أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

معهد آل البيت ( ع ) للدراسات الإسلامية في بنت جبيل

السبت 26 حزيران , 2010 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 19,136 زائر

معهد آل البيت ( ع ) للدراسات الإسلامية في بنت جبيل

نشير باختصار ، إلى أنّ مدارس الشيعة في جبل عامل ، وقبل الإحتلال العثماني له ، وللبلاد السورية سنة 1516م ، كانت عامرة بالأساتذة والتلامذة ، والعلماء والأعلام ، لكن بعد الإحتلال تغيرت الأمور وتبدّلت ، وتراجع دور المدارس وتقلّص ، وتشتت العلماء والأدباء ، ومنهم من هاجر إلى إيران ، وغيرهم إلى الحجاز والعراق ، والبعض بقي في المنطقة يمارس التقيّة ، كما يستفاد من تاريخ الشهيد الثاني وذريته ، إلى عهد حفيده الشيخ زين الدين المتوفي بمكة سنة 1064 هـ .
يذكر أن الشهيد الأول ، وهو محمد بن مكي ، المولود في جزين سنة 734 هـ ، 1334 م ، هو مؤسس المدرسة الدينية هناك ، استشهد في دمشق بوشاية عليه ، وذلك سنة 786 هـ ، سنة 1384 م  .
أما الشهيد الثاني ، فهو زين الدين بن نور الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي ، ولد سنة 911 هـ ، وتنقل بين عدة مدارس في جبل عامل ودمشق ومصر ، والعراق وبيت المقدس والقسطنطينية ، حيث كتب هناك أكثر مؤلفاته ، ثم عاد إلى بعلبك ، ثم إلى جبع ، واستشهد  وهو في طريقه إلى الأناضول ، بينما كان متوجهاً إلى القسطنطينية سنة 965 هـ ، وكان عمره 54 سنة . ( ويقال أن قبره موجود في بلدة جباع ) .
من المدارس الدينية في تلك الفترة : مدرسة جزين ، مدرسة ميس الجبل ، مدرسة جويا ، مدرسة جبع ، مدرسة الكوثرية ومدرسة شقراء .
وتخرج من هذه المدارس عدد كبير من علماء الدين ، الذين فاقت شهرتهم العلمية حدود المنطقة ، إلى غيرها من المناطق الأخرى ، وكانت هذه المدارس أحد الأسباب الرئيسية والمهمة في تنشيط الحركة الفكرية والثقافية والأدبية ، وكان لها الفضل الكبير في تعميم المعرفة ، وهي كانت تسهّل للطلاب دراسة المبادىء الأولى ، الواجب دراستها في المراحل الأولى للدراسات الدينية العليا في النجف الأشرف .
في نهاية القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، حدثت نهضة علمية جديدة في جبل عامل ، انعكست على وضع المدرسة الدينية ، وظهر ذلك في تطور الأساليب ، وطرائق التفكير ، والخروج عن المألوف من الموضوعات والاتجاهات ، التي كانت سائدة طوال عصور الانحطاط.
نشطت في المنطقة فكرة تجديد المدرسة الدينية ، وإنشاء مدارس على أسس جديدة وحديثة ومتطورة ، في وقت شهدت تلك الفترة عناية لافتة بالصحف ،والإقبال على المطالعة ، وإنشاء وتأسيس الجمعيات والروابط الأدبية والعلمية ، وبناء علاقات مع الجوار العربي .
من المدارس التي شهدت تجديداً ، أو أنشئت في تلك الفترة :
مدرسة جبع ، مدرسة حناوية ، مدرسة كفره ، مدرسة بنت جبيل ، المدرسة الحميدية ، المدرسة النورية ، مدرسة عيناثا ، مدرسة شقراء ، مدرسة النميرية ، مدرسة شحور ، مدرسة مجدل سلم، مدرسة عيتا الزط ( عيتا الجبل لاحقاً ) مدرسة طير دبا ، مدرسة الخيام ، ومدرسة النبطية . التدريس في هذه المدارس كان يتم على مراحل كما يلي :
المرحلة الأولى : وتتضمن قراءة القرآن ، وحفظه غيباً وتجويده ، وتعلم الكتابة ، وإجادة الخط .
المرحلة الثانية : ويتم فيها تعلم علم النحو ، وحفظ الاجرومية بعد قراءتها ، ثم يتم إعرابها إعراب جمل . والبعض كان يقرأ شرح الكفراوي على الاجرومية .
المرحلة الثالثة : يتم خلالها قراءة قطر الندى وبل الصدا ، لابن هشام الأنصاري ، في النحو ، وهو أرقى من الأجرومية من ناحية النحو ، وقراءة شرح الفاكهي على القطر ، وشرح الشذور لابن هشام ، ثم ألفية ابن مالك ، وكتابة المغني في النحو لابن هشام .
المرحلة الرابعة : يتم فيها دراسة البلاغة والبيان والبديع .
المرحلة الخامسة : تتضمن قراءة بعض الكتب الخاصة بالفقه والتشريع ، خاصة معالم الأصول للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، وقراءة شرح اللمعة في الفقه ، وكتب في علم الكلام الكلام ، بقسيمة الجواهر والعروض ، والالهيات وعلم التفسير ، وعلم الحساب وفن الأدب ...
بعد الإنتهاء من هذه المراحل ، التي كان يتم إكمالها في المدرسة الدينية العاملية ، كان الطالب المستطيع يذهب إلى العراق ، حيث يتابع دراسته هناك ، في مدارسها وجامعاتها الدينية ، وخاصة في النجف الأشرف .
النجف الأشرف ، لعبت من خلال جامعاتها ومدرسيها الكبار ، الأعلام ، دوراً دينياً وعلمياً مهماً، وكان الطلاب يتدفقون إليها من كلّ مكان لنهل العلم ، ولم ينقطع هذا التدفق على مدى قرون عديدة ، إلاّ أن ما حصل لكثير من علماء الشيعة في العراق ، والتضييق الذي حصل على جامعة النجف وأساتذتها ، أثر عليها سلباً ، وجعل معظم الطلاب اللبنانيين ، أو العلماء الذين أنهوا مراحل مهمة من تعليمهم ودراساتهم هناك ، يعودون من النجف ، حيث أكمل هؤلاء دراساتهم في لبنان لدى بعض الأساتذة الكبار .

