ضاق الناس ذرعاً من وعود الدولة في تحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، لا سيما أن سكان المنطقة الحدودية في أمّس الحاجة لبلسمة جراحهم والتعويض عليهم عما لحق بهم من حرمان، وهم الذين اتخذوا شعار التمسك بالارض والحياة ما دام هناك نبض في شرايينهم.
المواطنون على الحدود مع فلسطين المحتلة ينتظرون بفارغ الصبر تغير الاحوال الاقتصادية، وتأمين الاموال وتيسير الاشغال، وتأمين الوظائف كي يُدعَم الصمود بشكل مجدٍ وفعال.
وخلال جولة ميدانية لـ»البناء»، لا تسمع من المواطنين سوى لعنات تنهال على الغلاء وارتفاع الاسعار، خاصة الخضار منها التي يحتاجها المنزل يومياً من بندورة وخيار وخس وما إلى ذلك، التي لم تعد بمتناول الأسر الفقيرة وذات الدخل المحدود. أمّا الارتفاع الفاحش في اسعار اللحوم، الذي زاد عن الحدّ المعقول، فقد أثقل كاهل المواطنين، ويظن الكثيرون ان اللحمة أصبحت من الكماليات، خاصة لجهة لحم البقر. لم تعد محلات بيع اللحوم تعج بالناس، الذين كانوا سابقاً ينتظرون بالدور لشراء ما يحتاجون.
الأسعار تصدم
يقول القصاب محمد لـ«البناء»: «ان الناس تأتي وتسأل اولا عن سعر مبيع اللحم قبل ان تشتري، ثم تبتاع نصف بل ربع ما تحتاجه، بعد ان كانت تأخذ أكثر من حاجتها. هذه هي الحال عندنا، على الرغم من اننا لم نرفع الاسعار كما نسمع ونشاهد عبر شاشات التلفزة. لكن الجميع يحتاط للامر ويحسب الف حساب قبل الشراء، وكل حسب طاقته».
ام نبيل اخذت حاجتها من اللحم لتطبخ لاولادها، وقالت:» طلب ابني ان نأكل اليوم لحم بعجين لكن «العين بصيرة واليد قصيرة»، حيث اننا سنحتاح الى ما يزيد عن الكيلو، بالاضافة الى خبزه عند الفران وهذا مكلف بالنسبة إلينا، لذا فضلت ان آخذ ما احتاجه دون زيادة اعباء المصاريف على كاهلي».
الحاجة تكفي
وفي محلات بيع الخضار، لفت نظرنا عدم اقتراب الناس من صناديق البندورة، وتجاوزها الى صنف آخر. «لكن احيانا الاكلة لا تكتمل إلا مع البندورة»، كما تقول ندى، وتضيف : «لذا نأخذ حاجتنا أو أقل. سعر البندورة الجيدة مرتفع جداً، وأضحى جنونياً، وإذا ضغطت على نفسك واخذت «كيلو بندورة» ليست بالمستوى المطلوب، حتما سترميها في القمامة. أي أكلة هذه الايام ستكلف العائلة فوق طاقتها».
أضافت ندى لـ»البناء»: «نشتري دون المستوى، ما هو متوفر، حتى البطاطا طارت ولم تعد لحم الفقير، اسعارها نار ونضطر الى شرائها بهذه الاسعار، لا نعرف من يرفع الاسعار، البائع يلقي اللوم على التاجر الذي يقذف الكرة الى ملعب الحكومة، و»العترة عالمستهلك الفقير»، «لا رقابة ولا مسؤولون ولا من يحزنون».
عدد من الناس يتحلقون حول بيك آب لبيع الخضار في ساحة مرجعيون، هذا البيك آب محمل بخضار متنوعة، علّه يبيعها بأسعار أدنى من سعر السوبرماركت او غيرها. ويقول ناصر لـ»البناء»: «احيانا أشتري بأسعار تناسبني من البائع الجوال، كما انه يجوب بسيارته شوارع البلدة وننتظره لنشتري منه ما نحتاجه بدل تحمل المشقة واستعمال السيارة للذهاب الى السوق، فالبنزين اسعاره مرتفعة للغاية هذه الايام، وكله مصروف نتحمله على مضض».
واضاف: «ننتظر الاسواق الشعبية التي تقام من اسبوع الى اسبوع، للتموين من الخضار وما شابه، بدلاً من الذهاب الى السوبرماركت، علّ هذه الاسواق تفي بالغرض المطلوب وبأسعار تناسب جميع الفئات الشعبية».
