أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

جزّين على السكّين

الثلاثاء 18 أيار , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,307 زائر

جزّين على السكّين

 

غسان سعود - الاخبار
لم يتخيّل معظم أصدقاء زياد أسود أن رفيقهم المشاغب دائماً والمنسجم مع فوضويته سيصبح نائباً في أحد الأيام. فالشاب الذي نزح والده من جزين إلى أحياء عين الرمانة الفقيرة ليعمل في وظيفتين، لا يستطيب المجاملة والانحناء وغيرهما من وصفات الوصول إلى المجلس النيابي، فضلاً عن أن أسلوب مجادلته رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون كان يكفي لإغلاق الباب أمام احتمال ترشيحه على اللوائح العونية في يوم من الأيام. ومن أبقى جميع الاحتمالات واردة بشأن مستقبل أسود، أسقط حكماً الاحتمال بأن يغدو هذا الشاب بمثابة زعيم في جزين.
ورث أسود من أهله منزلاً جزينياً متواضعاً، يتجاوز عمره ثلاثمئة عام. بدأ يتردد عليه منذ عام 1998، خارقاً حصار جيش لبنان الجنوبي. وبعد نحو عامين، فوجئ عضو اللجنة التأسيسية في التيار الوطني الحر جورج حداد بأسود يعلمه بأنه يفضّل «الانتحار في جزين على الزعامة في عين الرمانة». وبدأ بالتالي بالتحرك عونياً في بلدته، وانفتح سريعاً على نمط عيش المجتمع الجزّيني وبنيته، مستفيداً من خبرة والدته الكتلوية، فتصرّف منذ البداية كزعيم، معتبراً أن لا مكان في البلدة الممتلئة بالزعماء المحليين والسياسيين لمن يودّ الارتقاء بتهذيب في العمل السياسي.
في المقابل، كان النائب السابق سمير عازار، حتى الصيف الماضي، يرتاح في قصر يُروى عنه في جزين والجوار، مرتاح البال. فله، بحكم النفوذ الذي تركه أصحاب الصور المعلّقة في منزله (والده النائب السابق إبراهيم عازار وعمّه النائب السابق رشاد عازار وابن تيارهم السياسي النائب السابق جان عزيز) سلطة اختيار رئيس البلدية ورؤساء الجمعيّات والنوادي والهيئات الأهلية والكشفية وحتى الروحية. يكفي أن يتلفّظ هو بالاسم الذي يريده، ليغدو صاحب الاسم أهلاً لكل المواقع. وهو إضافة إلى النفوذ المحلّي لديه السند الإقليمي (على مستوى الجنوب) القوي. فصداقته مع الرئيس نبيه بري قديمة، عمرها أكبر من عمر تولّيه مسؤولية نائب رئيس مجلس الجنوب الذي عمل فيه منذ عام 1981 حتى انتقاله إلى المجلس النيابي عبر «بوسطة» كتلة التنمية والتحرير، التي أقلّته إلى المجلس عام 1992 و1996 و2000 و2005، علماً بأن عازار، خلافاً للنائب السابق جان عزيز الذي عرف بجرأته النادرة ومواقفه الخطابية، تميّز بصمته الدائم وتجنّبه التصريح، حتى ظهر أسود أخيراً، فزُيّتت ماكينات الطباعة في قصر عازار لوضع النائب العوني عند حدوده المفترضة.

آل عازار يحالفون القوات

بين الرجلين، تبدو الانتخابات البلدية مجرد تفصيل في جزين الشهيرة بصناعة السكاكين. ففي الانتخابات النيابية الأخيرة، ذاق عازار لأول مرة طعم الخسارة، فيما شعر أسود أن لصراخه في وجه «الإقطاع العائلي والخدماتي والفساد» صدىً في صناديق الاقتراع. هكذا يُعدّ الرجلان لانتخابات مشوّقة تشهد خلط أوراق سياسية على أعلى المستويات.
فعازار الأقرب في السياسة إلى الرئيس نبيه بري سمّى مجدداً الرئيس الحالي للمجلس البلدي سعيد بو عقل لرئاسة المجلس البلدي. وبادر الأخير إلى التحالف رسمياً وعلناً مع حزبي القوات اللبنانية والكتائب والمرشح السابق إلى الانتخابات النيابية فوزي الأسمر.