وبعد أن كانت الرحلات العلمية الدينية إلى إيران ، وخاصة إلى مدينة قم المقدسة قليلة ، وحتى أن بعض الطلاب الايرانين أنفسهم كانوا يدرسون في جامعات النجف ، فإن عدداً من الطلاب اللبنانيبن توجهوا نحو ابران ، لمتابعة دراستهم هناك ، ويقال أن أول من نظم الهجرات العلمية الدينية حديثاً إلى مدينة قم هو السيد جعفر مرتضى من عيثا الجبل في الجنوب اللبناني .
في النجف الأشرف كان يقوم الطالب ب :
- قراءة أصول الفقه بطريقة الإلقاء الإستدلالي .
- قراءة علم التوحيد وعلم الكلام ، مع دروس في الأصول والفقه .
- قراءة علم الحساب في كتاب " خلاصة الحساب " للشيخ البهائي .
- مراجعة الكتب المؤلفة  في علم الرجال ، كفهرست الطوسي ، ورجال النجاشي ،ونقد الرجال.
- قراءة علم النفس ، والكتب المؤلفة في آيات الأحكام ، وعلم التاريخ ، كما تحفظ بعض الأشعار ، والمطارحات.
وتستمر هذه المرحلة 12 سنة.
الشيخ محمد جواد مغنبة يختصر هذه الدراسات بمرحلتين:
الأولى وتتضمن دراسة النحو والصرف والمنطق الأرسطي والمعاني والبيان ،ويتم فيها دراسة الأجرومية وقطر الندى ، وألفية إبن الناظم ومغني اللبيب ، وتستمر هذه الفترة لثلاث سنوات .
الثانية ، وتستمر لسبع سنوات ، يتم خلالها دراسة السطوح ، أي دراسة كتب الفقه والأصول.
ومن المعروف أن الجامعة هناك فتحت على طلابها أبواب الإجتهاد ، وتركت المجال للعقول تتصارع في سبيل البلوغ إلى الحق ، عن طريق الجدل العلمي .
والعلاقة بين الأستاذ والطالب هناك " لم تكن علاقة التلقي والإستماع ، وإنما هي علاقة حوار ومناقشة حتى منتهى الصراحة ومنتهى الحرية ، وللطالب أن يبحث موضوع الدرس خارج الكتاب المقرر ، وخارج النص الراهن ، وخارج رأي الأستاذ ، وفي اللقاءات اليومية " لا بد أن بكون لكل من يحضر اللقاء صوت ورأي وموقف.
وكان التدريس يتم أو يقوم على إستعداد دائم من الطالب والمعلم ، حيث كان هذا الأخير يحضر دروسه جيداً قبل إلقائها على تلاميذه ، كما كان التلامذة يحضرون دروسهم قبل أخذها ، حتى لا يكونوا غرباء عن البحث وسير المناقشة ، وكان الشيوخ يعلمون جاهدين لإيصال المعرفة إلى طلابهم ، إنما بشكل سهل التناول ، وكان التلامذة يقيمون أساتذتهم ، من خلال المعلومات التي يتلقونها ، ومن خلال أسلوب التدريس وطريقة التعامل ، ومن هنا كان بعض الطلاب يتركون أساتذتهم ، إما بسبب الأسلوب في التدريس ، أو بسبب عدم الكفاءة.
بالنسبة لتوقيت التدريس ، فمن المعروف ، إستحباب الإبتداء بالتدريس يوم الأربعاء ، أخذاً بالحديث المشهور : " ما بدئ به شتى إلا وتم " كما أنه من المشهور ، أنه لا يستحسن الإبتداء يوم الخميس لأنه " تحصيل بين تعطيلين " .
أيام التعطيل ، كانت محصورة بيوم الجمعة فقط ، حيث يطلب من التلامذة قضاؤه بالدرس والمراجعة ، أما العطل الباقية فكانت موسمية ، وفي شهر رمضان المبارك ، وفي الأعياد الدينية.
( في العراق العطلة الأسبوعية كانت يومي الخميس والجمعة ).

