أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مستشفى بنت جبيل الحكومي..بناء بمال خيّر

الأربعاء 01 أيلول , 2010 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 18,201 زائر

مستشفى بنت جبيل الحكومي..بناء بمال خيّر

من خلال المشاريع المتعددة التي نفّذها في المدينة ، بالإشتراك مع أخيه المحسن الكبير الدكتور اسماعيل عباس ، وقد استمر العمل بالبناء عدة سنوات ، وتمّ الإنتهاء من البناء سنة 2002 ، وكلّف مليون دولار أميركي ، وأقيم على قطعة أرض مساحتها 17 دونماً ، قدّمها المحسن الكريم الحاج غسان داغر عن روح والده .
بعد إنجاز المشروع ، كان همّ الحاج موسى عباس ، تجهيز المستشفى ، وإدارته من قبل وزارة الصحة، وبالفعل فقد اتصل تباعاً مع كلّ وزراء الصحة ، الذين تعاقبوا على الوزارة ، دون أن يلقى التجاوب المطلوب ، ويبدو أنّه لم يكن لدى الحكومات المتعاقبة ، ووزارة الصحة أية نيّة حقيقية باستلام المستشفى ، لأنّ هذا الأمر سيرتب على الحكومة والوزارة إكمال المستشفى بشكله النهائي ، وتجهيزه وتأمين الأطباء والموظفين ومباشرة العمل ، هذا لم يكن وارداً على الإطلاق ، لأنّ هذه المنطقة الريفية الواقعة في أقصى الجنوب ، مكتوب عليها أن تبقى غارقة في النسيان والإهمال والحرمان ، خاصة وأن معظم المؤسسات في بنت جبيل ، من تربوية واقتصادية واجتماعية وصحيّة ورياضية ، نُفّذت بتمويل من أبناء بنت جبيل أنفسهم ، وخاصة من الأخوين عباس ، دون أن يكون للحكومات المتعاقبة أي أثر في هذه المجالات ، إلاّ فيما ندر .
وكان يعزّز عدم الأمل بإكمال المستشفى ، ما كان قد أصاب مستشفى قانا ، الذي بني ولم يجهز ولم يعمل ، وكذلك ما أصاب مستشفى تبنين الحكومي ، القائم والمجهّز ، ولكن المتعثر لأسباب مجهولة .
ان الوضع الإجتماعي المتردي في المنطقة ، خاصة نتيجة الإحتلال ، وما رافقه ، من آثار سلبية للغاية، وعلى الصعد كافة ، كان يظهر كم أن هي الحاجة ماسة لقيام مشروع صحي كبير في المنطقة ، خاصة وأن أقرب مستشفى خاص أو حكومي يبعد عن بنت جبيل ما بين ثلاثين وستين كيلو متراً ، ومعنى ذلك أنّ المريض يمكن أن يموت على الطريق قبل أن يصل إلى المستشفى .
وزاد في تأزيم الوضع أن قوات الإحتلال الصهيوني ، وقبل انسحابها المذّل من المنطقة سنة 2000 ، أقدمت على سرقة معظم المعدات المهمة من مستشفى " الإدارة المدنية " في محلة صف الهوا ، والذي أخذ إسم الإستشهادي " صلاح غندور " بعد التحرير ، فأصبحت المستشفى غير قادرة على القيام بما هو مطلوب منها على الصعيد الصحي ، إلى حين استلامها الفعلي من قبل الهيئة الصحية الإسلامية وتشغيلها ، دون أية مبادرة من قبل وزارة الصحة لمدّ يد المساعدة والإدارة ( حصل جزء من ذلك بعد عدة سنوات ) .
