أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مزارعو التبغ يطالبون بتحسين التسعيرة.. ويسألون عن تعويضاتهم

الجمعة 15 تشرين الأول , 2010 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,269 زائر

مزارعو التبغ يطالبون بتحسين التسعيرة.. ويسألون عن تعويضاتهم
بنت جبيل :
للجنوبي وشتلة التبغ قصص وحكايات، تتكرر سطورها عند كل موسم غرس وقطاف. سطور حفظتها أياد حفر المنطاع تعاريج خطوطها، وحرك الميبر مخارج حروفها ونقاطها، ونشرت على مناشر الأيام. للجنوبي والشتول، قصص لا تنتهي عن نبتة مرة، بطعم عذابات زرعها. ارتبطا بعضهما ببعض قهراً، على طول خط النار، الأمني والمعيشي الذي لا يزال أبدا أحمر.
وكما في كل عام يحل موسم تسليم التبغ، فتكبر الآمال في مخيلة المزارعين ومعها تكبر الأحلام، ومصير معلق على عدد من طرود الورق اليابس، و«موظف شركة احتكارية» ينفذ تعليمات عليا ترفِّع من ترفِّع وتحط من تحط، «فتحدد سعر الكيلو وفق آلية غير معروفة وغير محددة وأحياناً مزاجية».
عيترون، واحدة من تلك القرى، الممتدة أراضيها على ذلك الخط الناري من سنوات، «تزرع وتقطف سنويا أكثر من عشرين ألف طرد من التبغ»، كما يقول المزارع جمال حجازي، «ثلثا الكمية بموجب الرخص الرسمية، والثلث الباقي يزرع بدون رخص ويباع في السوق السوداء». وتمتد زراعة تبغ عيترون على مساحة شاسعة من الأراضي التي يقع معظمها على طول الخط الحدودي. واللافت في عيترون أن هذه الزراعة تحولت إلى عادة وتقليد، حيث يعمل فيها أكثر من خمسة وتسعين في المئة من أهالي القرية، بمختلف فئاتهم العمرية والاجتماعية والمهنية. ووفق حجازي، «تعتبر البلدة من أكبر القرى التي تزرع الدخان في المنطقة مع عيتا الشعب ورميش».
ويسرد المزارعون في رميش الكثير من الشكاوى على عملية تقدير الدخان، فيشير علي توبة إلى أن «معدل سعر الكيلوغرام الواحد من الدخان يبلغ حوالى عشرة آلاف ليرة لبنانية، وأقصى ما استطعنا الوصول إليه لم يتجاوز 12500 ليرة. وذلك في مرات قليلة ومعدودة، بينما تصل الأسعار في بعض القرى المحظوظة الأخرى والمرضي عنها إلى خمسة عشر الفاً»، على الرغم من «جودة الدخان الذي يقطفونه أمام لجنة خبراء مستقلة».
«ثلاثة آلاف ليرة في اليوم»
زراعة التبغ عائلية، تقوم على نظام الرخص الرسمية، وتصلح كل واحدة منها لزراعة أربعة دونمات فقط، ولا يحق للمزارع بأكثر من رخصة واحدة. تستلم منه «شركة الريجي» بموجبها أربعمئة كيلوغرام، حداً أقصى، وبمعدل عشرة آلاف ليرة للكيلو الواحد، أي ان معدل دخل العائلة الواحدة من هذه الزراعة التي تمتد على فترة عشرة شهور من العمل، ما بين تجهيز المشاتل والعناية بها ومن ثم قلع الشتول والبدء بالغرس ومن ثم القطاف، لا يتجاوز الأربعة ملايين ليرة. وبحسبة بسيطة لا يتجاوز دخل الفرد الواحد في العائلة المؤلفة من خمسة أفراد الثمانمئة ألف ليرة في الموسم، أي ما يعادل ثمانين ألف ليرة شهرياً، وأقل من ثلاثة آلاف في اليوم الواحد، وذلك ما يدفع عدداً كبيراً من المزارعين، خاصة أصحاب العائلات الكبيرة، إلى استئجار رخص وأراض زراعية لزيادة الدخل.
«ما الذي رماك على المر؟ الأمر منه»، يتسلح فيصل حيدر بالمثل الشائع، ليشير إلى «أنها الزراعة الوحيدة المضمون تصريفها، فنحصل على نقودنا دفعة واحدة، بحيث يمكن قضاء الكثير من الأمور الحياتية، مثل أقساط المدارس أو تجهيز أحد الأولاد للزواج». و«كان الأهل قديماً يؤجلون جميع مشاريعهم حتى موسم تسليم الدخان»، ويقدر حيدر، ان «الجهد الذي يبذل في زراعة الدخان، لو بذل في زراعات أخرى، لكانت الإنتاجية المادية أفضل بكثير، ولكن تبقى المشكلة في تصريف الإنتاج».
