يحب أبو كمال «السيّد» ويثق بأن إسرائيل اغتالت الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لكنّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله «خرب لنا بيتنا»، يقول أبو كمال ويضع إبريق القهوة على الأرض ليحرر يديه فتنطلقان في التعبير يميناً ويساراً عن فراغ الكورنيش قرب عين المريسة من روّاده الذين شُغلوا بخطاب السيّد.
يتذكر أبو كمال مغيب الشمس في المكان نفسه قبل أربع سنوات، حين كان أهل الكورنيش يغادرونه لسماع السيّد في أمسيات حرب تموز. وقبل أن يمضي ملاحقاً رزقه، يوقّع أبو كمال: «نحبه شيء ونثق به شيء آخر. تواصلي مع الناس يجعلني أجزم بأن الثقة بنصر الله عمياء، وإن قال هو إن إسرائيل فعلتها، فإسرائيل فعلتها». يمضي هو أما الفرنسيون المبتهجون بالتقاط الصور فيشغلهم سؤالان عن احتمال إعلان «نصغلله» الحرب وإقفال طريق المطار.
على بعد خطوات، في مرفأ الصيادين حيث تتكدّس لافتات الإشادة بالرئيس سعد الحريري، تغفو المراكب وحيدة. وبعد بحث وتقصٍّ، يشير عسكري يحرس ثكنة قريبة للجيش إلى إن أهل المرفأ غادروه باكراً اليوم لمتابعة نصر الله. أما مدينة ملاهي بيروت، فخفضت موسيقاها ليعلو بين أرجائها الفارغة إلا من الموظفين، صوت السيّد، فيما كان أحد الموظفين في مقهى الروضة يعتذر من الزوار فور دخولهم عن عدم عرض المقهى المؤتمر الصحافي لنصر الله نتيجة عدم وجود أية تجهيزات لمناسبات كهذه. ويوضح أن غالبية الزبائن استوضحوه عن الأمر وغادروا ملاحقين رغبتهم في متابعة المؤتمر.
ومن مسبح النادي الرياضي إلى الطريق الجديدة، صوت نصر الله ينتقل من سيارة إلى أخرى.
الطريق الجديدة التي عدّت نفسها منذ 14 شباط 2005 أكثر المناطق المعنية باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، شُغلت أمس بخطاب نصر الله الذي ينقل الاتهام بالتخطيط وتنفيذ الجريمة إلى الملعب الإسرائيلي. أولى المفاجآت في مقهى الزعيم، قبالة المدينة الرياضية، هي أن الموجودين يتركون الكلام لأبو هادي. يوضح الشاب أنه ابن المنطقة ومن آل الشامي، و«سمّيت ابني هادي، قبل تسع سنوات، تقديراً لاستشهاد هادي نصر الله ابن الأمين العام». وعلى مسمع من أصدقائه، يقول أبو هادي: «كل الظواهر تؤكد أن إسرائيل اغتالت الحريري، هكذا يخرب البلد». لكن ألم يتهم أبو هادي سوريا بالجريمة قبل 4 سنوات؟ «كان الدم على الأرض وكنّا غضبانين. اليوم، نكتشف أن لا مصلحة لسوريا في أن ترتكب جريمة كهذه تخرجها من لبنان. فهي كانت هنا تستفيد». يثني الموجودون في مقهى «الزعيم» على كلام الشاب الذي يعمل سائقاً عند إحدى الشخصيات، ويقترب أحدهم من طاولته، يتناول «نبريش» النرجيلة ويقول: «الله خلق لنا عقل، فلنستخدمه قليلاً، لماذا يغتال حزب الله الحريري؟». «نحن نسألكم؟». فيأتي الجواب من شاب آخر يسترخي عند الزعيم: «الحريري في حرب عناقيد الغضب وفّر إدانة دولية لإسرائيل، ما أزعج العدو الصهيوني فاغتال الحريري ليرتاح دولياً قبيل حرب تموز». الأمور عند «الزعيم» واضحة إذاً، «إسرائيل اغتالت الحريري». منه إلى مقهى إنترنت بين صيدلية نانا وصالون السنفور. الشبان