إذن كانت المنطقة ، حتّى سنة 2002 بحاجة ماسة إلى تحقيق مثل هذا المرفق الحياتي المهم ، وإلى تحقيق أمور أخرى عديدة " حيث لم يكن الوضع الصحي والإستشفائي يختلف عن غيره من الخدمات ، التي يحتاجها المواطنون ،  في منطقة بنت جبيل المحرّرة ، والقرى المتاخمة لها ، حيث يراوح هذا الوضع في دائرة ضيقة ، بعد مرور عامين على الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب ، ويمكن القول أن الخدمات الصحية قد تراجعت ، خصوصاً مع بدء عملية ترميم وتأهيل مستشفى تبنين الحكومي ، الذي كان يؤمن إجراء العمليات الجراحية ، ضمن الإمكانات والقدرات المتوفرة آنذاك " 1
وحول ما كان يقدمه المستشفى الوحيد في المنطقة ، يقول مندوب السفير يومها حسين سعد : " صحيح أن هناك مستشفى بنت جبيل في منطقة صف الهوا ، الذي كانت تشرف عليه قوات الإحتلال ، وأصبح بعد الإنسحاب مباشرة بعهدة الهيئة الصحية الإسلامية ، التي أطلقت عليه اسم الإستشهادي صلاح غندور ، وعملت على تطويره ، وهو يقوم حالياً ( سنة 2002 وما بعد ) ، بسدّ جزء من الفراغ الحاصل في المنطقة ، لكن هذا المستشفى غير قادر على تأمين الإحتياجات ( كل  الاحتياجات ) ، لأنّه في منطقة يتجاوز عدد سكانها 200 ألف مواطن ، معظمهم مضطر إلى قصد المستشفيات الخاصة في مدينتي صور وصيدا ، لإجراء العمليات الجراحية ، ومعالجة الحالات الصعبة " 2
الحاجة إلى التجهيز : لقد كان بعض المهتمين بأمر الستشفى الذي بني في بنت جبيل ، يرون أن بإستطاعة هذا المرفق تلبية حاجات المنطقة كلّها ، إذا تمّ تجهيزه بالمعدات اللازمة ، والكادر الطبي ، لكنهم كانوا يرون أيضاً أن مصيره لا يمكن أن يكون أفضل من المستشفى الآخر الذي بني في ميس الجبل ، وبقي فترة طويلة دون تجهيز ، وكأنّه كتب على مثل هذه المؤسسات أن تقف عند حدود الإفتتاح ، والوعود العرقوبية بالتجهيز والتدشين ، وعبّر عن هذا الواقع رئيس بلدية بنت جبيل فياض شرارة ، سنة 2002 حين قال : " أن الوضع الصحي في المدينة والقرى والبلدات الأخرى غير مرضٍ على الإطلاق ... وأن مطلبنا الأساسي هو تجهيز هذه المستشفى بأسرع وقت تقدمة لأبناء المنطقة المحرّرة " ، مشيراً أيضاً إلى أنّ بلدية بنت جبيل شقّت طريقاً تؤدّي إلى المستشفى على نفقتها الخاصة وبمساعدة من مجلس الجنوب . 3
بدوره ، رئيس بلدية بلدة دبل ، إبراهيم بشارة ، أسف للواقع الإستشفائي والخدمات في قرى منطقة ، ولفت إلى أن " أهالي بلدته يقصدون مستشفيات صور وصيدا ، اللتين تبعدان ما بين 35 و 70 كيلو متراً ، لإجراء العمليات والفحوصات الطبيّة " وأضاف : " المطلوب أن يجهز مستشفى بنت جبيل ، وأن لا يقتصر الأمر على افتتاحه " مؤكداً أن " لا بديل عن المستشفى الحكومي ، الذي من شأنه تلبية إحتياجات الفقراء ، في ظل الأزمة الإقتصادية والمعيشية ، وفي ظل غياب فرص العمل " وكشف أن " الكثير من الناس يداوون مرضاهم بالصبر ، بسبب عدم قدرتهم على دفع بدلات الإستشفاء " وأنهى كلامه بالقول متأسفاً : " لقد تحررنا من الإحتلال ووقعنا في العوز ، والحرمان لا يعرف طائفة " 4
أما عضو المجلس البلدي في بلدة عيناثا ، فإنّه أشار إلى وجود صورة قاتمة بالنسبة للوضع الإستشفائي في المنطقة قائلاً : " انّ مستشفى بنت جبيل الحالي ، مستشفى الشهيد صلاح غندور ، يقوم بسدّ إحتياجات استشفائية وطبية ، لكنه لا يؤمّن جميع المتطلبات ، وهذا الواقع يفرض على الأهالي التوجه إلى خارج المنطقة لتلقي العلاج " ، وعن المستشفى الذي بناه الحاج موسى عباس قال : " لسنا بحاجة إلى بناء من حجر فقط ، بل المطلوب تجهيزه وتشغيله لاستقبال المرضى ، كي لا يبقى هؤلاء يعيشون على الوعود " 5
لقد أقدم أقدم مجلس الجنوب على خطوة مهمة ، تمثلت بإكمال المستشفى ، وحول هذا الأمر ذكر رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان " أن المستشفى الذي أكمله المجلس ، ويتألف من ثلاث طبقات ، ويتسع لـ 120 سريراً ، بلغت تكلفته ستة مليارات ليرة لبنانية " وقال مضيفاً : " لقد تلقينا وعداً مبدئياً من دولة الكويت بتجهيز المستشفى " مؤكداً من جهة أخرى " أن المنطقة الممتدة من رأس الناقورة وحتى شبعا، تعاني من أوضاع استشفائية صعبة " 6
أما ما قام به مجلس الجنوب من أعمال استكمالية ، فقد تمثلت بإتمام البنى التحتية ، والكهرباء والمياه وتلبيس الحجر ، وإعادة النظر بالتقسيمات الداخلية ، والتكييف والدهان ، اضافة إلى الحديقة الخارجية، وتعبيد الطرقات والمواقف ...
