أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عباس ناصر: اللبنانيون عبءٌ عليهم.. لأن خلفهم صواريخ

الجمعة 04 حزيران , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,358 زائر

عباس ناصر: اللبنانيون عبءٌ عليهم.. لأن خلفهم صواريخ
 وعباس الذي يتنقل بين زوايا التصوير حيث تنتصب أعمدة الكاميرات يحرص على مصافحة الجميع والاستماع إليهم والاعتذار بتهذيب واضح عن التأخير الذي يعطل المواعيد كافة. يسأل، وهو العارف بتقنيات المهنة، الزملاء عن أي جانب يريدون أن يركزوا في تقريرهم. الجانب السياسي، أو المهني، أو الإنساني. الحديث معه يصبح نوعاً من السرقة. والمقابلة ستكون على دفعات.
يروي عباس أنه عندما صعد الإسرائيليون على متن السفينة التي كان من بين ركابها كان هؤلاء الأخيرون قد شكلوا طوقاً بشرياً حول قمرة القيادة بهدف حمايتها. كان قراراً بالمواجهة السلمية. وقفوا بأجسادهم لصد الجنود الإسرائيليين. استخدم الإسرائيليون الأسلحة التي تطلق كرات محشوة بالطلاء والصواعق الكهربائية وضربوا القبطان ضرباً مبرحاً. على متن السفينة كان هناك طبيبان. طلب أحدهما من الإسرائيليين نقل القبطان الذي أصيب في رأسه إلى المستشفى، غير أن القبطان رفض. يقول عباس: «كانوا ملثمين يرتدون الأسود ويشهرون أسلحتهم بوجه الجميع، وعلى الرغم من أننا كنا نضع شارات الصحافة، لم يميزوا بين أي من المشاركين الذين كانوا بين كتاب، وموسيقيين، وضباط جيش أميركي سابقين».
يقول عباس إنه كان مدركاً أن الإسرائيليين سيعمدون إلى التشويش على الإرسال، لكنه كان جازماً بأن هذا التشويش لن يطول «لأنه يؤثر على مجرى السفن». خبّأ هاتف «الثريا» وظل يحاول التقاط الإرسال طوال الوقت. وعندما أدرك أن الإشارة باتت حاضرة «تواطأ» مع زملائه لأن يقوموا بتشويش «بشري». رفع المشاركون أصواتهم في وجه الإسرائيليين: «نازيون» و«فلسطين حرة».. كان عباس قد صار على الهواء مباشرة لينقل المشهد للعالم كله. اكتشف الإسرائيليون الخدعة. فإخفاء الجهاز لفترة طويلة صعب بسبب حجمه الكبير. هجموا عليه، وأخذوا الهاتف من يده، ثم قاموا بعدها بعملية تفتيش دقيقة.
في دقيقة الاقتحام الطويلة حضرت أمام عينيه صورة والدته وصورة ولديه. «في لحظة واحدة تستحضر ذكرياتك وكل الناس الذين تشتاق إليهم». يضيف: «كان من المحتمل أن أعود إلى المنزل صورة على الحائط، لكن كان مهماً بالنسبة لي أن يكون ولداي (لين وجاد) فخورين بي، فالقضية الإنسانية العادلة تعني جميع الناس ومن بينهم الصحافيون. كل ما قمت به هو واجبي لا أكثر وما زلت حتى اللحظة مفاجئا بحجم التضامن الذي حدث».
عند الوصول إلى مدينة أسدود خضع عباس لتحقيق وهناك طلب منه أن يوقع على ورقة تقول إنه دخل الأراضي الإسرائيلية بطريقة غير رسمية. رد على المحقق: «إسرائيل غير موجودة بالنسبة إلي. أنتم قراصنة واختطفتمونا. أنا صحافي وجيشك قد اختطفني من المياه الدولية». ومن أسدود نقل إلى معتقل أيلا في مدينة بئر السبع حيث حققت المخابرات معه. تحقيق لا يراه عباس أنه كان محترفاً، مسجلاً أن التفاصيل اللوجستية في السجن كانت جيدة «لأن الإسرائيليين كانوا خائفين على صورتهم». أخذ الإسرائيليون كل شيء. الثياب والهاتف والكاميرات والأدوية. لم يعيدوا إلا المحفظة وجواز السفر اللبناني.
لاحقاً نقل عباس من المعتقل إلى مطار تل أبيب. من القاعة الجانبية في المطار كان يستطيع أن يرى المسافرين. والإسرائيليون ظلوا يقولون له: «لن تسافر وستظل في إسرائيل». لكنه كان متأكداً من انه سيغادر لأسباب عدة. يقول مبتسما بابتسامة الواثق: «لو كانوا يريدون إبقائي لكانوا كبلوا يدي وأعادوني إلى السجن. واللبناني صار عبئاً عليهم و«خلفه صواريخ». والصحافي يملك نوعاً من الحصانة الرسمية التي يفرضها الواقع العملي». لكنهم ظلوا يضايقونه. منعوه من دخول الحمام وظلوا يتحدثون العبرية ويشيرون إليه طوال الوقت متعمدين تمرير كلمات بالعربية تهين العرب مثل «العرب كلاب». كانوا يتسلون به.
ليست المرة الأولى التي يدخل فيها عباس إلى فلسطين المحتلة. سبق أن دخل إلى غزة بعد الحرب عليها. لكنه أول احتكاك مباشر بينه وبين الجنود الإسرائيليين. هنا يقع في معادلة التوازن بين الصحافي، وبين المواطن اللبناني «فتشعر بأنك تريد أن تذهب مع المتضامنين لتضربه». وقد تعرض عباس للضرب في اليوم الأخير قبل عودته إلى الحرية على أيدي الإسرائيليين. لا يخفي أنه كان مشاكساً. عندما نقل من المعتقل إلى المطار صرخوا له بالاسم في باحة المطار. أحاطه عشرونً منهم في زاوية وقام ستة أو سبعة باستفزازه. كان واضحاً بالنسبة إليه أنهم يريدون مبرراً لضربه. وبالفعل، تلقى منهم عدة ضربات ولطمات أصابت رأسه وبطنه ورجله. كان الضرب نوعاً من تطويع الإرادة.
عندما يعود إلى نفسه يفاجأ بخبايا النفس الإنسانية في لحظة الحقيقة. يقول: «يتحول الخوف إلى جبروت وقوة تتخطى ملابسك وجسدك. تشعر لوهلة أنك تجاوزت نفسك. وهذا ليس كلاماً كبيراً. لكنها الطاقة التي تفاجئك».
يرفض عباس أن يصنف بالبطل. يعتبر أن هذه المفردة كبيرة عليه فما قام به عمل هو عادي على المستويين المهني والإنساني. وإذا ما أوتي لأن يكون على متن قافلة أخرى يقول: «لن أقصر. أحترم إنسانيتي ومهنيتي لذلك، يجب أن أكون على متنها حتما».
يوسف حاج علي

Script executed in 0.18816208839417