المشغولون بإحدى اللعب القتالية لا تهمّهم قرائن السيّد، خفضوا الصوت بعد دقائق على انطلاقته في الكلام. فالسياسة لا تعنيهم وكانوا ينتظرون منه «عرض فيلم يوثّق بالصوت والصورة كيفية تنفيذ إسرائيل الجريمة». وبحسب أحد الشبان، فإن المحكمة الدولية تتجه عبر القرار الظني إلى تقديم إثباتات تثبت بوضوح لا لبس فيه كيف أعدّ حزب الله للجريمة ونفّذها ونظّف لاحقاً مسرحها. في الخارج، يجتمع أربعة رجال، يخيّل من بعيد أنهم لا يستمعون إلى خطاب نصر الله، لكن سرعان ما يتبيّن أنهم يستخدمون هاتفاً يعرض بالصوت والصورة المؤتمر الصحافي لنصر الله. أحد المجتمعين حول السيّد والنرجيلة يشرح كيف أن الولايات المتحدة وإسرائيل وسوريا شركاء في اغتيال الحريري. زميله يؤكد روايته: «حزب الله سيدفع الثمن، هكذا هي دمشق واسألنا نحن أهل الطريق الجديدة». وقبل أن ينضج الحوار أكثر، يقف أحد الرجال الأربعة ويخلع قميصه ليظهر آثار التعذيب: «خدمت الاستخبارات السورية كالحيوان عشر سنوات وحين رفضت الانصياع لأحد الأوامر عذبوني وأذلوني». وبسرعة يستعيد الكلام أول المتحدثين، فيعتبر أن نصر الله ضحية وأن سوريا باعته وهي المسؤولة عن توريطه. لكن، ألا تبتعد المجموعة في تحليلاتها عن الأجواء الجديدة لتيار المستقبل، المهادنة للسوريين. يوضح أحد الحاضرين أن «الطريق الجديدة عانت من «حكم الصرماية» الذي مارسته الاستخبارات السورية ومن «اضطهاد النظام السوري لأهل السنّة»، وبالتالي فإن الطريق الجديدة هتفت للمستقبل حين كان يهتف ضد السوريين، و«إذا قرر الرئيس الحريري التكويع فنحن متصالحون مع أنفسنا».
بعيداً عن هؤلاء، حوّل أحد المنجدين معمله الصغير إلى قاعة سينما، عتّم الغرفة، تاركاً ضوء السيّد ينبعث في المكان. لكن الشباب لا يحبّون الإعلام عموماً وجريدة «الأخبار» خصوصاً. وهم بالمناسبة يتابعون نصر الله لأن إطلالاته باتت أكثر تشويقاً من مسلسل «باب الحارة»، . قبالة المنجد، يجتمع بعض الشبان في محل صغير، يتهكم الحاضرون على نصر الله الذي عليه «تقديم إثباتات ميدانية لا سياسية» و«حكيه فاضي». جارهم، يفضل البرنامج الفكاهي الذي تعرضه قناة المستقبل. هذا الأمر يستفز بائع الخضر في الحيّ نفسه، فيرى أن «بعض الشباب لم يختبروا الحرب الأهلية ويحسبون أن اتهام حزب الله بارتكاب جريمة كهذه أمر مسلٍّ، فيستخفون بمحاولة نصر الله اليوم تجنيب البلد فتنة لا تحمد عقباها». ومن شارع إلى آخر تتكثف المشاهدات: أحد الحلاقين يجرح زبونه فالسيّد اختار عرض وثيقة مهمة أثناء تنظيف الحلاق ذقن زبونه بالموس، معظم الفتيان كانوا مأخوذين بعرض حزب الله لعملية أنصارية، في المطاعم حيث لا تلفزيون، لا زبائن. أجواء الطريق الجديدة أمس يختصرها زبون عند معجنات الحورية: «اتهام سوريا باغتيال الحريري كان سيدفع بعض المسؤولين الثمن، أما اتهام حزب الله بالجريمة فسيدفع أهالي الطريق الجديدة وغيرهم في مناطق أخرى الثمن. مهما كان حكم الأهالي على عرض السيّد فسيتأثرون أخيراً بموقف الرئيس سعد الحريري الذي عليه التأثر بدوره بموقف أنصاره غير الراغبين في اتهام حزب الله بارتكاب الجريمة».