في تلك الفترة أقدمت وزارة الصحة على تعيين مجلس إدارة للمستشفى برئاسة الدكتور توفيق فرج ، وعضوية عدة أطباء ، كما تمّ تعيين مدير للمستشفى هو الدكتور زياد عساف ، وتمّ رصد سلفة للمستشفى تصرف لرواتب الموظفين والحرس إضافة إلى بدل إجتماعات مجلس الإدارة ( أربعة إجتماعات شهرياً ) .
وعود عرقوبية :
خلال العام 2003 ، كثّف مجلس إدارة المستشفى إجتماعاته ، وبدأ يعدّ الملفّات المتعلقة بكيفية تشغيل المستشفى فور تجهيزه  ، من قبل البنك الإسلامي للتنمية ، الذي قدّم وعداً بتنفيذ ذلك ، وحول هذا الأمر، ذكر رئيس مجلس الإدارة أن " التكلفة تقدّر بثمانية ملايين دولار أميركي ، وأن وفداً من البنك الإسلامي للتنمية حضر إلى المستشفى بتاريخ السادس عشر من نيسان سنة 2003 ، وجال في أقسامه، مبدياً إستعداده الكامل لعملية التجهيز ، التي تحتاج إلى إجراءات وكشوفات ومناقصات ، وأن هذه الخطوات تتم بالتنسيق مع وزارة الصحة ومجلس الإنماء والإعمار ، وتوقع أن يبدأ العمل في المستشفى مع بدايات العام 2004 ، بطاقة تشغيلية تتعدى الستين في المئة في المرحلة الأولى ، وأن الناس في المنطقة بحاجة ماسة إلى هذا المستشفى الذي يحتاج إلى 250 موظفاً ، من أطباء وممرضين وتقنيين وعمال وغير ذلك ، وأن مجلس الإدارة يعدّ الملفات وخطط العمل ، حتى تكون الأمور منظمة ومهيأة لخطة بدء التشغيل " وحول البناء المنجز ، لفت إلى أن " المستشفى يستوعب 124 سريراً وهو مجهز ( كبناء ) بأحدث غرف العمليات في لبنان ، كذلك المختبر وقسمي الأشعة والطوارىء ، وهناك سعي في المستقبل لإقامة مركز لعمليات القلب المفتوح داخل المستشفى " 7
ان توقعات رئيس مجلس الإدارة كانت مفرطة بالتفاؤل ، ذلك أن هذه التوقعات كانت تصطدم دوماً بالواقع الصعب والمتردي ، وبالأسباب المعرقلة والوعود العرقوبية ، إن من قبل وزراء الصحة أو من قبل البنك الإسلامي للتنمية ، الذي لم يفِ بوعده ، واستمر المستشفى على هذا النحو لمدة خمس سنوات، ويقول رئيس مجلس الإدارة أن " هناك أسباباً قاهرة حالت دون تنفيذ البنك الإسلامي للتجهيز ، وهي ليست للإعلان " 8
ان هذا الواقع الذي طبع الوضع الصحي والإستشفائي في بنت جبيل ومنطقتها ، ترافق مع اعتراف بالتقصير من قبل مؤسسة مهمة تابعة للحكومة ، هي مجلس الإنماء والإعمار ، فحسب دراسة أعدّها المجلس سنة 2004 ، يظهر أنه " يعيش في منطقة بنت جبيل ما يقارب 78 ألف نسمة شتاء ، ويرتفع ذلك العدد صيفاً إلى حوالي 120 ألفاً ، من أصل حوالي 200 ألف نسمة ، للاستشفاء ، فيجب توافر ما لا يقلّ عن 120 سريراً للمقيمين ، و200 سريراً لمجموع السكان ، وما لا يقل عن 10 أخرى ، مخصّصة للقلب المفتوح ، بينما المتوافر الآن 44 سريراً فقط في مستشفى الشهيد صلاح غندور ، التابع للهيئة الصحية الإسلامية ، بحسب مراجع صحية فيها ، يقوم على كاهله الإستشفاء في منطقة ليس فيها سوى مركزين للقلب المفتوح ، في محافظتي الجنوب والنبطية " 9
بعد سنتين من حضور وفد البنك الإسلامي للتنمية إلى بنت جبيل للإطلاع على وضع المستشفى ، لم يطرأ على الوضع أي تغيير ، وكلّ الوعود كانت هباءً منثوراً ، الأمرالوحيد الذي استجد ، هو أنه في شهر نيسان سنة 2005 أعلن مجلس الإدارة عن " بدء قبول طلبات التوظيف التي سيجريها مجلس الخدمة المدنية ، حيث قدرت حاجة المستشفى بحوالي 130 موظفاً من مختلف الإختصاصات والفئات".
