أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«السفير» تواكب العائدين مع الجيش اللبناني إلى «بسطرة» في مزارع شبعا

الأربعاء 31 آذار , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 6,683 زائر

«السفير» تواكب العائدين مع الجيش اللبناني إلى «بسطرة» في مزارع شبعا
مزرعة بسطرة:
تحت شعار «حياتنا من حياة مزارعنا «أطلق العشرات من أبناء بلدة شبعا، ورشة إعادة الحياة إلى الشطر المحرر من مزرعة بسطرة، إحدى المزارع الـ15 المعروفة بمزارع شبعا المحتلة».
وتحررت مزرعة بسطرة أو حوالى تسعين في المئة من أراضيها مع «الشريط الحدودي» الذي تحرر في العام ألفين، ولكن الأهالي اغتنموا مؤخراً دخول الجيش اللبناني إليها واستحداثه موقعاً فيها، وبالتالي شعورهم بالأمان لمحاولة استئنافهم حياة تركوها قبل أربعين عاماً من اليوم.
ويحاول الأهالي اليوم، من أطفال وشباب ونساء وعجائز، نفض غبار الاحتلال وإزالة معالمه، وتنفيذ خطة إنقاذ واسعة تتضمن استصلاح وزراعة أراضيهم السائبة، وبناء وترميم ما أمكن من المنازل وحظائر الماعز المدمرة وتفقد آبار التجميع، إضافة إلى شق وتعبيد طرقات زراعية، وذلك تمهيدا لعودتهم الكاملة والثابتة.
أمس، ومع الخيوط الأولى لشمس الصباح كان العشرات من أبناء شبعا يتوجهون إلى مزرعة بسطرة بهمة عالية وعزيمة قوية، يشدهم الحنين والشوق إلى أراضيهم البور ومنازلهم المهدمة ومعالمها التي حرص الغزاة على تغييرها وحتى اقتلاع أشجارها وتلويث آبارها.
وتقع بسطرة على أقصى الطرف الغربي لمزارع شبعا وهي على تماس مع تلال كفرشوبا المحتلة وقبالة وادي العسل الذي يقع في في المثلث السوري - الفلسطيني - اللبناني.
وفي الطريق إلى مزرعة بسطرة، تجد عند مدخلها الغربي طريقاً مستحدثة تمتد بطول حوالى أربعمئة متر، عمل الجيش اللبناني بالتعاون مع «اليونيفيل» على شقها وتعبيدها، انطلاقا من بلدة المجيدية وحتى طريق عسكرية كان جيش الاحتلال يزنر بها المزرعة.
في داخل بسطرة ما تزال البصمات الإسرائيلية واضحة من خلال اللافتات المنتشرة بالعبرية، طرق معبدة محفرة من جنازير الآليات العسكرية وجدران دعم تهاوى معظمها، فيما تكثر الأسلاك الشائكة، والأعمدة الحديدية اقتلعت بمعظمها، أسلاك كهربائية وهاتفية مقطعة، وذاك موقع أخلاه جيش الاحتلال مع اندحاره في العام 2000. في الموقع عينه، تمركزت عناصر من الجيش اللبناني بعد ترميمه وهو ما حفَّز الأهالي وطمأن أصحاب الأرض وأشعرهم بالأمان للرجوع إلى أملاكهم، ومحاولة العمل من جديد لإعادة استثمارها والاستفادة منها كمورد رزق أساسي، خاصة ان المزارع كانت بمثابة خزان التموين الزراعي الأول في مرتفعات جبل الشيخ.
الوصول إلى بسطرة
ومع وصولهم الباكر إلى «ارض الخير والبركة» كما يسمونها، توزع الأهالي في مجموعات وفرق ليتجه كل منهم نحو أملاكه وأرزاقه، يتفقدها ويقارن بين حالها اليوم وما كانت عليه في الماضي قبل أن يعبث جيش الاحتلال بمعالمها.
في مزرعة بسطرة تشعر أن الأرض بقيت صامدة تنتظر أهلها كما تقول عليا نبعة وهي تنظر إلى أحد بساتين الزيتون التي أهملت فيبست كعوبها.
في المزرعة ستجد مجموعة تعمل على استصلاح قطعة ارض تمهيدا لإعادة غرس نصوب الزيتون والكرمة والخروب. هناك عائلة تعيد ما تهدم من حظيرة الماعز، وأخرى تتفقد بئر ماء ما تزال صالحة حيث بدت المياه العذبة تغمر نصفها. هذا مواطن استقدم جرافة ليشق طريقا توصله إلى قطعة ارض ورثها عن والده الذي توفي قبل أن يعود ثانية إليها، وذاك يقوم باستطلاع «حاكورته» كمقدمة لمباشرة العمل لاستثمارها، وعند المدخل الغربي لمزرعة بسطرة، أنجز المختار عبدو هاشم مع أشقائه بناء منزلين صغيرين.
