أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«أمل» في ذكرى الصدر: يا ويلنا من بعدك... يا برّي

الثلاثاء 31 آب , 2010 09:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,618 زائر

«أمل» في ذكرى الصدر: يا ويلنا من بعدك... يا برّي


لا يحتاج إميل إلى أكثر من ثوانٍ حتى يجزم بأن ما حفظته صور مما أورثها إياه الإمام موسى الصدر هو «التعايش المشترك والانسجام بين مسلميها ومسيحييها المتجاورين في السكن والعمل والسياسة». الرجل السبعيني الذي عايش الإمام منذ أن قدم الأخير إلى صور للإقامة الدائمة فيها عام 1959، يكتفي بالنظر حوله حيث يعيش في الحارة القديمة، ليأسف كل الأسف على أن «وصاياه برفع الحرمان والمساواة بين الجميع والمحبّة والنظام، قد رفعت من التداول».
هذا برغم أن الحارة تحفظ الكثير من الصدر في الظاهر على الأقل. وصوره المرفوعة في كل زاوية ليست تكراراً للمشهد العام في البلدات المؤيدة لحركة أمل، بل إنها «لوحة تذكارية في كل مكان خاطب فيه الناس واستمع إلى حاجاتهم»، يقول أحد الأهالي. ويستذكر بسام حداد المحاضرات التي كان يلقيها الصدر في كنائس الحارة إلى جانب المطرانين يوسف وبولس الخوري والتي «تحولت إلى وصية طبقت في أحلك ظروف الحروب الأهلية». من هنا، يرى أبناء صور من المسيحيين أن الصدر كان «صمام الأمان لبقائنا في صور حتى بعد تغييبه بسبب المعاملة المتميزة التي كان يخصّنا بها»، بحسب حداد. ولا تزال الحادثة المعروفة بـ«أنتيبا» تتردد على الألسن حتى اليوم. فقد روج البعض أن الإسلام يحرّم على المسلمين أكل بوظة جوزيف أنتيبا لأنه مسيحي، فما كان من الصدر إلا أن توجه من المسجد مباشرة إلى محل أنتيبا في السوق القديم وطلب صحن بوظة، بل وجلس إلى طاولة عند مدخله.
الانتماء الأخضر «لا يزال حاضراً ويبرهن عند كل استحقاق انتخابي بانتخاب أهاليها لمرشحي حركة أمل في البلدية والنيابة بنسب تفوق سبعين في المئة»، يقول جبران شرشر، ابن أحد البنائين الذين اعتمدهم الصدر لبناء مؤسساته. من هنا، فقد أُطلق على أحياء المسلمين في صور القديمة قبل أشهر اسم «حارة الإمام الصدر». إلا أن أحد القيّمين على اللجان الشعبية هناك يأمل أن «يهتدي البعض بهذا الاسم ليعودوا إلى نهج الإمام والحفاظ على السلم الأهلي والنظام والآداب العامة».

