أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

القرار الاتهامي... على الحدود الجنوبيّة

الثلاثاء 26 تشرين الأول , 2010 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,035 زائر

القرار الاتهامي... على الحدود الجنوبيّة


أما محمد الذي يتنقل بين منزل عائلته في إحدى القرى السنية الحدودية ومكان إقامته وعمله في الطريق الجديدة، فقد شارك في أحداث برج ابي حيدر الأخيرة. بشراسة يصف محمد قتاله من يختلف معهم في العقيدة والسياسة، علماً بأنه نشأ في محيطهم في الجنوب حيث يتعايش معهم، لكنه لا يصرح عن انتمائه الحزبي والسياسي مراعاة لمعايير الأكثرية والأقلية.
«الجنوب مش خرج اقتتالات مذهبية لو شو ما صار» يجمع المقاتلان العدوّان لدى الإشارة إلى إمكانية لقائهما في إحدى ساحات الوغى فيما لو صدر القرار الاتهامي بحق عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري. إلا أنهما لا يستبعدان تقاتلهما في منطقة أخرى خارج الجنوب «إذا ولعت وتكررت أحداث السابع من أيار».
يرى كثيرون أن صمام الأمان الذي يضبط انجرار مختلف الاطراف إلى اقتتالات داخلية مذهبية وسياسية، ولا سيما في صور وبلداتها، هو سياسة الرئيس نبيه بري التي ورثها عن الإمام موسى الصدر الذي دلّل مسيحيي صور وسنّتها وأشركهم في مشاريعه وحملاته. وهو ما تجلى في التعايش الذي ظل مشهوداً في أحلك مراحل الحرب الأهلية، فلم تشهد حوادث بين السنة والشيعة أو المسلمين والمسيحيين. تلك التجربة يجعلها البعض حبة مهدئ له في مقابل ما يسمعه من خطابات عالية السقف من أطراف دون أخرى.
على هذا الصعيد، يستعد المفتي السني في صور، الشيخ محمد دالي بلطة، لمواجهة تسلل التوتر الداخلي على خلفية التباعد الحالي بين حزب الله وتيار المستقبل والاتهامات المتبادلة بينهما. ويشدد على «وجوب اتباع الخطاب الهادئ الذي من شأنه تهدئة الناس بدلاً من تعبئتهم». وفي هذا الإطار، يستعدّ للدعوة الى لقاء فعاليات المنطقة للتباحث في السبل الآيلة لضبط الشارع في مواجهة القرار الاتهامي، علماً بأن لقاءاته الثنائية مع مسؤول منطقة الجنوب الشيخ نبيل قاووق لم تنقطع برغم الظروف.
إلا أنّ القاعدة الشعبية لا تنعم بالهدوء الذي يتظاهر به بعض المسؤولين. واللافت أن المؤيدين للأفرقاء سريعاً ما يستدرجون الكثير من المآخذ والحوادث الصغيرة والفردية لزجّها في أزمة القرار الاتهامي، فتصبح كرة ثلج تهدد الجنوب. ففيما يتهم فريق بأنه متواطئ مع القرار الاتهامي عليه، يحزم الفريق الآخر رزمة من الاعتراضات ليضعها على الطاولة. ومنها الحوادث التي وقعت بين عدد من عناصر حزب الله وشبان من بلدتي مروحين ويارين الحدوديتين خلال الأشهر الماضية على خلفية رفض هؤلاء أي وجود للحزب في بلدتهما.
يستذكر البعض خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بنت جبيل في اليوم التالي لتحرير الجنوب (2000) حين قال إن «العالم والعدو الإسرائيلي يراهنان على أن المنطقة المحررة ستدخل في فتن لا حدود لها... علينا أن نحمي النصر بتواضع كبير من الجميع، فلا تسمحوا لأحد بأن يدخل على الخط، ويجب ألا يكون هناك مخاوف لدى أحد، لا من المسيحيين ولا من المسلمين؛ فإن حصلت مسألة بسيطة نحلّها، فإن ضخّمناها ضربنا العيش المشترك وهي مسؤولية الجميع».
حينها، وانعكاساً للجو الإيجابي، نال مرشحو حزب الله في الانتخابات النيابية التي جرت بعد أربعة أشهر في تلك القرى ما نسبته 77 في المئة من مجمل الأصوات في مقابل 33 في المئة في انتخابات عام 1996؛ ومرد ذلك إلى وهج المقاومة والتحرير أولاً وتحالف الحزب مع بهية الحريري ثانياً. إلا أن ما يصفونه بالإهمال والأحداث التي تلت اغتيال الحريري واستعار النعرات المذهبية، قلبت المشهد رأساً على عقب خلال الانتخابات البلدية الأخيرة حيث فازت فيها اللوائح المدعومة من تيار المستقبل بمواجهة تحالف حزب الله وحركة أمل. وخصوصاً بعدما لجأ التيار مؤخراً إلى ملء الفراغ بالخدمة المناسبة، فافتتح فرعاً لمؤسسة الحريري ومستوصفاً في يارين. وفي صور، افتُتح فرع لمؤسسة «إمكان» التابعة لبنك البحر الابيض المتوسط والتي تعطي قروضاً ميسرة لذوي الدخل المحدود وأصحاب المهن الصغيرة، ومقر لنساء التيار.
لكن هؤلاء أنفسهم يستبعدون انجرار تلك القرى إلى معركة داخلية على خلفية القرار الظني «ليس محبة بالوحدة الوطنية أو تحرراً من النعرات المذهبية، بل بداعي شعور الخوف الذي يحكم الأقليات في محيط أكثري» بحسب أحد فعاليات المنطقة الذي يسأل: «إذا سقطت بيروت بيد الحزب بثلاث ساعات خلال أحداث أيار، فكم دقيقة يلزمه ليسقط قرى الشعب؟». إشارة إلى أن تيار المستقبل ليس لديه هيكلية تنظيمية واضحة في منطقة ينصّب عليها منسق واحد لقطاع الشباب، فيما يتبع المنظمون غير المنتشرين على نطاق واسع سياسياً وتنسيقياً بـ«الفيلا» أي بيت آل الحريري في مجدليون حيث تتمركز النائبة بهية الحريري.
تقرّ أوساط مقربة من حزب الله بالتداعيات المقلقة التي بدأت تصاحب الحملة على المقاومة من خلال إصدار قرار اتهامي. وإذ لا تستبعد انجرار البعض إلى اقتتالات مذهبية، فإنها ترد ذلك الى «مناخ الأزمة العام الطائفي والمذهبي الذي يحكم لبنان، لا سيما منذ عام 2005». وترى تلك الأوساط أن الحزب يجب أن «يبذل جهداً أكبر في التعاطي مع القرى السنية عبر الخدمات والزيارات».

Script executed in 0.18498396873474