بدأ بعض الأهالي بتقبل التعازي وإقامة مجالس العزاء وتلاوة القرآن، فيما لم يستوعب البعض الآخر الصدمة حتى الآن، فآثروا التمهل في إقامة مراسم العزاء، لعل الساعات القليلة المقبلة تنبئهم بجديد.
همّ الأهالي يصب في استرجاع جثث ضحاياهم لدفنها وتكريمها في الأرض التي ولدوا وترعرعوا فيها، لكي يأنسوا بهم ويزوروا قبورهم، ويقرأوا لهم آيات الذكر الحكيم.
«إكرام الميت دفنه»، يقول الحاج محمد حبيب جابر، والد الضحيتين فؤاد وعباس جابر. يقول الحاج إنه سلّم بمشيئة الله، لكن، «أقل شي يعطونا جثثهم».
يعتب الحاج كثيراً على إدارة المطار، «لأنه بكل العالم بيسكروا المطارات بالحالات الجوية العاصفة»، يكمل: «حتى لو أصر الطيار على الطيران، كان لازم يمنعوه»، وتمنى أن يُجرى تحقيق موضوعي بالحادثة حتى تظهر الحقيقة واضحة.
فقد جابر زوجته منذ حوالى شهر ونصف، ولم يعرف معنى الراحة حتى الآن. فحلّت عليه كارثة فقدان ولديه، «مليح اللي بعدني مهدّي لهلق بعد هالكارثة». هو يقطع الأمل بعودة جثتيهما، «لأنه لو بدن يبينوا كانوا بينوا، وأكيد بعد كل هالوقت، ما راح نحصل على أي نتيجة».
في المقابل، يستغرب محمد، شقيق الضحية حسين الحاج علي، عدم معرفة أي شيء عن مصير جثث الضحايا حتى الآن، ويقول: «لو بيسمحوا لشباب الجنوب ينزلوا ع البحر، كانوا بيشيلوا الجثث بسرعة، لأن الغطاسين فيهم كتار». ويتساءل: «ليش لحد هلق بعد ما اكتشفوا الصندوق الأسود؟، مع العلم إنو بحادثة الطيارة البرازيلية اكتشفوه على عمق 4500 م«. يقاطعه شقيقه علي بالقول: «خينا مات، هيدي مشيئة ربنا، ونحن منحمده. بس، ع القليلة، يعطونا جثته تندفنها ونكرمها ونقرا له صورة الفاتحة».
يوسف ياسين هو والد زوجة الضحية علي أحمد جابر. لا يتوقع العثور على جثة صهره، ويقول: «ما عرفنا شي، ولا حدا قلنا شي، ومش معروف شي من شي، والطاسة ضايعة، حتى المسؤولين بالدولة والحكومة مش عارفين شو بدن يعملوا وكيف بدن يتصرفوا مع هالكارثة».
تغرق النبطية في الحداد. في شوارعها وساحاتها العامة وعلى مداخلها الرئيسية، تلوح اللافتات السوداء، التي ما إن خلعتها إثر انتهاء إحياء ذكرى «عاشوراء»، حتى عادت وارتدتها حزناً على ضحايا الطائرة الأثيوبية المنكوبة.
لسان حال النبطية مكتوب على مجسّم يشهر الحداد: «أيها المسافرون إلى الله، أنتم دمعة الحزن ومآتم القلوب المنتظرة».