يومها قال رئيس مجلس الإدارة لجريدة السفير في تصريح له : " أجريت مناقصة التلزيم لتجهيز المستشفى ، وقد رست على إحدى الشركات الأربع التي تقدّمت بعروض ، وتوقع أن يتمّ التشغيل بحوالي ستين ( 60 ) سريراً في المرحلة الأولى ، على أن يرتفع عدد الأسرّة تدريجياً حسب الحاجة " وأضاف قائلاً : " تمّ إعطاء إدارة المستشفى سلفة تشغيلية بلغت 1.5 مليار ليرة ، يتم تسديد 600 مليون من المبلغ كديون ، بينما يستخدم المبلغ المتبقي للتشغيل ، علماً أن القدرة التشغيلية للمستشفى تبلغ حوالي 100 سرير " 10 هذا وفي كلّ مرّة كان يتم فيها الحديث عن الوضع الصحي المتردي في المنطقة ، كان يجري التطرق إلى وضع المستشفى ، حيث يذكر مراسل السفير في بنت جبيل ، ان مشكلة مستشفى بنت جبيل الحكومي " تعود لتبرز مع كلّ مريض ، لم يتمكن من إيجاد العناية اللازمة في المستشفى الوحيد ، الموجود في منطقة يقطنها أكثر من 120 ألف نسمة ، ولا يعود ذلك لتقصير من إدارة المستشفى ، وإنّما لضعف إمكانياتها ، ومحدودية عدد أسرّتها ، وخاصة تلك التي تتكفل وزارة الصحة بتغطيتها " ويضيف المراسل قائلاً : " بالمقابل هناك مستشفى مبني منذ ما يقارب الثلاث سنوات ، يتألف من عدة طوابق وأجنحة ، إلاّ أنّه ما زال عبارة عن غرف خاوية ، لم يتم تجهيزها بعد، رغم الوعود العديدة والقاطعة التي أبرمت على مرّ تلك السنوات ، علماً أن هناك هبة خارجية مخصّصة للتجهيزات ، لم تستخدم بعد " 11
تأثير حرب تموز :
وكان عدوان تموز وآب سنة 2006 ، وأبرزت الحرب كم كانت الحاجة ضرورية جداً لتشغيل المستشفى الحكومي في بنت جبيل ، لأنّ مستشفى الشهيد صلاح غندور ، الذي قدّم ما يستطيع تقديمه من خدمات للمصابين ، لم يكن قادراً وحده على القيام بالمهمة الصعبة والإستثنائية ، في منطقة كانت بحاجة ماسة للمساعدة في المجال الصحي وإجراء العمليات الجراحية ، وفي الوقت الذي أصيب فيه المستشفى بأضرار مادية كبيرة جرّاء قصفه ، إضافة إلى النقص في الأدوية والأمصال وانقطاع التيار الكهربائي وغير ذلك ..
في بيروت والجبل ، وفي أماكن تهجير أبناء المنطقة ، نشط رئيس مجلس الإدارة د. توفيق فرج ، وبعض الأطباء ، ورئيس مجلس إدارة مستشفى ميس الجبل المحامي محمد قبلان ، بتأمين عيادة صحية نقّالة ، كانت توزع خدماتها بين أماكن تواجد المهجّرين ، فتتم معاينة المرضى مجاناً ، ويقدم الدواء لهم أيضاً ، وكل ذلك كان بالتنسيق مع وزارة الصحة . 12
كما تمّ تأمين بعض المساعدات الغذائية للمهجرين .
