أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

قرى النبطية تتناوب الاحتجاج اليومي على أزمة المياه

الثلاثاء 24 آب , 2010 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,413 زائر

 قرى النبطية تتناوب الاحتجاج اليومي على أزمة المياه
لا ينقطع صوت الأهالي في اعتصام بلدة كفررمان، حتى يرتفع في النبطية الفوقا. يخــفت احتــجاج زوطر الغربية وأختها الشرقية، ليعــلو هتـاف المطالبات في العديد يحمر الشقيف وأرنون وكفرتبنيت وغيرها.. والقضية واحدة: مياه الشفة، وبعدها تأتي مياه الري. أصبحت معاناة الأهالي حديث الساعة، ولم يكفهم تقنين الكهرباء ليزيد الافتقار إلى الماء الوضع سوءا.
ليست مشكلة النبطية ومحيطها مع المياه حديثة العهد، ونقل ميــاه نبع الطاســة الذي قــضى على نهر الليطاني وشكل كارثة بيئية بامتياز، لم يحل مشكلة الناس، فالوضع أصعـب بكثير، واليــباس يفتك بمزروعات هذا العام، والبعض يعزي النــفس بالقول إن عطش النبات أسهل من عطش الأطفال والشيوخ.
لا تقتصر المسببات على عامل واحد، فبدءاً من كمية المياه المتاحة في المناطق، التي لا تكفي 40 بالمئة من عدد الوحدات السكنية الموجودة، إضافة إلى التعديات العلنية على شبكة مصلحة مياه لبنان الجنوبي، وعدم التزام المواطن بما يحدد له من حصته من المياه، وسوء تصرّف البلديات لمعالجة الأزمة. وفي ظل «المعمعة» السائدة يحاول المواطن إيجاد الحلول الفردية، وكل على مقاسه، بدءا باللجوء إلى صرف مبالغ طائلة في حفر الآبار الارتوازية، التي انتشرت بكثرة في الأعــوام الأخيرة. ويصطدم الحل الأهلي بالانقطاع المتواصل في التيار الكهربائي، الذي تعتمد عليه معظم الآبار الارتوازية في سحب مياهها، مما يحول دون تعبئة خزانات الوحدات السكنية حتى، إذ لا يمكن ملء خزاناتها من دون تشغيل طلمبات ضخ المياه، التي تعمل أيضا على الكهرباء.. وعليه، تصبح حلقة المسببات طويلة ويتلاصق معظمها بعضه ببعض، ولا يمكن حلّه بسهولة.
مثلاً، مرّ شهر كامل على بلدة زوطر الشرقية، لم تصل فيه نقطة من مياه الشفة إلى بيوتها، بســبب عـطل فني في مضخة المياه التي تسحب الماء من البئر الارتوازي، الذي جهزه مجلس الجنوب ليكون الحل البديل من انقطاع مياه مصلحة مياه لبنان الجنوبي. يمكن وضع ما يحصل في إطار إهمال أعمال الصيانة وربما عدم القدرة على شراء مضخة جديدة حـيث تتعطل القديمة من حين لآخر. شهر عطش كامل دفع بأم محمد إسماعيل إلى ترك كل ما زرعته من خضار في حديقة منزلها لنار اليـباس والحر المستــشري. فــذهب موسم البندورة والخيار والخس والباذنجان والفليلفة والنعناع والبقدونس، وإلى ما هنالك من خضار يحتاجها المنزل وخصوصا في شهر رمضان. مع الشهر الفضيل يصبح محل الخضار، بتعبير أم محمد، صيدلية لا يمكن لذوي الدخل المحدود والمزارعين الدخول إليها، ومع هذا «يصبح من الأفضل شراء الخضار، بدل شراء صهريج مياه كل يومين بقيمة ثلاثين ألف ليرة لريّها».
بدوره، لا يعرف أبو علي ياغي أن يقف مكتوف الأيدي في ظل مشكلة مياه الري، لكنه في المقابل، لا يمكن أن يحتمل شراء الماء طيلة فصل الصيف، وعليه باشر الرجل منذ العام الفائت ببناء خزان لجمع مياه الشتاء، جرياً على ما اعتاده أجداده ومن بعدهم والده. يومها لجأت العائلة إلى بناء خزان كبير أضيف إليه خزان آخر، يكفيهم حاجاتهم الزراعية من مياه ري طيلة فصل الصيف. يكمن العائق بالنسبة لأبي علي في التكلفة المادية للخزان إضافة إلى المساحة التي يأخذها من الأرض والتي يمكن استغلالها، ولكن لا بد من اللجوء إلى هذا الحل «لأنه لا يمكن الاعتماد على أي جهة رسمية في لبنان». ويضيف أبو علي إلى مسببات أزمة المياه، المشاكل بين الجيران والخلافات حول المياه، وخصوصا عند من يقع بيته في مكان مرتفع، فتصله مياه الشرب خفيفة جدا بسبب عدم ضغط العيار من مصلحة المياه، كما يقول.