 المدرسة الدينية في لبنان:

بهدف توارث مشعل العلم والمعرفة ، فإن بعض علماء الدين عمدوا إلى أنشاء مدارس وحوزات 
دينية ، وأحاطوها بالرعاية العلمية والروحانية ، ليتخرج منها أجيال من العلماء ، وكان لهذه الحوزات أثر فعال في بناء المجتمع الإيماني ، الموالي لآل البيت عليهم السلام.
وقد تميز العديد من العلماء الأبرار بعطائهم وإنجازاتهم العلمية والحضارية ، وكان المؤمنون بالمقابل يرون في هؤلاء نماذج إيمائية ومشاعل نورانية، فانعكس هذا احتراماً وتقديراً للعلماء .
في فترة الثمانينيات ، وحتى قبلها بقليل ، تأسست عدة حوزات دينية في منطقة جبل عامل ، لكن مستواها لم يكن كمستوى جامعات النجف ، خاصة وأن إحدى الغايات كانت تخريج عدد معين من رجال الدين ، ليقوموا بالمهام الدينية في البلدات والقرى ، بحيث لم تخل بلدة أو قرية تقريباً من رجل دين أو أكثر ، من داخلها أو من خارجها .
كما أن أحد أهداف هذه المدارس الحوزوية ، هو بناء المؤسسات الفكرية والثقافية للطائفة .
ولا يمكن رصد عدد الحوزات ، لأن هذا يقارب نظام التدريس في النجف ، إذ يمكن للطالب أن ينتقل من أستاذ إلى آخر ، ولا يستطيع الأستاذ إلزام الطالب بحضور دروسه .
الأساتذة في الحوزة لا يتقاضون أجراً ، وهذا ما يحدث في النجف وكذلك في لبنان ، إنما ، وكما هو معروف ، فإن المراجع الدينية يتلقون أموال الخمس والزكاة ، وهم يتولون توزيعها على الأساتذة والطلاب .
هكذا يمكن القول أن الحوزة تعتمد مادياً على ما يرد إليها ، بمعنى أن ليس هناك موازنة ثابتة ، لا للإنفاق على الطلاب ، ولا على الأساتذة ، ولا على الصيانة والتجهيزات ، ومن هنا نلاحظ أن بعض الحوزات تقفل أبوابها ، بسبب العجز المادي .
ثم جرت محاولات عديدة لحفظ مكانة الحوزات الدينية ، وتشذيبها من بعض السلبيات ، إذا وجدت، حتى لا تتشوه وتتراجع ، وهذا ما يحصل بالفعل ، حيث وضعت جماعة من علماء الدين القيمين على الحوزات الدينية ميثاقاً ، بتاريخ السابع من شهر تشرين أول سنة 2002 ، وذلك بهدف " وضع ضوابط تفيد في درء السلبيات ، وتزيد من مستوى الرقي العلمي ، والإلتزام  الرسالي " وبشكل يفيد " في رسم الصورة الصحيحة التي ينبغي أن تكون عليها الحوزات وطلابها ، والقيمون عليها" .