بعد توقف العمليات الحربية في 14 آب سنة 2006 ، وبعد العودة المشهودة والتاريخية لأبناء المنطقة إلى بلداتهم وقراهم وأراضيهم التي كانت تمتلىء بالقذائف والصواريخ المنفجرة وغير المنفجرة ، وبالقنابل العنقودية ، كانت هناك محاولة جادة من قبل إدارة المستشفى ، لتقديم خدمة صحية مجانية للمواطنين ، والتي تمثلت بالإتفاق مع عدد من الأطباء ، من بنت جبيل والجوار ، خاصة أولئك الذين خسروا عياداتهم جرّاء الحرب ، وغيرهم ، لتأمين دوام يومي صحي في المستشفى ، حيث كانت تتم معاينة المرضى ، وتقديم الأدوية لهم من قبل صيدلية المستشفى ، وكلّ ذلك كان مجاناً ، وبالتنسيق بين مجلس إدارة المستشفى ووزارة الصحة ، بشخص الوزير محمد جواد خليفة ، الذي أعطى توجيهاته بتقديم الادوية اللازمة للعيادات الخارجية ، وبالتالي للمواطنين ، وكذلك الكشف المجاني على المرضى، واستمر هذا الامر مدة عام ونصف العام تقريباً بعد توقف العمليات الحربية .

عندما تبنّت دولة قطر إعادة بناء وترميم ما تهدّم في بنت جبيل ، كان بناء المستشفى من ضمن الأبنية التي عمل الفريق القطري على ترميمه ، خاصة وأن معظم البنية التحتية قد تخربت جرّاء القصف ، وخاصة بالنسبة للكهرباء ، مواسير الغاز ، مواسير الأوكسجين ، الزجاج ، الألمينيوم ، الأبواب والنوافذ والدهان والتبريد وغير ذلك .
وتمت دراسة كل هذه الأعطال ، واستمر العمل لفترة امتدت ما بين ستة وسبعة أشهر ، وبالتنسيق الكامل مع رئيس مجلس الإدارة .
وفي الثاني من شهر نيسان سنة 2007 ، نشرت جريدة السفير خبراً مفرحاً بعناون : " أخيراً ... مشروع قطري لتجهيز مستشفى بنت جبيل " مفاده أن " المستشفى وجد طريقه أخيراً نحو التجهيز ، بعد أكثر من أربع سنوات على إنهاء مجلس الجنوب عملية بنائه " 13  ( الأصح استكمال مستلزمات البناء ، لأنّ البناء أقامه الحاج موسى عباس أصلاً ) .
بحسب المصادر القطرية يومها ، فان للتجهيز مراحل ، ستبدأ عملياً " فور الإنتهاء من ترميم الأضرار التي أصابت المبنى جرّاء عدوان تموز ، وستجري شركة متخصصة دراسة لمستلزمات المستشفى ، يلي ذلك إعداد دفتر الشروط ، تمهيداً لطرح مناقصة التجهيز ، وعلى الرغم من أن هذه المراحل لا ترتبط حالياً ( سنة 2007 ) بجدول زمني محدّد ، إلاّ أن الأهالي يجدون في تبني دولة قطر للمشروع ، فرصة حقيقية في أن يبصر المستشفى النور " .
وأوضح المهندس الإستشاري للمشروع القطري في لبنان كريستيان قمير ، أن مشروع تجهيز المستشفى انطلق ، متوقعاً انتهاء الترميم والدراسات خلال الصيف المقبل ، يصار بعد ذلك إلى طرح مناقصة التجهيز ، ثم يبدأ المستشفى بالعمل نهاية العام الجاري " .
