ الذين توزعوا بين التحضير لمجالس العزاﺀ وبين التوجه الــى بيروت امــا الى المطار او المستشفيات او المكان الاقرب الى سقوط الطائرة مع فقدان الامل بالعثور على ناجين وفق ما يقول احد ابناﺀ النبطية علي جابر الذي كان يهم بالتوجه الى بيروت، قبل ان يضيف "ان انشطار الطائرة في الجو والوميض الضوئي الذي صدر عنها، فضلا عن سوﺀ الحالة الجوية وصعوبة عمليات الانقاذ اضــافــة الـــى تــشــوه حـــال الجثث جعلتنا نسلم بقضاﺀ الله وقدره وان كنا لم نفقد الامل بالمطلق".
ودلت لائحة الركاب على الطائرة "المنكوبة" ان الجنوب مــن اكثر المناطق خسارة بالضحايا، اذ بين 54 لبنانيا ما يزيد عن 37 جنوبيا يتوزعون بين مغدوشة، النبطية، كفرتبنيت، انــصــار، زبــديــن، زوطر الشرقية، الخرايب، وصــور وبنت جبيل وسواها من القرى، ما يعيد لاذهـــان الجنوبيين مآسيهم مع الطائرات المنكوبة من "كوتونو" الـــى الــطــائــرة "الــفــرنــســيــة" التي تحطمت فــوق المحيط الاطلسي اثناﺀ توجهها من ريو دي جانيرو في البرازيل الى فرنسا.
وواكــبــت صيدا الــكــارثــة ولازم الكثير من ابناﺀ المدينة منازلهم بــعــد اقــفــال الـــمـــدارس الرسمية وتابعوا التفاصيل عبر شاشات التلفزة، فيما أعلنت فرق الاسعاف والـــطـــوارئ الطبية فــي المدينة جهوزيتها لمواكبة عمليات الانقاذ واســتــنــفــرت عــلــى طـــول الشاطئ وقامت بعمليات مسح ميداني بري ووضعت نفسها بالتصرف لتقديم اي مــســاعــدة لـــوحـــدات الجيش اللبناني وقــوات "اليونيفيل" في حال العثور على اي جثث لنقلها الى المستشفيات.
كما أعلنت بلدية صيدا أنها نكست الأعلام حدادا على ضحايا الطائرة الأثيوبية المنكوبة, كما توقفت عن استقبال المعاملات في مختلف دوائرها.
ووصل طيران الانقاذ بطلعاته الجوية فــوق الشاطئ الصيداوي حيث حلق أكــثــر مــن مــرة بشكل دائـــري فــوق الاولـــي "زيـــرة" صيدا وصــولا الى "سينيق" بحثا عن اي ناجين او جثث طافية على سطح المياه.
في بلدة مغدوشة، غص منزل تــوفــيــق الــحــايــك بــحــشــود الاهـــل والاقارب بانتظار خبر ما عن ولدهم انطوان الذي كان على متن الطائرة مــســافــرا الــى نيجيريا سعيا وراﺀ استيراد مواد غذائية رغم انه انهى دراســة علوم الاقتصاد والسياسة، الصمت والذهول خيم على المكان فيما جــلــس الــوالــد الــمــفــجــوع في الصالون يتقبل مؤاساة الوافدين، "الصدمة منعته من الكلام وكأن نظرات عينيه تقول لم اكن أدري انه الوداع الاخير".
وانطوان واحد من ثلاثة، أشقاﺀ توفي احدهم وهو جوزيف بمرض عضال، فيما الآخــر جــورج يتلهف على معرفة مصيره، توجه الى بيروت ليبقى على اتصال هاتفي مع الاهل حــول كــل جــديــد، بينما شقيقاته الثلاث تيريز وحياة ومارغو يندبن حالاتهن على ما حل بالعائلة من اوجاع وآلام بعد وفاة الشقيق الاول جوزيف وآلام جمال واليوم انطوان".