وركّز الميثاق على أمور عدّة ، أهمها : " التعريف بالحوزة وأهدافها ، والضوابط الموضوعية لإنشائها ، والشروط المطلوبة لمن يبادر إلى إنشاء الحوزة ، وكذلك الأمربالنسبة للهيئة التعليمية ، وطالب العلم الديني ، والمراحل الدراسية ، التي لا يمكن تجاوز أي مرحلة منها ، إلاّ بعد إتقان دروس المرحلة السابقة .
ويتضمن الميثاق أيضاً ، موضوع التنسيق بين الحوزات ، ومسألة ارتداء لباس أهل العلم ، وحدود ذلك وشروطه ، وأحكام المخالف لنظام الحوزة ، وقانون الجزاء والتصدي ، وهيئة الأمناء ، التي تتألف من علماء الدين اللبنانيين ، الذين لهم صفة الإشراف على الحوزات العلمية والذين يواكبون هذا الميثاق ، تأسيساً وانجازاً ، ويشرفون على تطبيقه في حوزاتهم ، ويعملون على تعميمه قدر الإمكان .
هذا وقد تابع بعض المهتمين من علماء الدين الأفاضل ولادة هذا الميثاق ، فدعموا ذلك ، وتمنوا التوفيق للعاملين من أجل تطبيقه في كلّ الحوزات ، لخدمة الشرع المقدس ، خاصة ، وأن الميثاق كان ثمرة جهود حثيثة ، بهدف الانطلاق للعمل الواعي ، والبناء في سبيل الله .
ومن العلماء الذين باركوا هذا الميثاق ، وما ورد فيه كلّ من : الشيخ محمد مفيد الفقيه ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، الشيخ عبد الأمير شمس الدين ، السيد عبد الكريم فضل الله ، الشيخ عفيف النابلسي ، السيد  حسن نصر الله ، ورئاسة المجلس الشيعي الأعلى ، ممثلة بنائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان .
تجدر الإشارة إلى أنّه في سنة 2003 ، كانت الحوزات الدينية في الجنوب – وهي من ضمن عشرين حوزة متواجدة على صعيد لبنان – كما يلي :
حوزة النجف الأشرف ، بفرعيها في حاريص والحوش ، حوزة أهل البيت في النبطية ، حوزة البياض ، حوزة الشهيد الثاني في مركبا ، حوزة صور ، حوزة صديقين ( توقفت ) ، حوزة المرجع السيد محمد حسين فضل الله ، وحوزة المحقّق السيد جعفر مرتضى .