وكان تجهيز المستشفى ، قد شهد تنافساً بين المشروعين الإماراتي والقطري ، أدّى إلى تدخل بعض المراجع النيابية ، وفاعليات أخرى من المنطقة ، وانتهى " حبيّاً " ، كما يشير قمير ، بالإتفاق على تولّي قطر هذه المهمة ، باعتبارها إلتزمت إعادة إعمار بنت جبيل ، وبعض المرافق العامّة فيها ، وجرى تمويل الإعتماد الإماراتي إلى مشروع آخر في الجنوب " 14
حول هذا المشروع بالذات ، يشير رئيس مجلس إدارة المستشفى ، أنّه بعد توقف العمليات الحربية مباشرة ، حضر وفد إماراتي بالتنسيق مع سفارة دولة الإمارات ، وعقد عدة إجتماعات مع مجلس الإدارة ، واتفق على تحضير ملف كامل عن المستشفى ، تمهيداً لتحضيره ، في هذا الوقت دخلت دولة قطر على الخط ، وطلبت أخذ ملف المستشفى ، وضمّه إلى ملف إعادة إعمار بنت جبيل ، لأنّ دولة قطر كانت حريصة على إعادة إعمار المدينة وكل مرافقها ، وحدها ، دون تدخل من أية جهة أخرى .
وبناء على ذلك حصل لقاء في منزل وزير الصحة العامّة د. محمد جواد خليفة ، حضره الوفد القطري، ورئيس مجلس إدارة المستشفى ، وتمّ الإتفاق أن تقوم دولة قطر بعملية التجهيز ، على أن يقدّم وزير الصحة كتاب شكر إلى دولة الإمارات العربية ، على مبادرتها في التجهيز .
حتّى شهر نيسان سنة 2008 ، وبعد التبني النهائي لدولة قطر لتجهيز المستشفى ، لم يبرز أي شيء على أرض الواقع ، وبقي وضع المستشفى على ما هو عليه ، واستمر هذا الوضع حتّى تشرين الأول سنة 2008 ، حيث عُلم من رئيس بلدية بنت جبيل المهندس عفيف بزي ، أن دولة قطر حسمت رسمياً أمر تجهيز المستشفى ، وأنّ هناك شركة قطرية ستنفذ العمل ، بواسطة إحدى الشركات اللبنانية ، وأن المستشفى سيستوعب كمرحلة أولى 60 سريراً ، مع التجهيزات الكاملة .
قدّم مجلس إدارة المستشفى للفريق القطري   ملفاً كاملاً عن التجهيز ، وبعد دراسته حصلت عدة اجتماعات ولقاءات ، لكن كان هناك روتين إداري مزعج ، أخّر لفترة موضوع البدء بالتنفيذ ، مما حدا بمجلس الإدارة لإرسال كتاب إلى سمو أمير قطر ، يتضمن استفساراً عن سبب التأخير في التجهيز ، إثر ذلك حصلت إجتماعات أخرى مع الفريق القطري ، اتضح من خلالها أن هنالك إشكالية تتعلق بمسألة التلزيم وكيفيته ، وهذا ما حدا بمجلس الإدارة أن يقترح أن تتم مسألة المناقصة في دولة قطر ، دون أن يكون للمجلس أو غيره أية علاقة بالموضوع ، فالمهم أولاً وأخيراً هو تجهيز المستشفى .
 تمّت المباشرة بالمناقصة ، بين عدة شركات ، واستمرت لفترة محدودة ، وأخيراً رست على إحدى الشركات ، ثم بدا التجهيز ، وحضر مهندسون أخصائيون لتركيب المعدات ، وبإشراف قطري ، وبعد إنجاز الأمر ، تمنى مجلس الإدارة على وزير الصحة إرسال مهندسين متخصصين بالمعدات الطبية ، للكشف على المعدات المركبة للتأكد من سلامتها ، وبقي المهندسون يعملون في المستشفى لأكثر من شهرين ، وعملوا بكل جديّة وشفافية ، وبعد أن قدّم هؤلاء تقريراً لسلامة الوضع ، وقّع مجلس الإدارة على وثيقة الإستلام .
الجهازي الإداري في المستشفى :
1- مجلس الإدارة : ويتألف من رئيس وهو د. توفيق فرج ، وخمسة أعضاء هم د. حسن بسام ، د. سامي حراجلي ، د. فادي علوية ، د. ساطع بزي ، وطبيب مفوض المجلس لدى الحكومة وقد أحيل على التقاعد وهو د. إبراهيم حرب أما مدير المستشفى فهو الدكتور زياد عساف .
2- القسم المالي : هو مسؤول عن كل الشؤون المالية في المستشفى ، ومكتب الدخول والوترة المالية وغيرها ، يشرف عليها الموظف علي حمدان ، يعاونه عدد من الموظفين .    
3- أمانة الصندوق ، ومديرها أمين صندوق هو الموظف محمد خنافر .
