أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الأبنية العنقوديّة انفجرت بقوانين البناء... جنوباً

الإثنين 12 تموز , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,886 زائر

الأبنية العنقوديّة انفجرت بقوانين البناء... جنوباً


قد يكون قرار قائد الدرك العميد أنطوان شكور، المعنون بـ«سرّي» وذو الرقم 4826/204 الصادر بتاريخ 29/8/2009 والقاضي بعدم السماح بتنفيذ أعمال بناء بموجب تصاريح البلديات، رادعاً من حيث الجوهر للفوضى العشوائية التي تجتاح محافظة النبطية، ولا سيما تلك التي تعرّضت للعدوان خلال تموز 2006، أو التي تحرّرت عام 2000. غير أن متابعي هذه المسألة، في ظل تفاقم البناء العشوائي بعد قرار قائد الدرك، يؤكدون أن القرار أناط بالقيادات الإقليمية والمركزية للدرك الموافقة على الرخص الصادرة عن رؤساء البلديات، ضمن مساحة 120 متراً، بعد نيل جواز مرورها من خلال القائمقامين والمحافظين، لتشرع الفوضى، هذه المرة، برعاية قوى الأمن الداخلي.
يشير رئيس مكتب نقابة المهندسين في محافظة النبطية، المهندس حاتم غبريس، إلى أن النقابة «رفعت الصوت عالياً لدى وزارة الداخلية، من خلال عشرات الكتب، بسبب الفوضى القائمة برعاية رؤساء البلديات الذين راحوا يشرّعون البناء شمالاً ويميناً، وفقاً لحسابات سياسية وانتخابية، بعدما كانت تجري لتسوية أوضاع أبنية قائمة» تضرّرت بعدوان تموز، مضيفاً: «لكنّنا، لم نجد حتى الآن قراراً رادعاً».
ويوضح غبريس أن رخص البناء في المناطق المحررة بعد 2000 «قد تكون معدومة، في الوقت الذي تقوم فيه ورش البناء على قدم وساق، وخصوصاً بعد عدوان تموز 2006، بما يفوق أضعافاً مضاعفة حد 120 متراً التي كان يجد من خلالها رؤساء البلديات مبرراً لفرض سيادتهم، من دون العودة إلى السلطات المختصة».
ويرى في قرار قائد الدرك الصادر في شهر آب من العام الماضي أنه «أتى لكفّ يد رؤساء البلديات، وتعزيز دور المحافظين وحصر الأمر بينهم وبين القيادات المركزية والإقليمية لقوى الأمن الداخلي، ما يعني أن هذا البناء الفوضوي بات يجري الآن برعاية رسمية وشرعية، وحماية قوى الأمن الداخلي».
قرار قائد الدرك أتى بعدما «لاحظت القيادة أن معظم البلديات أخذت المبادرة لإصدار تصاريح لبناء أبنية مؤلفة من عدة طبقات خلافاً للمادة الأولى من قانون البناء الرقم 646 تاريخ 11/12/2004 التي فرضت صدور التراخيص بالاستناد إلى موافقة الإدارات الفنية المختصة المبنية على كشف فني تجريه لهذه الغاية وتصديق الخرائط والملفات من نقابة المهندسين. وقد تسارعت وتيرة صدور هذه التصاريح قبل إجراء الانتخابات البلدية المقبلة بهدف كسب أصوات الناخبين، إذ أخذت بعض البلديات تصدر تصاريحَ لبناء أبنية مؤلفة من طبقات عدة وصلت بعض مساحات الطابق فيها إلى بين 300 أو 400 متر مربع ومتابعة العمل بالورش الموقوفة قبل تسوية وضعها قانونياً، وكذلك إصدار تصاريح لبناء هنغارات وسقوف قرميد وخيم وإغلاق جوانبها بمساحات فاضحة».