 

الحوزة العلمية في مدينة بنت جبيل :

إن انطلاق الثورة الإسلامية في إيران انعكس ايجاباً على وضع الحوزات الدينية ، خاصة بعد أن أصبح من الصعوبة بمكان ، على العديد من طلاب العلوم الدينية المتابعة في جامعات النجف الأشرف ، وبعد أن أصبحت مدينة قم المقدسة هي المكان الأرحب والأوسع لإحتضان الطلاب ، خاصة وأن الامام الخميني " قدس سره " أكد على " دور الحوزة العلمية الطليعي في تخريج العلماء العاملين والربانيين ، الذين تتحقق على أيديهم مهمة إقامة الدين ، وترويج الشريعة ، وإصلاح الناس ، وتطوير وبناء النظام العادل في أوساطهم " .
ولخلو منطقة بنت جبيل من وجود حوزة دينية تقوم بهذا الدور ، الذي حدّده الإمام ، كانت حوزة بنت جبيل ، تحت اسم : " معهد آل البيت عليهم السلام " .
وهي حسب رسالتها " مؤسسة دينية حوزوية ، تهدف إلى إعداد العلماء المجتهدينوالمبلّغين الرساليين ، إعداداً علمياً وفنيّاً ومسلكياً ، تتناسب مع مهمة التبليغ ، بما يشمل الاختصاصات العلمية ، وهي مؤسسة تابعة للوكيل الشرعي العام للإمام الخامنئي ( دام ظله ) في لبنان " .
أما الأهداف العامة لإنشاء المعهد في بنت جبيل فأهمها " إعداد المتخصصين في المجالات العلمية الدينية ( فقه ، أصول ، فلسفة ، علم كلام ، علوم قرآن ... ) ، وإعداد مبلّغين قادرين على تحمّل مهام التبليغ ، وإشاعة مناخ الإلتزام الديني والجو العلمي في المحيط الذي تنشأ فيه الحوزة ، والمساهمة في بناء مجتمع إيماني جهادي ، وتأمين حاجة القرى والبلدات للعلماء والمبلّغين ، وأخيراً تقديم تجربة متقدمة في الدراسات الحوزوية في لبنان " .
أما بالنسبة للنظام العام ، فانه يعتمد " ميثاق الحوزات الدينية في لبنان " ، ويخضع الطالب على أساسه لجميع الأنظمة التعليمية المتعلقة بالحضور الصفّي الكامل لكلّ البرامج والمقرارات الدراسية والأنظمة المتعلقة بها .
حدّدت مدة العام الدراسي في الحوزة بتسعة أشهر شمسية ، اما أشهر التعطيل الثلاثة فهي العطلة الصيفية وعطل شهر رمضان ومحرّم وأيام العطل الرسميّة .
ويقسم العام الدراسي في الحوزة إلى ثلاثة فصول ، مدة كلّ فصل ثلاثة أشهر ، وتجرى الامتحانات في جميع المواد نهاية كلّ فصل .
أيام الدراسة في الأسبوع هي خمسة ، ومجموع أيام الدراسة في السنة 182 يوماً . وبالنسبة للانتساب للحوزة ، فهناك شروط متعددة تتعلق بمواضيع التدين وحُسن السيرة والسلوك ، والإلتزام والتقيد بأنظمة المعهد ، وتمتع الطالب بإمكانية النجاح في التبليغ ، وإخضاعه لمرحلة تجريبية مدتها التقريبية عام دراسي , اضافة الى تمتع الطالب  بحدّ مطلوب من الذكاء والنباهة والفطنة .
إضافة إلى ذلك فان هناك شروطاً خاصة للانتساب إلى مرحلة المقدمات ، تختصر بضرورة أن يكون الطالب حائزاً على شهادة بكالوريا قسم ثان ، وأن ينجح في امتحان الدخول المقرر لهذه المرحلة .
أما بالنسبة لمرحلة السطوح ، فيفترض بالطالب أن ينجح في المقابلة الشفهية ، وأن يتقدم بإفادة عن مواد مرحلة المقدمات التي درسها في الحوزة السابقة .
تأسست الحوزة في بنت جبيل في أيلول سنة 2004 ، وبدأت الدراسة في شهر حزيران من ذلك العام .
الهيئة الإدارية للحوزة تتمثل بـ : المدير العام وهو الشيخ صالح فياض ، والمدير التعليمي وهو الشيخ علي رميتي .
يدرّس فيها نخبة من الأساتذة وهم : الشيخ أمين سعد ، الشيخ يحيى زلغوط ، الشيخ يوسف كمال الدين ، الشيخ يوسف غريب ، وغيرهم من العلماء الأفاضل .
إتخذت الحوزة من بناء في منطقة مربع التحرير مقراً لها ، منذ تأسيسها . ومن المقرر أن تنتقل إلى البناء الجديد " مجمع آل البيت " في محلة البركة بنت جبيل .
التدريس في الحوزة يتم على مرحلتين ، المقدمات والسطوح .
