أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

14 آذار نحو التسلُّح علناً... لأجل لبنان!

الخميس 30 أيلول , 2010 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,476 زائر

14 آذار نحو التسلُّح علناً... لأجل لبنان!

ظلّ جوني عبدو على الدوام هادئاً في مقاربته الملفّات الداخلية. لكن ثمّة ما تغيّر في شخصيّة الرجل وحساباته. عدم قدرته خلال سنوات الانقلاب الذي كان أحد الشركاء فيه منذ عام 2004 على استثماره في العودة الى لبنان أو تولي منصب عام، جعله في الموقع الأكثر توتراً. وبعدما أفاض في المرحلة السابقة في الحديث عن تورّط سوريا وتورّط الضباط الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ها هو يطلّ علينا الآن ليشرح لنا أن «حزب الله» متورّط في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وأن عناصره «اعترفوا» بذلك أمام محققي دانيال بلمار.
وبحسب التسلسل المنطقي لكلام السفير السابق مع موقع 14 آذار الإلكتروني، فإن الأخ يعتبر حزب الله إرهابياً، ثم يعتبره مسؤولاً عن اغتيال الحريري، أي إنه حزب قاتل أو حزب للقتلة. ثم يشرح لنا سبب هذه المقدمات لأن «المشكلة الحقيقية في 14 آذار هي تخلّيها عن الناس الذين حملوا هذه القضية وقاموا بالتعبئة»، محدداً مهمة هذه القوى الآن بـ«عدم الخجل من فارس خشان ومروان حمادة ومي شدياق».
ثم يأتينا عبدو بالأهم، قائلاً: «أعود هنا الى كلام سبق أن ذكرته (يعني أنه سبق أن طرحه ولم يؤخذ به) رغم أنه ليس كلاماً سياسياً أبداً، ولكن للأسف هذا هو الواقع إذا لم يكن لدينا، نحن السياديّين، الأدوات التي تضمن توازن الرعب»، لأنه لا يجوز «غياب توازن الإرهاب على الأرض بيننا وبين الطرف الآخر، لا يمكن أن نتعامل معهم بطريقة لائقة ولطيفة».
الخلاصة المنطقيّة التي يخرج بها أي عاقل يجيد القراءة والفهم هي أن عبدو يحنّ الى أيام المكتب الثاني، وهو يقترح أن تبني قوى 14 آذار خلايا عسكرية وأمنية إجرامية لقتل من يهاجمها أو يهدّد مصالحها. ويرى في هذ البناء الإجرامي «تحقيقاً لتوازن الإرهاب مع الطرف الآخر». وهذا يعني لمن لم يفهم بعد أن عبدو يعود بنا الى زمن «الأمن الذاتي» تماماً، كما يهمس البطريرك الماروني نصر الله صفير، ويقولها بصوت مرتفع سمير جعجع وبعض القيادات في تيار المستقبل.

ما الحكاية؟

الحريري لا يوقف الشحن وجعجع يرفع الصوت ونداءً من الخارج لبناء خلايا إجراميّة بحجّة «توازن الإرهاب»

طبعاً ينتقد عبدو الرئيس سعد الحريري على تصريحه إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، ويقول إنه فهم كلام رئيس الحكومة عن شهود الزور بأنه حديث عن شهادات حوِّرت فأضرّت بالحقيقة وبالعلاقات مع سوريا. وهذا تفسير جديد، علماً بأنه يفترض بعبدو أن يكون قد علم بأن ما قاله الحريري كان مدار حديث مفصّل على غير النحو الذي قاله السفير السابق. وهو حديث جرى على دفعات بين الحريري والرئيس السوري بشار الأسد. كما جرى بين الأخير والمندوب السعودي الخاص عبد العزيز بن عبد الله. والحريري ترجم عملياً في تصريحاته تفاهماً جرى بينه وبين السوريين والسعوديين. لكن المشكلة في أن التفاهم لم يقتصر على التصريحات فقط، بل على وضع آلية للسير في ملاحقة شهود الزور ومن يقف خلفهم. وعلى قاعدة أن فريق الحريري الأمني والسياسي والإعلامي (بعضهم متّهم بالتورط في ملف شهود الزور) كان قد أقنعه بأن سوريا وحزب الله يقفان خلف شهود الزور، فإنه لم يكن مربكاً بالإعلان عن الأمر. وبالتالي، فإنه وفق النظرية نفسها، من مصلحة 14 آذار السير في ملف شهود الزور لإدانة سوريا وحزب الله. لكن عبدو يعرف، كما الآخرون من أركان الحريري، أن الأمر على نقيض ذلك، وأن التحقيقات من شأنها دحرجة رؤوس أمنية وإعلامية وقضائية وسياسية من التي يتكل فريق 14 آذار عليها للسير في لعبة الاتهام السياسي.
ولأن الأمور واضحة الى هذا الحد، فإن مشكلة الحريري التي تفاقمت مع سوريا ومع قيادات بارزة في المعارضة، تعود الى أنه كان يعتقد أن تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» ستكون كافية، وأنه معنيّ بما تفاهم عليه مع الرئيس ميشال سليمان لجهة تعويض الضباط الأربعة من خلال تعيين اثنين منهما (اللواء علي الحاج والعميد ريمون عازار) في مواقع إدارية أو دبلوماسية رفيعة، على أن يصار الى عقد تسوية مع الآخرين (اللواء جميل السيّد والعميد مصطفى حمدان) وفقاً لقاعدة أن الحريري قال إنه لا يمكنه الموافقة على منحهما أي منصب رسمي لأنهما «كانا على خلاف قوي مع الوالد، وإنهما يواصلان العمل السياسي والإعلامي ضدي الآن».
وبناءً على ذلك، فإن الحريري كان يعتقد أن سوريا ستكون راضية بالاعتذار الذي قدّمه لها عن الاتهام السياسي، وأن قوى المعارضة ستكتفي بالإشارة الى ملف شهود الزور، وأن سوريا ستمارس عليها الضغوط كي تقفل الملف. وبالتالي، فإنه وفقاً لمنطق الحريري، ولما قاله سمير جعجع في جونية الأسبوع الماضي، ولما شرحه لنا السفير عبدو، فإن فريق 14 آذار لا يرى أنه معنيّ بالذهاب أكثر من ذلك. وهذا يعني عملياً أنه يرفض الخوض في ملف شهود الزور، وأنه يتصرف على أنه «أمر تافه وعرضي وقد تجاوزته الأحداث» على ما يسوّق لذلك ضابط كبير وإعلامي أكبر من الفريق اللصيق برئيس الحكومة.
وما دام فريق المعارضة قد أعطى الانطباع بأنه لن يتوقف عن ملاحقة الملف، أُطلق على قواه صفة «الانقلابيين» ثم أُرفقَ الأمر برفع سمير جعجع الصوت، قبل أن يدعو السفير عبدو إلى «الأمن الذاتي»... كل ذلك يقود الى نتيجة واحدة: في 14 آذار قوى باشرت المهمات التنفيذية لمواكبة صدور القرار الاتهامي، والاتجاه بالبلاد مباشرة نحو الفتنة.

Script executed in 0.20232892036438