إلا أن القرار شرّع عملية بناء مساحات ضمن 120 متراً تحت رعاية قوى الأمن هذه المرة؛ إذ يقضي بالتعميم على قطاعات قوى الأمن الداخلي «العمل بالتصاريح التي تصدر عن البلديات لبناء طابق واحد فقط بمساحة 120 متراً مربعاً، المحددة سابقاً في القرى لأسباب إنسانية ومراجعة السلطات الإدارية تلقائيّاً في حال وجود أي تجاوز من دون انتظار ورود أوامر الرؤساء أو معلومات عن الأعمال القائمة لتوجيه مراسلة بهذا الشأن إلى السلطة الإدارية لتبيان قانونية الأعمال والتصريح».
أما حصة البلدية من هذه «الصفقة»، فإما مجانية أو «ثلاثة آلاف ليرة رسماً على كل متر مربع تسمح ببنائه. وهذا ليس من حقها، فيما لو حصل الباني على رخصة رسمية، بل إن الرسوم تعود إلى نقابة المهندسين والتنظيم المدني»، يقول غبريس.
في بلدة كفرتبنيت نموذجاً، التي شيدت فيها عشرات الوحدات السكنية قبل 2006، بقرارات من البلدية، تضاعفت تلك الأبنية بعد عدوان تموز 2006 لتتجاوز 400 وحدة حتى الآن. تتألف كل وحدة منها من طبقات عدة، وبعضها يتخذ طابع الفيلات. غير أن اللافت في هذه الأبنية، حسب إحصاءات نقابة المهندسين في النبطية، أن عدد التراخيص الرسمية قد لا يتجاوز خمس رخص سنوياً، على مساحات من الأرض، نسبة الاستثمار فيها خمسة في المئة بارتفاع ثلاثة أمتار فقط، لأنها مصنّفة أراضي زراعية. ويلاحظ أن هذه الأبنية تُقام على عقارات غير مفرزة أصلاً، أي إنها لا تتألف من 2400 سهم، بل من أسهم متفاوتة. وقد اجتاح العديد منها أراضي المشاعات العائدة للبلدية، فضمت إلى العقارات المبني عليها وسيجت، بموافقة السلطات المحلية وغض نظر.
أما في كفركلا، فقد سمح أحد المحافظين لصاحب أرض غير مفرزة ببناء ما يتجاوز 600 متر مربع بلا ترخيص قانوني. وفقد سهل «الميذنة» طابعه الزراعي الذي لا يتيح بناء أكثر من نسبة 5 في المئة، بعدما اجتاحته أكثر من خمسين عمارة، بتراخيص بلدية، بدأت 120 متراً، وتجاوزت بأضعاف مضاعفة. وقد تحوّل العديد من الأبنية مقاهي ومشاريع سياحية غير مرخصة.
بتاريخ 8/5/2009، مُرِّر ما بين 25 و 50 معاملة ترميم منشأة على مشاعات بلدة أنصار (النبطية)، دفعة واحدة، ما أثار جملة من الأسئلة في البلدة وخارجها.
قام موظف في التنظيم المدني في النبطية، بالكشف على ما بين 40 و 50 طلباً من بلدة أنصار وحدها، معظمها يحمل رقم العقار عينه (بتاريخ 8/5/2009)، وحوَّل معظم هذه الطلبات إلى دائرة التنظيم المدني في النبطية بتاريخ 8/5/2009. ووافق رئيس الدائرة (مهندس) بالموافقة على الإحالة وتحويلها إلى محافظ النبطية بتاريخ 8/5/2009، لتنال موافقة محافظ النبطية عليها.
تؤكد المراجع المختصة في التنظيم المدني أن قرارات الترميم «تحتاج أولاً وأخيراً إلى موافقة محافظ النبطية. ويبقى هنا دور البلديات في الرقابة والمحافظ بالموافقة».
وإذا كانت فرضية الرخص الرسمية تستوجب مراعاة مقاومة الزلازل التي قد لاقت بعض التردّد من المهندسين معدّي الدراسات والخرائط، و«هذا ما سبّب معاناة للنقابة قبل تفهم الناس له، مع العلم بأننا طالبنا بتقوية بناء الدرج والأعمدة والزوايا، لتصمد في الحد الأدنى إذا وقع زلزال ما، لكن يبقى السؤال: ما الذي سيحمي مئات الأبنية العشوائية التي تُقام جنوباً (الذي شهد العديد من تردّدات الهزات الأرضية) من دون دراسات وعلى أسس قد لا تكون متينة وصلبة؟». يسأل غبريس.


Script executed in 0.19165992736816