بالنسبة لتدريس المقدمات ، وهذه المرحلة تستمر لثلاث سنوات ، فان الطالب يدرس خلالها : النحو ، المنطق ، البلاغة ، رسالة عملية في  الفقه ، العقائد ، التجويد ، حفظ القرآن ، تفسيره ، إضافة إلى دروس في الأخلاق .
أما دراسة السطوح ، فهي تنقسم بدورها إلى مرحلتين :
السطوح الأولى ، حيث يدرس الطالب فيها أصول الفقه ( الحلقات للسيد الشهيد الصدر ) ، ودورة فقهية كاملة ، وكتاب اللمعة الدمشقية ، مع دروس في الفلسفة ، علم الرجال ، علم الدراية ، علم الحديث والقواعد الفقهية .
السطوح الثانية ، يدرس الطالب نفس المواد السابقة التي ذكرنا ، إنّما بشكل أوسع واعمق ، كما يدرس كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري ، والكفاية في الأصول بجزأية للشيخ الخراساني .
ثم يؤهل الطالب بعد ذلك لدراسة الخارج ، مع الملاحظة أن هنالك برامج دعم للبرنامج الأساسي، تتعلق ببحوث علمية يكتبها الطالب ، ترتبط بالمواد التي يدرسها ، أو بمواد يتم تكليف الطالب بدراستها والكتابة فيها مثل : مبادىء علم الإجتماع ، مبادىء في الإقتصاد الإسلامي ، مبادىء في علم النفس ، ومناهج تفسير القرآن الكريم ، وغيرها .
هذا ويتم عقد ندوات ، تتمحور حول قضايا فكرية ، يعقبها أسئلة وأجوبة ونقاشات .
بالنسبة لدراسة الخارج فهي تتم إما في إيران ، او لدى بعض المجتهدين المعروفين . في موضوع اعداد الطلاب ، فقد بدأت الحوزة عملها بحوالي عشرين طالباً ، تدرّجوا في مراحل التدريس ، ووصل العدد حالياً ( 2010 ) إلى أربعين ، وهذا يدلّ على أنّ الحوزة هي في تطور مستمر .
بعض الطلاب الذين ينهون دراساتهم في هذه الحوزة يغادرون إلى إيران ، لمتابعة الدراسات هناك ، فيما البعض الآخر يتابعها في لبنان ، على مستوى البحث الخارج ، على أيدي أساتذة كبار. الإشراف على الحوزة وعملها ونشاطاتها . هو في عهدة هيئة إضافة إلى المدير العام والمدير التعليمي ، ولهذه الهيئة إجتماعات دورية ، للتباحث في شؤون الحوزة من الجوانب كافة ، التعليمية والتوجيهية والندوات وغيرها .
النشاطات الحوزوية تبدأ كل سنة من أول أيلول ، وتستمر حتى 15 تموز ، والتدريس يتم خلال خمسة أيام من الأسبوع ، والتعطيل ينحصر في يومي الجمعة والسبت . ان معظم طلاب الحوزة ينتمون إلى البلدات والقرى التي كانت تشكل في فترة سابقة ، وقبل التحرير" الشريط الحدودي" ، وخاصة عيثا الشعب حتّى ميس الجبل ، مروراً بعيناثا وعيثرون وبليدا وبنت جبيل وغيرها .
ان أكثر هؤلاء الطلاب متفرغون لدراسة العلوم الدينية ،وهناك من لديهم إضافة إلى ذلك اهتمامات بدراسات جامعية ، عن طريق الإنتساب ، حيث يوفّقون بين حضورهم الإلزامي في الحوزة ، وانتسابهم للجامعة .
هناك ملاحظة وهي التركيز في الحوزة على نظام دراسة الكتب ، بحيث يفرض على الطالب عدم البدء بدراسة أي كتاب ، قبل الانتهاء بصورة كاملة ومعمّقة من دراسة الكتاب الذي سبقه .
وهناك امتحانان ، أحدهما في منتصف العام الدراسي ، والآخر في نهايته . تجدر الإشارة ، ان ما يلفت النظر ، هو تميّز الحوزة عن الجامعة ( الرسمية أو الخاصة ) ، وذلك من حيث نظام المذاكرة ، الذي يتم بين مجموعة من الطلاب ، وهناك مباحثة يومياً في الدروس التي جرى تلقيها سابقاً ، وهذه المسألة إلزامية من قبل إدارة الحوزة ، مع ان الطالب ملزم أن يكتب الدرس الذي يتلقاه ، وذلك بأسلوبه الخاص .
أخيراً ، وكما أسلفنا ، فان مقر الحوزة سيكون خلال العام الدراسي 2010-2011 في المقر الجديد ، عند محلة البركة ، والمعروف بـ " مجمع آل البيت " وهو البناء الذي شيّده رئيس بلدية بنت جبيل وعائلته عن روح والدهم المرحوم عبد المجيد الحاج حسين بزي .