يُعدّ الرجلان لانتخابات مشوّقة تشهد خلط أوراق سياسية على أعلى المستويات

هنا، لا بدّ من تفاصيل: تاريخياً، مثّل سمير عازار الحجر الأساس في مشروع مواجهة المشروع الإسرائيلي في جزين. والتزم الرجل بجرأة نادرة خيار محاربة الانعزال المسيحي وانفتاح جزين على جوارها الشيعي والسنّي والدرزي، طائفياً. وحتى اليوم، يستعمل أنصار عازار، وبينهم مرشحون إلى الانتخابات البلدية، مفردات متجذرة فيهم عند الحديث عن القوات اللبنانية، فلا يترددون أبداً في وصفهم بحلفاء إسرائيل، قبل أن يستدركوا بإضافة كلمة السابقين. في المقابل، فإن عازار كان خلال نحو ربع قرن المَثل الدائم للقواتيين للد.لالة على التبعية والارتهان ومنتجات الوصاية. يتبين إذاً أن لا شيء مشتركاً بين الحلفاء الجدد إلا هدف وحيد: إسقاط زياد أسود. والحسابات الانتخابية تتجاوز، في هذا السياق، الحسابات السياسية والعائلية (فعل التيار الوطني الحر الأمر نفسه في مناطق أخرى)، علماً بأن أسود كان ذكيّاً في تبرئة نفسه أمام جمهور المعارضة هذه المرة، حين وافق نواب التيّار على الصيغة التوافقية التي تقدم بها النائب السابق إدمون رزق، لكنّ عازار الساعي وراء اعتذار رسمي وعلني من العونيين رفضها.
عشية الانتخابات النيابية الماضية، وصف العماد ميشال عون الرئيس نبيه بري بأنه حليف حليفه، حزب الله. حليف الحليف يتحالف هذه المرة مع القوات اللبنانية. هذا الأمر يعيد خلط الأرقام التي أفرزتها صناديق الاقتراع في الانتخابات الماضية في مدينة جزين. يومها اقترع 4467 ناخباً من أصل 7990، ذهب نحو 2095 صوتاً منهم للائحة العونية، 1260 للائحة عازار (تقدم عازار على لائحته بنحو ستمئة صوت) التي أعلنها الرئيس بري و878 صوتاً للائحة 14 آذار التي ضمّت القوات اللبنانية وإدمون رزق. ويتبيّن بالتالي أن الصوت المرجح في هذه المعركة، وفق حسابات الانتخابات الماضية، سيكون لرزق الذي يتجه إلى اختيار مرشحين من اللائحتين لتأليف لائحته الخاصة.

تبادل الاتهامات «شغّال»