الشعور بأن الحركة في وضع تنظيمي لا تُحسد عليه يراود الكثيرين من المحازبين

فالأزقة التي كان يجول فيها الصدر بعد إنهاء صلاته في مسجدها، طالتها في السنوات الماضية شبهات بالفوضى والمخالفات و«الزعرنات» بسبب سلوك بعض الشبان فيها. وقد أدى تورط هؤلاء في إشكالات مختلفة إلى دهم الجيش والقوى الأمنية للحارة ومحاصرتها لأيام عدة بحثاً عن مطلوبين. وإذ يحاول أحد الأهالي التماس العذر «للفئة الضالة» التي «نشأت في بيئة فقيرة ومحرومة الخدمات الأساسية وتشهد تسرباً مدرسيّاً»، ويلوم «بعض المؤتمنين على الإرث السياسي للإمام، الذين لم ينتهجوا أسلوبه في حماية الضالين واستثمار طاقاتهم في مهمات مفيدة للمجتمع، بل شجعوهم على طريق (البلطجة)»، فإنه يتذكّر أن الصدر تصدّى لما عدّه ظواهر شاذة، وتمكن من جعل أحد أبناء الحارة يقلع عن عادة السكر ويتحول إلى أحد مرافقيه الشخصيين.
وكلما دخلت البيوت التي ترفع معظمها صوراً للصدر تجمعهم به في المقاهي والشوارع والتظاهرات المطلبية ومحل أنتيبا للبوظة في السوق القديم، حتى تتراكم الشكاوى من الحال التي آل إليها ما أطلقه الإمام، بدءاً بالخدمات الاجتماعية والتعليم، وصولاً إلى واقع حركة أمل التنظيمي الحالي. ويسأل بسام حداد عن سبب «حرمان صور لسنوات عدة جامعة لبنانية ومستشفى حكومي يلجأ إليه الفقراء».
ويكتسب الإمام الصدر في صور مكانته في إطار الخدمة الاجتماعية من خلال المؤسسات الرعائية والاجتماعية التي أطلقها بعد فترة وجيزة على استقراره فيها قبل سنوات من إطلاق حركته السياسية. فمنذ بداية الستينيات، أنشأ مهنية جبل عامل في البرج الشمالي التي استوعبت مئات الفقراء بتمويل من المغتربين الجنوبيين وإشراف جمعية البر والإحسان المنشأة عام 1948، بعدما فعّل عملها. وأسس صندوق الصدقة ومدرسة فنية عالية للتمريض وجمعية بيت الفتاة الداخلية للتدريب المهني التي تحولت لاحقاً إلى مؤسسات الإمام الصدر ـــــ مدرسة الهدى. ولاحقاً أطلق كشافة الرسالة الإسلامية في عام 1976.
لكن اللافت هو أن تلك المؤسسات تحوّل عنها الكثير من مؤسسيها الأوائل إلى جانب الصدر بعد غيابه، وبعضهم استحدث جمعيات أخرى. وبحسب بعض المتنحّين، فإن أسباب الابتعاد تختلف بين عدم تقبّل غياب الإمام والاستمرار من دونه، وبين عدم الرضى عن طريقة إدارة الأمور من بعده. ويوضح الشيخ علي بيضون أن «التراث الفكري والاجتماعي الذي أرساه الصدر لم يعد محصوراً بالمؤسسات التي انشأها خلال حضوره، والتي ضعفت خدماتياً وتنظيمياً وإدارياً».
كم «أمل» تستعيد ذكرى مؤسسها؟
يرى كثيرون أن هذا السؤال بات وجيهاً بالنظر إلى حركة أمل في هذه المرحلة، وخصوصاً بعد استحقاق الانتخابات البلدية الأخيرة. فالصراع على السلطة والخلاف الداخلي الذي ظهر على أكثر من صعيد على من ينال الحصة الخضراء في المجالس البلدية بين الحركيين ونشوب الخلافات، دفعت رئيسها نبيه بري إلى طرد عدد من المنظمين وإحالة آخرين على مجالس التأديب والتحقيق بسبب رفضهم قرار قيادتهم وتمردهم علىه.