وحدها الدولة بدت متخلفة عن مواكبة الأهالي في العودة إلى أملاكهم المحررة، يقول بغضب المختار هاشم الذي كان يزرع الزيتون. يروي المختار غرسات الزيتون الصغيرة بمياه ينقلها بواسطة صهريج ثمنه أربعون ألف ليرة. يقول المختار العاتب على كل المسؤولين «كنا مع إخوتي أول من أطلق الورشة في بسطرة، وكانت باكورة العمل بناء منزلين وغرس بستان بمختلف أنواع الأشجار المثمرة، دفعنا ثمنها من عرق الجبين بعدما تنكر الجميع لمسؤولياتهم، بعد التحرير عام ألفين». ويشير المختار إلى أنه تقدم باسم أصحاب المزارع المحتلة من الجهات المعنية بجملة مطالب تتركز على «دفع التعويضات عن خسائرنا في مزارعنا ومنها تعويضات مزرعة بسطرة المحررة، إعادة بناء منازل بسطرة المدمرة وعددها 64 منزلا، مواكبة الأهالي في عودتهم إلى المزرعة بما يترتب على تلك العودة من بنى تحتية ومستلزمات، تقديم المساعدات العينية والمادية كمساهمة في إطلاق ورشة إعادة الحياة، شق طرقات زراعية واستصلاح الأراضي.
يتفقدان بئر ماء نجت من الإحتلال

«وعدونا خيرا»، يضيف المختار هاشم، «ومرت عشر سنوات على التحرير من دون أن ينفذ وعد واحد من وعودهم بعد، مللنا الانتظار فقررنا اخذ المبادرة وهكذا كان». تداعى الأهالي للتوجه إلى أولى مزارعهم المحررة بعد انتشار الجيش، «الذي نعتبره مصدر أمان واطمئنان»، يؤكد المختار متأملاً «أن يشكل توجه الأهالي بعد موقع الجيش مقدمة على طريق التحرير الكامل والعودة الشاملة إلى مزارعنا المغتصبة». ويتوقف المختار عند «التجاوب المنقطع النظير الذي أبداه الناس «كنا في البداية ثمانية أشخاص، ثم تضاعف العدد مرات عدة ليصل إلى حوالى خمسين شخصاً»، متوقعاً أن يعود إلى مزرعة بسطرة تسعون في المئة من مزارعيها مطلع الصيف. ويشير المختار إلى أن عدد نصوب الزيتون والأشجار المثمرة التي زرعت على عجل في المزرعة تتجاوز ثلاثة آلاف غرسة، في حين يبلغ عدد الأشجار التي احرقها أو جرفها حوالى خمسين ألف شجرة.
يقول محمد هاشم «ليعلم أصحاب القرار في دولتنا أن كل مزارع عاد إلى مزرعة بسطرة ليساهم في إعادة الحياة إليها عليه أن يدفع فورا ما بين ألفين وخمسة آلاف دولار أميركي، وأن الكثير من المزارعين استدانوا المبلغ إما من أصدقاء أو من المصارف، وكل همهم عودة كريمة إلى أرضهم المعطاء ولا يطلبون سوى كرم الله والتوفيق في انجاز هدفهم».
زهر اللوز وإهمال الدولة
في المزرعة سترى فرحة أم حسن زيني رحيل ( 53عاما) التي ابتهجت لرؤية أشجار اللوز مثقلة بثمارها الخضراء اليانعة. تقطف أم حسن ما يسمى «القرعون» وهو الثمر الأخضر الطري، تتذوقه بلذّة، وتقول لمن كان حولها «انه أطيب ما أكلت في حياتي فعلا»، ومن ثم توزع اللوز الأخضر على الجميع احتفاء بالمناسبة. ترجع أم حسن بالذاكرة إلى العام 1967 عندما طرد جيش الاحتلال وبشكل جماعي السكان «وضعني والدي مع شقيقي في الخرج على ظهر البغل، كنا ضمن قافلة ضمت عشرات الأهالي مع المئات من المواشي من ماعز وغنم وأبقار.
من جهته، لم ينتظر محمد علي زهرة «أي مساعدة من الدولة، لقد استأجرت جرافة وقمت على نفقتي الخاصة بشق طريق زراعي تربط بين الطريق العام للمزرعة وارضي ولمسافة حوالى مئتي متر وبكلفة زادت على 1500 دولار أميركي، ومن ثم عملت على استصلاح حوالى عشر دونمات بمبلغ وصل إلى حدود الثلاثة آلاف دولار، زرعت فيها 400غرسة زيتون ثمنها 4000 دولار اميركي».