المعركة إذاً حامية، الفريقان يعدان نفسيهما بالانتصار. فنادق جزين محجوزة بالكامل والمطاعم والساحات الرئيسية. الاحتفالات شغالة والماكينات تحصي الأفران، فلا يزعل أحدهم يوم الانتخابات الاستثنائية من الاستفادة من بيع بعض المناقيش، وكذلك المطاعم وأصحاب السيارات الذين يتهافتون لتسجيلها في الماكينات باكراً.
العونيون أعلنوا لائحتهم متحالفين مع كميل سرحال (ابن النائب السابق فريد سرحال) وفيها مرشح قريب من السفير السابق سيمون كرم وآخر قريب من الحزب السوري القومي الاجتماعي. أما عازار والقوات اللبنانية فلم تنضج طبخة اللائحة بعد، ولديهما حتى الآن خمسة وعشرون مرشحاً يفترض أن يبقى منهم ثمانية عشر فقط.
وفي الوقت الفاصل عن الانتخابات، يبدأ تبادل الاتهامات. الحجر الأساس في معركة العونيين هذه هو اتهام المجلس البلدي ببيع أراض تابعة للبلدية إلى مقرّبين من عازار بطريقة غير مشروعة. العازاريون ينفون التهمة، سائلين عمّا يمنع أسود وزملاءه من محاكمتهم، فيتخلص منهم إن ثبت الجرم عليهم. أسود يؤكد أنّه سلّم الملف كاملاً إلى وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، وتقدم بشكاوى عدّة أمام النيابة العامة في صيدا منذ نحو شهر، لكنها لم تتحرك بعد لأسباب سياسية.
العازاريون في المقابل يتهمون العونيين بالتنظير بدل العمل، سائلين أنفسهم بصوت عالٍ عمّا قدمه نواب جزين الجدد للمنطقة بعد نحو عام على انتخابهم. فيردّ العونيون بسؤال أنفسهم أيضاً عمّا فعله بعض النواب السابقين خلال نصف قرن من التفرّد بقيادة جزين، قامعين كل من يخالفهم الرأي.
ويروي العونيون أن مهاجراً قريباً من النائب السابق إدمون رزق تقدم مرة بمشروع لتأهيل شارع السد (السوق القديمة) على نفقته الخاصة، لكنّ المجلس البلدي رفض الاقتراح لوروده من شخص لا يبايع المجلس مئة في المئة، مؤكدين أن تيار عازار حوّل المجلس البلدي ومعظم مؤسسات جزين الرسمية إلى ما يشبه الشركات الخاصة بأعضائه، ولافتين إلى أن «ابنة المختار يوسف مدور طردت من وظيفتها في المكتبة العامة التابعة للبلدية بعد اكتشاف العازاريين أنها اقترعت ضدهم في الانتخابات الأخيرة».
بعيداً عن هذه الاتهامات التي تضعف صدقيتها عشية فتح صناديق الاقتراع، تبدو المعركة في صورتها الأوّلية جاذبة: زعيم كُسرت هيبته في الانتخابات السابقة يريد استعادة مكانته. وشاب مندفع لتجاوز من ولدوا وفي يدهم عصا تحوّل الأعضاء في حاشيتهم، متى شاؤوا، إلى رؤساء مجالس بلدية ونوادٍ وجمعيات أهلية.



العمود الفقري لماكينة عازار

 

انطلقت ماكينة النائب السابق سمير عازار الانتخابية، لكنّ حركتها ما زالت دون المستوى المعهود. فهي تفتقد محرّكها الأساسي وهو السيدة نهاد، شقيقه النائب عازار. «الست»، كما يطلق عليها في جزين. تعرّضت منذ نحو ستة أشهر لإصابة في عمودها الفقري أقعدتها في المنزل، وقلّ تردّدها إلى جزين. هي كانت المايسترو لانتصار لائحة سعيد بو عقل (الصورة) في أول انتخابات بلدية أجريت في جزين عام 2001 وفي الانتخابات الثانية عام 2004. وفي المعركتين كانت في مواجهة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وإدمون رزق وسيمون كرم، وغيرهم من «القوى الرجعية»، كما تسمّيهم ماكينة عازار التي تتحالف مع معظمهم هذه المرة.
بالعودة إلى الست، هي أشرفت بنفسها على إنجاز الكثير من المشاريع التي نجح شقيقها في توفيرها لجزين، مثل المدارس وشبكات المياه والسرايا الحكومية التي تضم معظم الدوائر الرسمية الأساسية. وبالتالي، فإن بُعدها اليوم يلحق ضرراً معنوياً بماكينة عازار التي تنسى تفاصيل كثيرة تلقطها «الست» «على الطاير».


Script executed in 0.21664690971375