ملاحظة أخيرة :

لقد عرفت منطقتنا خلال الفترة الواقعة بين نهاية القرن التاسع عشر ، وطيلة القرن العشرين علماء كباراً ، ربانيين ، تقاة ، ورعين ، روحانيين ، أغنوا المكتبة الدينية والعلمية بنتاج وفير ، لا يزال يستفاد منه حتّى اليوم ، وكان لهؤلاء أدوار مهمة في العملية الإصلاحية الدينية والإجتماعية في المنطقة ، وكانت لهم مساهمات فعلية في رفعة شأن المجتمع ، ثقافياً وعلمياً وجهادياً .
معظم هؤلاء عاشوا حياة بسيطة ، كريمة ، بعيدة عن البذخ والترف ، لم يهتموا بمباهج الدنيا ومفاتنها ومغرياتها ومادياتها ، فقدّموا ما عندهم من أجل نفع المجتمع وأهله ، ورحلوا ، وبقيت سيرهم وذكراهم وآثارهم الطيبة ماثلة أمام عيوننا حتى اليوم .
أملنا أن نقتفي آثار هؤلاء ، الذين ساروا على هدي رسولنــا ( ص ) وأئمة آل البيت (عليهم السلام ) .
السيد محسن الأمين ترك آثاراً لا تعد ولا تحصى ، وعندما حاول المفوض السامي إغراءه بمنصب رسمي ، أجابه بأنّه هو موظف عند الله عز وجل ، ولم يقبل أي منصب .
الشيخ حسين بزي كان يفلح ويزرع ويحصد بيده ، وعاش بكرامة متناهية ، ورفض هو الآخر منصباً رسمياً .
الشيخ موسى شرارة ، كرّس حياته من أجل مدرسته الدينية ، وعمل جاهداً لإصلاح مجتمعه من جوانب عديده ، دينية وإجتماعية وثقافية ..
الشيخ موسى مغنية والسيد نجيب فضل الله كرّسا حياتهما في سبيل إكمال مسيرة المدرسة الدينية . والسيد عبد الرؤوف فضل الله الذي كان قمة في الروحانية والتقى والورع .
كذلك يمكن القول أن السيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ عبد الحسين صادق ومشايخ آل الحرّ في جباع ، ومشايخ آل شرارة في بنت جبيل ومشايخ آل نور الدين وغيرهم من علماء هذه المنطقة ، كانوا منارات يهتدى بعلمها .
نتمنى أن يكون هؤلاء نماذج تحتذى بالنسبة  لعلمائنا الأفاضل .

د. مصطفى بزي

 

Script executed in 0.17657089233398