بأنّ «الوعود التي تلقّوها من المسؤولين لم ولن تجدي نفعاً لحل مشكلة انقطاع المياه». نادراً ما تجد منزلاً قديماً أو حديثاً في البلدة لا يحوي بئراً لتخزين المياه. لكن، رغم اعتياد الناس الأزمة، يعلّق بعضهم على الموضوع. «المي بتزورنا كل شهر ساعة أو ساعتين». بهذه الكلمات تختصر هند حمد الأزمة، ثم تستفيض لتشرح معاناتها مع الأكلاف الإضافية المترتّبة عليها لتدبير المياه من مصادر أخرى. ومنذ فترة بعيدة، الحال في تراجع. فبعد التحرير، «كانت المي تجي كل أسبوع يوم، وبعد حرب تموز ما عاد شفناها إلّا بالمناسبات». إذاً، ثمة محطتان مفصليتان في تاريخ علاقة أهالي القرية المتاخمة للجولان السوري المحتل مع المياه: التحرير وحرب تموز. لم توضح المرأة الرابط بين الحدثين الكبيرين وانقطاع المياه. ما يعنيها في الموضوع أنها تضطر مع زوجها إلى إضافة مصاريف شهرية دورية، وتوفير المياه للشرب والاستعمال. العائلة تحتاج كل أسبوع إلى «خزان عشرة براميل حقّو 25 ألف ليرة. هذا للاستعمال المنزلي، فضلاً عن 1500 ليرة ثمن غالون عشرة ليترات للشرب والطبخ. طبعاً، البحث في جودة المياه موضوع آخر». والأخطر، أن «البير ما بكفّينا شهرين بنعملو للطوارئ»، تردف متألمة.
والحال أصعب بالنسبة إلى مواطنين آخرين. أم محمد الجمّال، السيدة الثمانينية، تنذر بأن بئر «الجمع» أوشكت أن تفرغ، والوضع خطر ما دام المطر لم يهطل بعد. تروي السيدة أن الحياة في بلدة مرتفعة عن سطح البحر 1300 متر علّمتهم أباً عن جد «تموين المياه»، كل المياه، حتى مياه الشتاء بعد تنظيف أسطح المنازل، ليحوّلوا «المزاريب» إلى البئر، وهكذا تحل مياه «الشتاء» محل مياه الشفة التي يفترض أن تصل إلى البلدة. وتشرح السيدة المسنّة العوارض الاجتماعية الأخرى لهذه الظاهرة: «الشباب هربوا من البلدة إلى المدينة بسبب غياب مقوّمات الحياة». وفي السياق نفسه، تسأل أم بلال خليفة، «كيف بدنا نصمد بلا دولة؟». كلمات أم بلال تختصر كل مكوّنات القرية الحدودية. وعلى حدّ وصفها، في كل حرب مع العدو الإسرائيلي تنال القرية نصيبها من الدمار. وتردف السيدة «عم ندفع الفواتير، الكهربا بتنقطع أكتر ما بتجي، والمي ما بنشوفها إلّا بالمنام». لا تعرف كيف ستوفّر تكاليف مازوت التدفئة لما تشهده بلدتها من برد قارس وثلوج، إلى جانب كلفة شراء المياه ودفع فاتورتي الكهرباء.
وعلى سيرة الكهربا، أكد رئيس البلدية، قاسم القادري، انتظاره منذ أكثر من شهرين ردّ وزير الطاقة والمياه جبران باسيل على اقتراح تقدمت به البلدية للحل، ويقضي بفصل خط المضخة عن خط البلدة الذي يتعرض للتقنين. فالسبب الرئيسي هو الكهرباء، التي أدت إلى حدوث أعطال عدة في المضخات. وما زال القادري ينتظر رد باسيل، على كتاب «رُفع إليه عبر نواب المنطقة، يقترحون فيه تأمين الوزارة كابل بطول 1500 متر وربطه بمحطة الدحيرجات ـــــ الوزاني، ليوفّر للمضخة في حلتا الكهرباء على مدار الساعة، أو تركيب مضخة قوتها 120 حصاناً لتوفير المياه خلال ساعتين أو ثلاث».
وحتى حينه، سيتألم أهالي كفرشوبا عندما يرون مستوطنة المطلّة المواجهة لبلدتهم مشعّة ليلاً، فيما شوارع بلدتهم مكفهرة، تلبس السواد. أما «الصامدون» فيها... فهذا عقاب صمودهم.
--------------------------------------------------------------------------------
دورة المياه أم دورة العروس؟
يشرح رئيس بلدية كفرشوبا، قاسم قادري، أنّ آلية مرور المياه المنتشلة من البئر، في منطقة حلتا التابعة عقارياً للبلدة، تنقسم إلى أربع مراحل: أربع مضخات لثلاثة خزانات موزعة بين منطقتي حلتا وشانوح حتى تصل إلى الخزان الأساسي، باعتبار أن البلدة ترتفع عن سطح البحر 1350 متراً. ولعدم وجود بئر فيها، يجب ضخّ المياه من بئر حلتا، التي يصل ارتفاعها إلى 350 متراً. والمضخة الأساسية أصغر من الحجم المطلوب، إذ إنّ قوتها 60 حصاناً، فيما المطلوب 120 حصاناً، ما يجعلها تتأخر في ضخّ المياه إلى الخزان الأول في منطقة شانوح، نحو 7 ساعات، وعندها تكون الكهرباء قد انقطعت! ينتظر الأهالي عودة الكهرباء بعد 6 ساعات، لضخّ المياه إلى الخزان الثاني، وتتأخر في الوصول إلى الخزان الرئيسي، وهذا كله قبل ضخّها إلى شبكة البلدة. هكذا، يصبح انقطاع الماء طبيعياً ومفهوماً.