4- رئاسة القسم الإداري ، ويتحمل مسؤوليتها الموظف محمد علي عواركة .
5- أمين المستودع ، وهو مسؤول عن كل اللوازم والأدوية التي تدخل إلى المستشفى .
6- الجهاز التمريضي ، وفيه مشرفة أو مسؤولة التمريض ، والممرضون والممرضات في كلّ الأقسام.
7- مهندس المعدات الطبية ، ويساعده فريق عمل إختصاصي .
8- حراسة المستشفى ، ويقوم بها خمسة حراس أو نواطير .
أقسام المستشفى :
في المستشفى أقسام عديدة ، طبيّة وصيانة وغيرها ، وهي :
1- قسم العيادات الخارجية ، وفيه كلّ الإختصاصات الطبيّة .
2- قسم الطوارىء ، يداوم فيه يومياً ، وخلال 24 ساعة أطباء إختصاصيون .
3- قسم الأمراض الداخلية .
4- قسم الأطفال .
5- قسم العناية القلبية الفائقة ، وهو مجهز بكل التجهيزات المطلوبة ، وهذه الأقسام الثلاثة الأخيرة بدأ العمل فيها في التاسع من آب سنة 2010 ، وهناك مرضى صحة عامة ...
6- قسم الولادات والجراحة النسائية .
7- قسم العمليات الجراحية لمختلف الأمراض ( جراحة عامّة ، جراحة عظم ، أذن ، أنف ، حنجرة ، جراحة العيون .. )
8- قسم العلاج الفيزيائي .
9- قسم الميكانيك
10- المطبخ وقد بدأ العمل به منذ التاسع من آب سنة 2010
11- المغسل وهو مجهز بالتجهيزات اللازمة .
12- قسم التعقيم وهو يعمل بشكل جيّد
13- قسم صيانة الكهرباء وبقية الخدمات ، يديره موظف ويساعده عدد من العمال
14- كافيتريا
15- صيدلية . 15
الاحتفال بافتتاح المستشفى :
يوم الحادي والثلاثين من آب سنة 2010 ، كان يوماً مشهوداً في بنت جبيل ومنطقتها والجنوب ، فقد زارها رئيس الجمهورية وبرفقته أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إضافة إلى وزراء ونواب عديدين ، وذلك لإفتتاح عدة مشاريع نفذتها دولة قطر ، وخاصة تجهيز مستشفى بنت جبيل وإعادة إعمار سوقها وآلاف المنازل والمدارس والمؤسسات .
هذا وقد سجلت قطر لأميرها " أنّه أول حاكم عربي يزور الجنوب ، ويجول في قراه الحدودية ، من بنت جبيل إلى الخيام مروراً بمعبر فاطمة ودير ميماس وصولاً إلى المصيلح ...
وسجل رئيس الجمهورية ميشال سليمان " أنّه أول رئيس لبناني يتفقد الجنوب مرتين ، بعد أن كان قد سبقه للمرة الأولى منذ الإستقلال إميل لحود ، غداة التحرير في العام ألفين ، كما سجل رئيس الحكومة سعد الحريري " أنّه قام بأول زيارة للجنوب ، بعد أن كان هناك مشروع زيارة مطلع العام ، تردّد في تلبيتها ... وشكل انضمام الحريري إلى احتفال بنت جبيل مفاجأة .. " 16 . كما مثل النائب محمد رعد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله .
لقد أقيم احتفال كبير في بنت جبيل بهذه المناسبة المهمة ، حيث حطت طوافة الرئيس وبرفقته الأمير عند مجمع الحاج موسى عباس ، ومن هناك انطلق الموكب نحو صف الهوا ، ثم نحو السوق الجديد ، حيث بوابة الإستقبال والمنبر الرسمي ، وهناك كان ينتظر الوزراء والنواب والشخصيات الرسمية والمجلس البلدي في بنت جبيل وبعض الفعاليات ، فيما الجماهير كانت تحتشد على جانبي السوق ، من بدايته وحتّى النادي الحسيني ، وكانت هذه الجماهير تحيي الأمير والرؤساء وزوجة الأمير الشيخة موزة ، ويفيد مراسل السفير في بنت جبيل ان الإحتفال استهل " بقص شريط الإفتتاح لبوابة بنت جبيل، وعزفت فرقة موسيقى الجيش نشيد السلام والنشيد الوطني اللبناني ، ثمّ ألقى رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي كلمة ترحيب ، قبل أن يتسلم أمير قطر من رؤساء بلديات بنت جبيل وعيتا الشعب وعيناثا ( وهي البلدات التي تولى إعمارها القطريون ، بالإضافة إلى الخيام ) ، وأزيح الستار عن النصب التذكاري لإعادة إعمار السوق التجاري التاريخي وسط مظاهر احتفالية " 17
بعد افتتاح السوق ، كان احتفال في مستشفى بنت جبيل الحكومي ، حيث قامت دولة قطر بتجهيزها بشكل كامل " واستهل الإحتفال الذي أقيم في قاعة جديدة بنيت بمبادرة من مجلس الجنوب – بكلمة النائب محمد رعد الذي أشاد بالمبادرة القطرية الإعمارية ، ورحّب بكل جهد ولقاء عربي ينعقد في إطار مشروع حماية لبنان والمنطقة من استهدافات العدو " وقال : " ان لقاءنا اليوم يأتي في زمن الإنتصار ، وينعقد عند خط الصمود والمواجهة ، الذي أسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد ..."