ولفتت ام نذير، وهي ربة منزل، الى ان اسعار المحروقات على انواعها في تصاعد مستمر، وتقول لـ»البناء»: «نحن مقبلون على فصل الشتاء، فصل البرد القارس، وإني أدعو المسؤولين الى العمل على خفض اسعار المحروقات من مادتي المازوت والبنزين، ليتمكن المواطن في هذه المنطقة الجبلية من شراء المازوت باسعار تناسب حالته المادية. الحالة الاقتصادية والمعيشية صعبة جداً، خاصة على المواطن في هذه المنطقة الحدودية. يجب على الدولة العمل على تأمين فرص عمل للمواطن، وتحسين الظروف المعيشية له وخفض اسعار المواد الاستهلاكية، لا سيما الغذائية منها، حيث ان الموظف يئن من عدم قدرته على الشراء، فكيف بالعامل المياوم؟ كما ان فرص العمل غير مؤمنة في هذه المنطقة، ليشعر العامل انه مرتاح مادياً ومعنوياً كي لا يترك قريته ويهاجر الى الخارج بحثاً عن عمل».
«القومي»
وفي اتصال مع منفذ عام حاصبيا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، لبيب سليقة، أكد أن الغلاء يطال كل المناطق اللبنانية دون استثناء، أما «منطقتي مرجعيون حاصبيا، والشريط الحدودي فلهما مشهد آخر للغلاء، إذ أنه يندمج هذا العام مع الحرمان المستشري في هاتين المنطقتين منذ عقود من الزمن، حيث أن الاهمال طالهما من قبل الدولة والحكومات المتعاقبة».
يقول سليقة لـ»البناء»: «تحتاج هذه المنطقة إلى لفتة خاصة من قبل الدولة، واعتبارها أولوية وطنية، من أجل دعم صمود شعبنا في أرضه».
ويضيف سليقة لـ»البناء»: «لقد طالبنا بعض الفاعليات بإعفاء المواطنين في منطقة الشريط الحدودي وحاصبيا من فواتير الكهرباء والمياه، حيث أن قسماً كبيراً من الشعب يعتمد على الزراعة المحدودة، كزراعة الزيتون والحمضيات على ضفاف نهري الحاصباني والوزاني». أضاف سليقة: «منذ فترة بعيدة، كان أجدادنا يأكلون اللحوم من العيد إلى العيد، ويبدو أن سياسة حكومة لبنان اليوم تودّ أن تعيدنا الى ذلك الزمن، ونحن كحزب سوري قومي اجتماعي، معني مباشرة بالمجتمع وهمومه ومطالبه، نطالب هذه الحكومة بإيلاء الشأنين الاجتماعي والمعيشي اهتماماً بالغ التركيز، وإلا ستكون ردة فعل هذا الشعب قاسية جداً، فلا يمكن لأحد ان يحتمل الجوع، كما أننا نقف إلى جانب شعبنا في مطالبته بحقوقه ونرفع معه الصوت عالياً من أجل الوصول الى حياة كريمة على أرض هذا الوطن».
خليفة
مسؤول تيار العروبة للمقاومة والعدالة الاجتماعية في منطقة مرجعيون ـ حاصبيا، رياض خليفة اعرب عن أسفه لما يعانيه لبنان وبخاصة المواطنين في المنطقة الحدودية الذين يشعرون بالغلاء الفاحش يكويهم بناره الحارقة، وقال لـ»البناء»: «كتيار للعروبة، التي هي جزء من الاحزاب والقوى السياسية المقاومة في لبنان، نطالب هذه الاحزاب بالضغط أكثر على الحكومة من أجل الحد من موجة الغلاء، وحمل راية شعبنا من خلال الاعتراض والمظاهرات حتى لو وصلت الى حدود السلبية، لان غلاء المعيشة يطاول كل المجتمعات الكادحة والفقيرة في الساحة اللبنانية من خضار ولحوم وغيرها».
وأضاف: «اننا نمر بأوضاع سياسية داخلية مزرية جداً، حيث ان بعض الإعلام اللبناني يبث المخاوف والهواجس في نفوس المواطنين، غير الجوع الذي يلاحقهم، ويروج لحروب داخلية وخارجية، ولا ننسى المخططات الصهيونية من اجل ايجاد دويلات طائفية حول فلسطين لابقاء الصهيونية فيها».
مطالب واحدة صدرت عن كل من التقته وصادفته «البناء»، الطلب من الدولة والمعنيين بالامر، العمل على مراقبة الاسعار ومحاسبة التجار، لان الناس لم تعد تتحمل ارتفاع الاسعار التي أصبحت فوق طاقتها، وعلى السياسيين أن يتفقوا في ما بينهم لما فيه مصلحة هذا الوطن والمواطن».