تتفاوت مشكلة المياه من بلدة لأخرى، فبين الحلول التي يلجأ إليها أهالي زوطر الشرقية من خزانات أو زراعات بديلة من الخضار، كحبوب العدس والقمح والتي لا تحتاج إلى ري، يغرق سليم حريبي في مشكلة أخرى. لا يكفي راتب الأكاديمي حريبي لاستكمال تعليم أولاده في الجامعات، فعمد إلى شراء خيمة بلاستيكية وزراعتها فاصوليا، عوضا عن موسم تبغ يرهق العائلة ويعيق حركتهم الدراسية. يصف حريبي الموسم الزراعي «بالتجارة الخاسرة، إذ تحتاج مزروعات الخيمة لريها كل يومين، فيما يتراوح ثمن صهريج الماء ما بين ثلاثين ألفا وخمسة وعشرين ألفا حسب المصدر، وهو لا يستطيع ان يترك مزروعاته لليباس بعد أن تكلف عليها الكثير من الأدوية والمقويات الغذائية والأتربة وثمن البذار وإلى ما هنالك». يفضل حريبي أن لا يحسب تكلفته الشهرية من المياه أمام ما يجنيه من الخيمة، لأنها ستزيد فوق همه هماً.
مشروع مياه يحتاج إلى مال
يعوّل الكثير من أبناء الزوطرين على مشروع قام به الصندوق الكويتي للتنمية لسحب مياه نبع علمان على نهر الليطاني إلى بلدة زوطر الشرقية. وبعد الافتتاح الرسمي الذي أقامته البلدية، تبين أن المشروع لا يعمل، وأن المياه لم تصل إلى البلدة. اختــلفت الروايات من أهل البلدة، إذ هناك من يقول: «انفجرت الأنابيب لأن ضغط المياه أقوى من مقدرتها»، وغيرها من بين روايات أخرى عديدة. يقول رئيس بلدية زوطر الشرقية مصطفى إسماعيل «إننا بانتظار وصــل مصلحة كهرباء الزهراني التيار الكهربائي إلى النهر، لأن المشروع يقوم على ضخ المياه إلى أعلى البلدة، عبر مضخات تحتاج إلى تيار كهربائي، وهذا غير متوافر حاليا على النهر، ولا يمكن الاعتماد على المحروقــات كالمازوت لتوليد الكهرباء وضخ المياه، فهذه تفــوق قـدرة البلدية». في المقابل يؤكد الكثير من أبناء زوطر، أنه لو طلبت البلدية رسما ماليا شهريا من كل بيت، لتشغيل المولدات وضخ المياه وإيصالها إلى المنازل، فلن يتردد أي منهم.
يحمر الشقيف
وهناك مشاريع كثيرة أيضا تعتمد على سحب المياه من نهر الليطاني، ومنها مشروع قامت به التعاونية الزراعية العامة في بلدة يحمر الشقيف لجر المياه من النهر وإيصالها إلى خزانات على كتف الوادي، حيث يتم نقلها إلى البلدة عبر صهاريج المياه. تتقاضى التعاونية رسما بقيمة ستة آلاف ليرة لبنانية بدل تشغيل المولدات وأعمال الصيانة التي يحتاجها المشروع، ويتقاضى صاحب الصهريج مبلغ عشرة آلاف ليرة بدل نقلها إلى داخل بلدة يحمر الشقيف. ويوفر المشروع على أهالي البلدة شراء المياه بمبالغ وصلت العام الفائت إلى خمسين ألف ليرة للصهريج المعبأ من نبع سهل الميذنة في كفرمان، و مع هذا فإن مشكلة مياه الري ومعها مياه الشفة ما زالت قائمة داخل البلدة.
كفرتبنيت
تبدو كفرتبنيت وكأنهــا استغنت عن مشاريع المانحين. تبلغ مساحة بركتها الطبيعية 40 دونما بعمق 30 مترا تقريبا، مما يجعل منها بلدة خــضراء، فلا رسوم على مياه الري وكل ما يطلب من المزارع ثمن نقل المياه إلى أرضه، وهي تعرفة تختــلف وفقاً للمكان وسعر المحروقات، ليتراوح سعر الصهريج الواحد حول العشرة آلاف ليرة. ورغم الاستهلاك المستمر من قبل اهالي البلدة والضيع المجـاورة كأرنون والنــبطية الفوقا، وميفذون ويحمر، فإن مياه بركة كفرتبنيت لا تنضب وتصمد حتى موسم الشتاء المقبل حيث تجدد مخزونها.
ويصف المهندس الزراعي والمختص بتقنيات الري هاني علوش الحلول الكثيرة التي تلجأ لهــا البـلديات أو الجمعيات الأهلية بالمكلفة، في حين يمكن تفعيل البرك الطبيعية وإنــشاء البـرك الاصطــناعية، وهذا من أفضل الحلول التي تتحمل البلديات تنفيذها، من ناحية المتطلبات المالية، أو التحول إلى زراعات بعلية بديلة كزراعة الحبوب، التي تعتمد على مياه الأمطار فقط.
مايا ياغي

Script executed in 0.17451596260071