أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

نهر النميرية «الآسن» يهدد التربة والمياه الجوفية والزراعة

الخميس 08 نيسان , 2010 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 5,805 زائر

نهر النميرية «الآسن» يهدد التربة والمياه الجوفية والزراعة

يسحرك مشهد صخور الجيل التي تبدو كمنحوتات، فيما يستقبلك عند مدخلها نهرها... لحظات وسرعان ما يتبدل المشهد. فالنهر الذي تلمع مياهه تحت نور الشمس، تطفو عليه رغوة الصابون المتأتي عن مياه تنظيف الأواني والاستخدام، كما تطارد العابرين رائحة كريهة.

يمكن للغريب عن المنطقة أن يرغب بالشرب من النهر أو حتى الاغتسال ولكنه سرعان ما يلحظ اليباس الذي يجتاح الأراضي المشهورة بخصوبتها، كما سيرى التشققات في التربة وتضرر بساتين الزيتون والحمضيات التي تروى من مياهه.

« كل شي بالقرية عالريحة: القهوة والتمشاية وحتى الجلوس على الشرفة.. الله وكيلك عايشين عالريحة» تقول بسخرية عبير، أم رامي، لتشرح معاناة أهالي القرية من روائح الصرف الصحي اليومية وتزايد معاناتهم مع ارتفاع درجات الحرارة. وتستعرض أم رامي بعضا من معاناتها حيث «ومنذ 25 سنة ونهر المجارير يخترق وادي الكفور وصولا الى النميرية حتى تفاحتا فالبحر»، متسائلة «هل يعقل انه خلال هذه السنوات لم يصر إلى إيجاد حل يخلصنا من المشكلة».

تشير عبير إلى أنهم قالوا إن معمل معالجة المياه الآسنة يحل المشكلة «وها هو منذ خمس سنوات جاهز وابوابهم مقفلة، ساخرة من اسباب عدم مباشرة العمل فيه حيث إن «المياه التي تجري في النهر لا تكفي لتشغيله يحتاج الى كمية كبيرة «بس يخلصوا» تمديدات الصرف الصحي»، مشيرة إلى أنهم في قرى زبدين حاروف الدوير الشرقية قد بوشر العمل به، ناهيك عن ان الحشرات تنتشر بكثافة بين الأهالي وتتسبب بطفح جلدي بين الأطفال، كما أن أحدا لا يعرف تأثير استعمال بعض المزارعين الاراضي الملوثة للزراعة، وإقدام الرعاة على سوق مواشيهم إلى المستنقعات المنتشرة في المكان.

معمل لا يحل المشكلة فقط يطرد الرائحة

يؤكد عضو بلدية الشرقية علي شعيب «أن المعمل الذي أنشئ للمعالجة هو من الدرجة الثالثة، أي انه يعالج الرائحة مع بعض التعقيمات ما يترك الأمر على حاله حيث إن المياه الذي سيضخها المعمل لن تكون صالحة لري المزروعات. ويشير شعيب إلى أن فحصاً مخبرياً أجرته بلدية النميرية «يفيد أن نسبه تلوث التربة تخطت المعدل، وما التشققات الظاهرة ويباس أشجار الزيتون زينة الوادي الا خير شاهد على مجزرة البيئة».

ويشير مصدر في وزارة الزراعة إلى وجود زراعات في وادي الكفور - النميرية تروى من نهر المجارير لافتا الى انه حين تسري المياه الآسنة على سطح الارض فإنها تولد الجراثيم والبكتيريا، وهي تحتوي على نسبة مرتفعة من الاملاح تجعل النبات ينمو بسرعة ويدخل مبكرا للاسواق، بالتالي تسبب امراضا للاهالي وتضرب الاراضي الزراعية التي تتحول بورا. ويؤدي تجمع المياه المبتذلة على مساحات كبيرة من الاراض ادت الى موات معظمها.

أراضي يغزوها التلوث... والمزارع يستغل بعضها

ويؤكد عضو بلدية الشرقية علي شعيب أن «أكثر من 500 دونم في بلـدة الــشرقية وآلاف الهــكتارات في بلدة النميرية أصبحت غير صالحة للزراعة وحتى للبناء»، عازيا السبب إلى استفحال المياه الآسنة وتسربها إلى داخل التــربة، كما أن المنـطقة تحولت الى منطقة مزارع بقر ومسالخ وكسـارات ومعامل حجارة وزفاتة وبالتالي أضحت صناعية موبوءة، «يعني كوارث الكون كلها هناك» مشيراً إلى خطورة ذلك على صحة الناس ونوعية الإنتاج الزراعي وحتى الحيواني.

ويؤكد مصدر في وزارة الزراعة «أن نسبة التلوث في التربة كبيرة وهي بدأت تهدد الاشجار المثمرة لانها مشبعة بالمواد الـضارة» لافتاً إلى أن الأرض كلها تشبعت أملاحا وترسبات بالمواد الكيمائية الضارة خاصة كون المنطقة زراعية وليست سكنية، وهي تتجه نحو التصحر وفي حال تعالجت تحتاج الى عملية غسيل بالمياه الحلوة عبر إغراقها بالمياه النظيفة لمدة خمس سنوات».

عند مثلث زفتا – النميرية - تفاحتا يختفي جزء كبير من المياه. وهناك يتساءل أحد المواطنين عن مصير هذه المياه ليقول إن آبار تفاحتا التي تروي 25 بلدة وتبعد عنه كيلومترين اثنين تمر من هناك. يقول شعيب انه في العام 2005 أنجز العمل بمعمل تكرير الصرف الصحي الذي موله البنك الدولي وبلغت كلفته خمسة ملايين دولار بإشراف مجلس الإنماء والإعمار، ولكنه يحتاج الى كمية مياه كبيرة لمباشرة العمل به، وفي هذا الاطار يسجل شعيب اعتراضه على معمل التكرير كونه «أقيم في منطقة خاطئة، وانه من الأفضل أن يقام على مقربة من تفاحتا، إذ إن النهر يجري في مجريين يلتقيان في النميرية الأول آت من الدوير حاروف الشرقية والآخر من حبوش ـ بفروة وإقامة مضخة عند مفرق بفروة الى المعمل، ثم تضخ في الاودية مجددا بتكلفة تقارب مليون دولار.

مخاوف من تلوث المياه الجوفية

وإلى جانب تلوث التربة هناك تخوف من تلوث الآبار ايضا اذ يلفت زبيب الى ان «مياه الشرب التي نشربها من آبار تفاحتا لا نعرف ان كانت خالية من التلوث لذا يفترض بالقيميمن هناك اجراء فحوصات لقتل الشك». ويؤكد شعيب «أن آبار تفاحتا غير صالحة للشرب، بل فقط للاستعمال المنزلي، واننا في الشرقية نشتري مياها للشفة».

ولا بد من الاشارة الى ان المشــكلة القـائمة منذ 25 عاما ما زالت تبحث عن حل جذري لها ولكن يمكن تغطية مياه النهر عبر القساطل ريثــما يصار الى العثور على الحل الناجع خاصة اننا تعــدينا الكارثة ودخلنا مرحلة الخطر متسائلا متى نتخلص منها نحن على حافة هاوية وانحدار كبير. وأرسلنا كتابا الى التفتيش المركزي والذي هو آخر خرطوشة بيدنا عسى ان تجدي نفعا، وعلى المواطن ان يدفع الثمن في أغلب الاحيان.

Script executed in 0.19059205055237