يشير عبده هاشم من جهته إلى «أن الأهالي أنجزوا، وعلى نفقتهم الخاصة، شق حوالى 15 كلم من الطرق الزراعية في المزرعة وبعرض ما بين كيلومترين إلى أربعة كيلومترات. ويقول عبده «إذا كانت الدولة عاجزة أو غير راغبة في مساعدتنا ماديا، فعليها واجب حمايتنا من العدو الصهيوني الذي يتربص بنا شرا من على بعد أمتار، انه يحاول عرقلة عودتنا عبر حجج واهية ومنها وقوع بعض الأراضي التي عملنا على زراعتها داخل ما يسمى بالخط الأزرق والذي لم نعترف به يوما».
ويرى عبده انه من «الغرابة أن تقوم «اليونيفيل» ومنذ فترة بإبلاغ احد المزارعين ويدعى عبدو زهرة، بأن ما زرعه من زيتون منذ أشهر عدة في حقله كان داخل المنطقة المحتلة وعليه اقتلاع النصوب، علما أن قطعة الأرض هذه تبعد عن مواقع الاحتلال على جبهة المزارع أكثر من كيلومتر، معلناً رفضه «الاستهتار وعدم الرضوخ لتهديدات عدونا مهما كان الثمن، فقد ولت أيام الخضوع، وها نحن نعمل في أرضنا التي حرمنا منها منذ أكثر من 40 عاما، ولن نتركها مرة ثانية مهما علت الضغوط».
ويصف رئيس بلدية شبعا ورئيس اتحاد بلديات العرقوب عمر الزهيري عودة الأهالي «بالأمر المهم الذي يرفع الرأس فعلا، خاصة أنهم تجاوزوا كل الوعود بالمساعدة، وقرروا اخذ المبادرة وعلى نفقتهم الخاصة، فشقوا الطرق واستصلحوا الأراضي وبدأوا حملة ترميم واسعة لما هدمته الآلة العسكرية العدوة على مدى عشرات السنين» .
ويرى زهيري أن ذلك يجب «أن يلزم الجهات المسؤولة في الدولة بتحمل مسؤولياتها عبر دعم العائدين بكل ما يحتاجونه، فهذه العودة يمكن وصفها بالقضية الوطنية، ويجب أن تشكل بالمنظار الوطني حالة أجماع بين جميع اللبنانيين من أجل استعادة وتحرير كامل مزارعنا، والمطالبة بكل حق مادي يتعلق بهذه الأرض ويرتبط بها خاصة لجهة الخسائر التي تكبدها الأهالي من جراء الاحتلال، والسير قدما في تشكيل ملف علمي متكامل لدى المراجع المختصة، يكون مدخلا لتحرك مكثف وجاد باتجاه المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لوضعهم في صورة ما هو حاصل والخسائر التي تكبدها الأهالي في مختلف المجالات الحياتية، بكل تفاصيلها وصولا إلى اتخاذ قرار يصدر عن مجلس الأمن يلزم الدولة العبرية المحتلة دفع المستحقات إلى أصحابها».
ويستغرب النائب قاسم هاشم، الذي يقيم جيش العدو منتجعا سياحيا ومركزا للتزلج في أملاكه عند الطرف الشرقي للمزارع المحتلة، «التقصير الحاصل من قبل الدولة خاصة لجهة عدم دفع التعويضات المزمنة والمستحقة لأصحاب المزارع، وعدم مواكبة الأهالي في العودة إلى أولى مزارعهم المحررة». ويرى هاشم أنه على «كان على الدولة وخاصة الوزارات المعنية واجب مد العائدين بكل ما يحتاجونه ومنها جرافات لشق الطرق واستصلاح الأراضي وجرارات للحراثة، ونصوب زيتون، وصهاريج لنقل المياه، إضافة إلى مساعدة فورية لبناء منازل وحظائر الماعز، فلا يجوز أن تبقى الدولة تتفرج على السكان وهم يعيدون الحياة الى مزارعهم وعلى نفقتهم الخاصة»، مشيراً إلى انه سيباشر مع زملاء له في كتلة التحرير والتنمية بأوسع حملة من اجل دعم العائدين إلى المزارع.
ويدعو رئيس هيئة أبناء العرقوب الدكتور محمد حمدان الدولة لتبني عودة الأهالي إلى مزرعة بسطرة، عبر تقديم كل ما يساهم فيها، مشيراً إلى دراسة مفصلة حول خسائر أصحاب مزارع شبعا أعدتها الهيئة وعبر اختصاصيين، واعتمدت في بعض أرقامها أسعار العام 1968 وبعضها الآخر على أسعار عام 2000. ويشير حمدان إذا احتسبنا أسعار الفوائد على الدولار تصل قيمة هذه الخسائر إلى حوالى سبعة مليارات دولار أميركي، مشدداً على ضرورة طرح الموضوع في المحافل كافة حيث «تستحق مبالغها الضخمة من دولتنا كل اهتمام، وكلنا أمل بأن تكون في المستقبل القريب تحركات وعلى أرفع المستويات، تلزم إسرائيل دفع كل هذه المستحقات المتوجبة عليها».

Script executed in 0.17644500732422