أما عن السوق السوداء، فيرى المزارع مصطفى مراد «أن حوالى ثلث إنتاج عيترون من الدخان يزرع دون رخص، ويباع للمزارعين الذين لم يتمكنوا من زراعة رخصتهم أو لمن نقص إنتاجه عن الاربعمئة كيلوغرام، ويباع بمعدل وسطي يتراوح بين السبعة والثمانية آلاف للكيلوغرام الواحد». فيما يقوم نظام التأجير على أن «يدفع المزارع ما مقداره مئة ألف ليرة بدلا سنويا عن كل دونم، وأربعمئة ألف عن الرخصة، بالإضافة إلى أن تكلفة زراعة الدونم الواحد تبلغ حوالى مئتين وخمسين ألف ليرة سنويا، مقسمة على العناية بالشتول وحرث الأراضي وشراء المياه ونقلها، بالإضافة إلى نقل المحصول لتسليمه».
ولا ينسى المزارعون في عيترون تعويضاتهم الزراعية التي لا يزالون في انتظارها منذ انتهاء عدوان تموز 2006، والتي لم يروا منها شيئاً بعد، رغم مرور أكثر من أربع سنوات على انتهاء الحرب، حيث خسروا حينذاك أكثر من تسعين بالمئة من إنتاجهم الذي كان إما منشوراً في العراء أو على شتوله لم يقطف بعد، وفق حجازي الذي يرى أن «قصتنا مع التعويضات هي باختصار هي صورة علاقتنا بالدولة، التي لا تعرفنا إلا عند الجباية، أما عند الدفع «فيبعت الله»، وحتى تعويضات الوحدات السكنية التي خصصت للبلدة بأموال سعودية لم تدفع كلها بعد». ذلك بالإضافة إلى «أكثر من أربعمئة وخمسين دونماً أتلفها العدو الإسرائيلي عام 2005، عندما قام بشكل مقصود برش مبيدات زراعية على طول المنطقة الحدودية، ما أدى إلى تلف كل الإنتاج الذي كان ملاصقا أو قريبا من منطقة الحدود، وما زلنا بانتظار وعد الدولة بالتعويض أيضا».
إنتاج الحدود الجنوبية
ينتج قضاء بنت جبيل حوالى مليون ونصف المليون كيلوغرام من التبغ سنوياً، بقيمة تصل إلى ثمانية عشر مليار ليرة، إذا اعتبرنا أن متوسط سعر الكيلوغرام الواحد هو 11500 ليرة. ويتركز الإنتاج في قرى عيترون ورميش وعيتا الشعب ومارون الراس وكونين وبيت ليف. ويعيش حوالى عشرة آلاف عائلة بنسب مختلفة من مردود زراعة التبغ، ويطالبون برفع سقف إنتاجه السنوي من خمسة ملايين كيلوغرام سنوياً (تؤكد مصادر الشركة أن الإنتاج السنوي يصل فعلياً إلى تسعة ملايين). ولا يتمتع مزارعو التبغ، برغم تعبهم بأي ضمانات صحية، وعليه يطالبون دائماً بإدخالهم إلى «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، وبضرورة إعادة إحياء الرخص القديمة، خصوصاً لأولئك الذين لم يتمكنوا من استعمالها بسبب ظروف الاحتلال، وأخيراً تحسين سعر الكيلوغرام الذي لا يزيد على ثلاثة عشر ألف ليرة في أحسن الأحوال.
وتشير الإحصاءات إلى أن خمسة وعشرين ألف عائلة تعمل في زراعة الدخان في لبنان، وتنتج حوالى ثمانية ملايين كيلوغرام من التبغ سنوياً، بمبلغ إجمالي يصل إلى تسعين مليار ليرة. أي أن المعدل الوسطي لدخل كل عائلة من هذه الزراعة يبلغ 2400 دولار في السنة. إلا أن الواقع يبرز مفارقات عدة، ففي بنت جبيل وحدها، على سبيل المثال، هناك حوالى عشرة آلاف عائلة تعمل في زراعة الدخان، فيما المسجلون هم حوالى ثلاثة آلاف وثلاثمئة عائلة فقط، يزرعون حوالى عشرين ألف دونم، وهي مساحة يعتمد عليها المزارعون كليا أو جزئيا. وبذلك يصبح معدل الدخل السنوي لكل عائلة حوالى ألف ومئتي دولار فقط. وتنسحب مثل هذه الخلاصة على سائر المناطق بشكل أو بآخر.
في المقابل، تلفت «إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية» إلى أن أربعة عشر ألف عائلة تعمل في زراعة التبغ على مساحة تقارب الخمسين ألف دونم، وتنتج أكثر من خمسة ملايين ومئتي ألف كيلوغرام، وأن خمسة وأربعين في المئة من المساحة هي في منطقة ما كان يسمى بـ«الشريط الحدودي»، التي تتصدرها بلدات عيترون ورميش وميس الجبل وعدشيت وصريفا وصديقين.

Script executed in 0.17907381057739