وألقى الرئيس برّي كلمة إستهلها بمقدمة وجدانية ، شاكراً لقطر أياديها البيضاء ، وقال : " اليوم اكتملت عناصر المقاومة الأربعة لأي عدوان اسرائيلي ، حيث أن لبنان يملك قوة الردع المتمثلة دائماً بسلاح الوحدة الوطنية ، والشعب والجيش والمقاومة ، وثانياً عملية النهوض بعد إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية الأخيرة ، بدعم وتمويل من دولة قطر ، دون أن ننسى فضل الكويت والسعودية والإمارات وسوريا وإيران وثالثاً تحصين المنطقة الحدودية بخط دفاع صحي ، يتمثل بمستشفى الدوحة في بنت جبيل ، وكذلك بخط دفاع تربوي ... "
وألقى أمير دولة قطر كلمة ، أكّد فيها على أن " لبنان لا يزال يواجه الكثير من التحديات ، وهو أهل لمواجهتها ، وعلى رأسها تحدي إعمار المجتمع وإعادة بناء المواطن " . وقال : " ليس لدينا شك في أن لبنان يعرف مصلحته ، ويمكنه أن يتخذ قراره بحكمة ورويّة .." 18
هذا وقد قيمت الصحف أهمية البدء بعمل المستشفى الحكومي ، بعد تجهيزها من قبل دولة قطر ، وبعد فترة طويلة من الإهمال والمعاناة ، خاصة على الصعيد الصحي لهذه المنطقة ، وأبنائها ، منذ إطلاق بعثة إيرفد تسمية المناطق المحرومة على الأطراف ، في عهد الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب ، حيث لم تحظ منطقة قضاء بنت جبيل باهتمام الحكومات المتعاقبة ، منذ الإستقلال ، وصولاً إلى التحرير ، ومروراً بالإحتلال ، " فقد حقق المستشفى نقلة نوعية على مستوى التقديمات الطبية في قضاء يضم 36 بلدة وقرية ، ويصل عدد سكانه إلى نحو 230 ألف نسمة .. وبعد وضع حجر الأساس لهذا المستشفى في العام 2002 .. لم يصر إلى تأمين الأموال اللازمة لتجهيز المستشفى بالمعدات اللازمة لتشغيله ، ثم جاء عدوان تموز ... وعمل المكتب القطري مشكوراً على إعادة ترميمه ، واليوم أصبح المشروع متكاملاً ، وسيترك انعكاساً إيجابياً على المنطقة ، والأطباء يمارسون مهنتهم في شكل جيد في هذا المستشفى ... " 19
أخيراً ، يرى رئيس مجلس إدارة المستشفى ، أن على أهالي بنت جبيل والمنطقة دعم هذا المرفق الحيوي ، الذي يعتبر أهم مشروع أمان صحي لجميع المواطنين ، ومشروع صمود للأهالي في الأرض ، ومقاومة لمحاولات العدو في إبقاء هذه المنطقة على تخلفها وعدم تنميتها " وهو يخص وزير الصحة بشكر خاص ، " لأنّه لم يبخل بتقديم كلّ الدعم للمستشفى ، على الصعد كافة " . 20

بنت جبيل في :1/9/2010
د. مصطفى بزي
الحلقة القادمة : مستشفى الشهيد صلاح غندور  

تقرير مصور

 

  


 

Script executed in 0.19859981536865