خارج المنزل تواجد بعض الاقارب، وتقول الخالة انطوانيت "بــدلا من التقاط صوره في يوم زفافه، ها نحن نشرب حسرته وجعا مريرا بعدما رضت ظروف الحياة الصعبة ترحاله مــن بلد الــى آخــر لاســتــيــراد المواد الغدائية سعيا وراﺀ الرزق، فهو دائم السفر في الصيف" والشتاﺀ.
فـــي مــديــنــة الــنــبــطــيــة وقـــرى قضائها، خيم الحزن والحداد بعدما فجعت بفقدان 12 شخصا من ركاب الطائرة وقد عاش ابناﺀ المنطقة منذ شيوع الخبر في حال من الذهول والصدمة وهــم يتابعون عمليات البحث عــن ناجين او ضحايا عبر وسائل الاعلام.
وقــد شلت الحركة فــي السوق التجارية وأقفلت الدوائر الرسمية والبنوك ابوابها، وعاد معظم طلاب الــمــدارس الرسمية والخاصة الى منازلهم، فيما جابت سيارة اسعاف تابعة لبلدية النبطية وهــي تدعو عبر مكبر للصوت الاهالي الى رفع الادعية والصلوات من اجل العثور على ناجين، ووجهت دعوات لاقامة مجالس عــزاﺀ عن روح الضحايا في النادي الحسيني للمدينة، وبثت عبر الجوامع والنوادي الحسينية الآيات القرآنية ورفعت الاعلام السود فوق الابنية والــمــنــازل، ولافــتــات باسم البلدية والجمعيات والانــديــة عند مداخل المدينة تتقدم بالعزاﺀ من ذوي الضحايا.
وعرف من الضحايا من النبطية (5 اشخاص من عائلتي جابر والحاج علي هــم: علي يوسف جــابــر، علي احمد جابر، عباس محمد جابر، فؤاد محمد جابر، حسين يوسف الحاج عــلــي)، زبــديــن (انــيــس مصطفى صفا)، وكفرتبنيت (حسين كمال حايك)، وزوطر الشرقية (ياسر عبد الحسين اسماعيل) وانصار (عماد احمد حاذر).
وقــال حسين جابر وهــو يحاول لملمة جــراح عائلته، ان المصيبة كبيرة جدا، ولكننا نسلم بمشيئة الله، وهــذا قدر الجنوبيين مع الاغتراب والسفر، قبل ان يضيف لقد نجا لبنان بالامس من كارثة سياسية في اشارة الى الاختلاف حول قانون الانتخابات في مجلس النواب ولكنه وقع في كارثة طبيعية".
وفــي صــور، فجع ابناﺀ المدينة وقــرى قضائها ولا سيما الاهالي الذين فقدوا أبناﺀ هم، مثل جويا (محمد عبد الحسين الحاج وزوجته رنا يوسف الحركة وطفلتهما جوليا، وجمال علي خاتون وحسن محمد عــيــســاوي)، حناويه حسن محمد تــاج الدين وعلي احمد تــاج الدين وعفيف كرشت، العباسية (محمد مصطفى بــزونــي وخليل ابراهيم صالح والدكتورة منال فردون وعباس) حويلا، تولا (هيفاﺀ ابراهيم الفران ومصطفى هيثم ارناؤوط)، دير قانون ـ رأس العين (خليل محمد مدني، وياسر يوسف مهدي)، البازورية (رضا علي مستو كردي) وزبقين (حسين موسى بركات).
كما فجعت بــلــدات قضاﺀ بنت جبيل بــفــقــدان ابنائها: حاريص (ســعــيــد عــبــد الــحــســن زهــــر)، عيتا الــشــعــب (حــســن عــدنــان كــريــك)، عيناتا (باسم قاسم خزعل وحسن كمال ابراهيم)، برعشيت (حسين علي فرحات)، بلدة ياطر (حمزة علي جعفر).