أحد مؤسسي الحركة: لو بدها تفرط لفرطت مباشرة بعد إخفاء مؤسسها

الشعور بأن الحركة في وضع تنظيمي لا تُحسد عليه يراود الكثيرين من المحازبين والمناصرين استناداً إلى استمرار تداعيات الانتخابات البلدية. فقد انسحب الخلاف على المناصب بين الإخوة الخضر إلى استقالات جماعية من شُعب بعض الأقاليم، كما حدث في بلدة القليلة، ومن البلديات ذاتها مثل معركة، وصولاً إلى انفراط عقد بعضها تماماً مثل البيسارية. واللافت أن هذه البلدات الثلاث تُعَدّ معقلاً تاريخياً للحركة منذ تأسيسها لم يهتزّ إبان الاستحقاقات السابقة.
أما النموذج الذي يتخذه البعض للأزمة الداخلية الخضراء، فهو ما يشاع عن وصولها إلى مدينة الإمام، صور. وإذ يردد الكثيرون عن انقسام المجلس البلدي الأخضر في معظمه إلى مجموعات تلتئم تحت القوى النافذة من أعضائه أو الجهات المحسوبة عليها، يدق هؤلاء ناقوس الخطر على تضعضع الإرث الحركي بين المتصارعين على السلطة. من هنا، يفسر البعض سبب تزايد الصور التي ترفع لبري في المنطقة مذيلة بشعار «يا ويلنا من بعدك».
ومن دواعي الاعتبار، أن العصر الذهبي للحركة قد ولّى بسبب زحف حزب الله، في إشارة إلى اختراق الحزب بناءً على التوافق بين الطرفين، البلديات التي كانت خضراء بالكامل في الدورات السابقة، ما فتح الباب واسعاً أمام الحزب ليتحرك بحرية بين قواعده وقواعد الأحزاب الأخرى، بعدما كان ممنوعاً على عناصره استخدام الحسينيات والمراكز العامة، ما دفعه إلى استحداث مراكز مماثلة تابعة له.
من جهته، يخفف أحد مؤسسي الحركة وعضو قيادتها عاطف عون من هول ما يشاع عن انهيار محتمل لجسم الحركة المتماسك «فلو بدها تفرط، لكانت فرطت مباشرة بعد إخفاء مؤسسها» يقول عون. ويعتدّ بالانسحابات والاختلافات وقرارات طرد العناصر والقياديين التي بادرت إليها من بين التنظيمات السياسية في لبنان، مشيراً إلى أنها «دليل عافية على الديموقراطية التي تتحلى بها الحركة البعيدة عن المنطق الديكتاتوري». أما سبب تحول قيادات وعناصر من الحركة وإقبال الأجيال الجديدة إلى الأحزاب الأخرى، فيرده عون إلى «سلطة المال التي تجذب الكثيرين إليها»، مشيراً إلى إمكانات الأحزاب الأخرى التي تفوق بكثير إمكانات حركة أمل التي «حجبت عنها الأموال والمساعدات عن قصد وحولت إلى أماكن أخرى». فضلاً عن أن هناك الكثيرين انضموا إلى الحركة في عهد الصدر وبعده «لمآرب ومصالح شخصية، لا بناءً على عقيدة. فلما انتهت مصلحتهم أو شبعوا من الاستفادة تركوا صفوفها»، بحسب عون.
من جهته، يؤكد علي إسماعيل، المسؤول التنظيمي لإقليم جبل عامل، أن الحركة «حافظت على وصايا الإمام وشعاراته». فالميثاق الذي وضعه الإمام «لم يعدَّل، وإن ندر مع السنوات التنوع الطائفي في صفوفها بعدما مثّل مؤسسوها الطوائف اللبنانية كلها». هذا وإن اضطرت الحركة أيضاً إلى «خوض اقتتالات داخلية في سبيل الحفاظ على وحدة لبنان» بخلاف السلم الأهلي الذي نادى به الصدر.
يصر البعض على توصيف «أمل» بأنها حركة المحرومين سابقاً، علماً بأن الحركة تأسست في أيار من عام 1973، بعد فشل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في تحصيل حقوق الجنوبيين والمحرومين في لبنان بعد خمس سنوات على تأسيسه.



المتغيبون بعد الغياب

 

يوضح القيادي في حركة أمل عاطف عون أن القيادة «دعت أبناء الإمام موسى الصدر باستمرار إلى الانضواء في صفوفها، إلا أنهم فضلوا التنحي جانباً عن المشاركة السياسية». وقد شهدت السنوات القليلة الماضية عودة الأبناء إلى المشهد، ولا سيما في الاحتفال السنوي الذي تقيمه الحركة في ذكرى 31 آب.
الغياب لا يقتصر على العائلة، بل تعداه إلى الكثير من القيادات والكودار التي «قعدت على جنب» تدريجاً. وإذا كانت مرحلة رئاسة حسين الحسيني للحركة قد شهدت بعض التجاذبات وابتعاد العديد من قادة الحركة وكوادرها، فإن الحركة شهدت في ما بعد انشقاقات عدة أبرزها بقيادة نائب رئيس الحركة آنذاك حسين الموسوي الذي أسّس حركة أمل الإسلامية.
ولدى تفحص أرشيف أنشطة الصدر في صور، يلاحظ غياب بعض التيارات النافذة في المدينة آنذاك، مثل آل الخليل الذين رأوا أن الصدر آتٍ لسحب كرسي الزعامة من تحتهم. أما علاقة الصدر بالتيار اليساري، فبقيت بين الانقطاع والكلمة الطيّبة رغم الاختلاف الأيديولوجي بينهما... إلى أن حلّت الحرب وباتت تخضع لعلاقة الصدر بالتنظيمات الفلسطينيّة ومواقفها تجاهه.


Script executed in 0.1974949836731