أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ثرثرة على شاطئ صور: الأقليّات تستعد للرحيل

الإثنين 08 تشرين الثاني , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,644 زائر

ثرثرة على شاطئ صور: الأقليّات تستعد للرحيل

ليس نقل النفوس بالخفّة التي يُحكى عنها، فكيف إذا كان من مدينة (صور) لا يتردّد أبناؤها في إشهار تعلّقهم بها رغم الظروف الصعبة والقاسيّة التي مرّت عليها؟ بل إن أبناءها يفاخرون بانتمائهم إليها، وبأن مدينتهم الفسيفسائيّة «طائفيّاً»، لم تشهد «ضربة كف» إبان الحرب. ماذا يجري اليوم في شوارعها الضيّقة؟
حتى قبل أقل من شهرين، كان يفد إلى مدينة صور أشخاص من مناطق مختلفة خارج الجنوب، يعقدون لقاءات مع سكانها السنّة والمسيحيين حصراً. هدف اللقاءات تلك كان إقناعهم بالنزوح من المدينة إلى أماكن أخرى «أكثر أمناً بالنسبة إليهم ويشعرون بالانتماء إليها، طائفياً وعقائدياً وسياسياً»، بحسب أحد الكهنة المتابعين لتحركات الوفد. وتشمل إغراءات الدعوة التي تقتضي نقل نفوسهم إلى سجلات العاصمة بيروت وغيرها، توفير شقة سكنية وفرصة عمل في المناطق البديلة. أما في موجبات تلك التحركات وتوقيتها، فلها أكثر من تحليل.
يشير الكاهن إلى أن «قوى حزبية وسياسية تستغل السعار الطائفي الذي يضرب لبنان من دون هوادة منذ خمسة أعوام، ويؤدي إلى تقوقع كل جماعة في المنطقة التي تضم الأكثرية الدينية والسياسية التي تنتمي إليها». من هنا، فإن «تلك القوى المدعومة من الخارج، والمناوئة للمناخ الجنوبي الشيعي بأكثريته والحاضن للمقاومة وسلاحها، تروّج وتهوّل على الأقليات السنّية والمسيحية الصامدة في صور والبلدات الجنوبية، من الغول الشيعي وحزب الله خصوصاً، الذي قد يفترسهم»، بحسب الكاهن.
ورغم أنّه لا أحد من المستهدفين نقل نفوسه من صور إلى خارجها، في الآونة الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعني «رفض نظرية الكاهن وتهويلات الوفود» بحسب الكثيرين من أهالي الحارة المسيحية في صور، وخصوصاً أن وزارة الداخلية قد أصدرت أخيراً تعميماً يمنع المخاتير من بتّ نقل نفوس المواطنين من منطقة إلى أخرى. ويعتدّ هؤلاء بالهيمنة التي يعززها الحزب يوماً بعد يوم على الجنوب، وعلى حساب تمثيل حركة أمل أحيانا كثيرة بالنظر إلى نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة. فقد ارتاب كثيرون من دخول الحزب إلى المجلس البلدي لمدينة صور بعد أن كان حكراً على الحركة لثلاث دورات متتالية. ومكمن خشيتهم من لجوء الحزب إلى «فرض سلوكياته العقائدية ومنع ما يخالفها، وهو ما لا يتلاءم مع واقع المدينة المتنوعة طائفياً والمحتشدة بالجاليات الأجنبية المقيمة فيها». ويستذكرون في هذا الإطار إلغاء إقامة حفل راقص لفرقة السامبا البرازيلية قبل عام، بعد ضغط مارسه بعض المراجع الدينيين والهيئات المقرّبة من الحزب، رغم أن البلدية كانت قد منحتها ترخيصاً بذلك.
يصنّف الكاهن الذي خدم الرعية المسيحية في بلدات صور وبنت جبيل لسنوات طويلة المسيحيين في الجنوب إلى «فئة لا تلتقي مع الشيعة الذين يمثّلون الأكثرية في محيطهم بسبب دوافع طائفية أو سياسية، ويجد أبناء هذه الفئة أنفسهم أقرب إلى فريق 14 آذار حالياً. وفئة لا ترغب في الإقامة الدائمة في بلداتها بل تفضّل الهجرة أو النزوح إذا سنحت لها الفرصة لذلك. إلى جانب فئة ثالثة تسعى إلى ترك الجنوب بسبب الخوف الدائم من إسرائيل واحتمال العدوان المستمر». هؤلاء لا يزالون يبيعون أملاكهم إلى أي مشتر يكون في الغالب من سكان المنطقة، أي شيعياً. وهو ما حصل في بلدات عدة غيّرت فيها عمليات بيع الأراضي الديموغرافيا، مثل دردغيا وقانا وصفد البطيخ وتبنين... أما المسيحيون القلائل الصامدون في بلداتهم، فهم في الغالب من فئة المرتبطين بوظائف رسمية، فضلاً عن أولئك الذين حوّلوا بلداتهم إلى مصيف يقصدونه «لتغيير الجو» بين الحين والآخر.

فوبيا الأقليات

لا مقرّ حزبياً في حارة المسيحيين في صور وفي معظم البلدات المسيحية في المنطقة، الأمر لا يعني أن لا انتماءات أو أهواء سياسية وحزبية لسكانها، بل المشكلة تكمن في إشهارها. ويمكن من يدخل بعض بيوت الحارة أن تطالعه صور قائد القوات اللبنانية سمير جعجع على سبيل المثال. ويشير أحد الأهالي إلى أن «الأقليات في أي مجتمع مجبرة على اعتماد مبدأ التقية درءاً لأي استفزاز من المحيط». تلك الوصفة معتمدة على نطاق واسع هنا لمقاومة كل الأحزاب، حتى تلك الحليفة مع القوى المسيطرة في صور. وفي هذا الإطار، احتجّ أهالي الحارة بشراسة، قبل عامين، على افتتاح مكتب للتيار الوطني الحر فيها، مفضّلين تحييد أنفسهم عن السياسة «التي جمعت بين حزب الله والتيار اليوم، لكنها قد تفرّقهم غداً، وبتطلع برؤوسنا». هنا، تجدر الإشارة إلى أن تيار المستقبل أيضاً لم يتخذ حتى الساعة قراراً بافتتاح مقر رسمي له في المنطقة، وافتتاح مكتب لنساء المستقبل فحسب. مع ذلك، فإن الاصطفافات الأخيرة، ولا سيما في ظل القرار الاتهامي المنتظر للمحكمة الدولية، كشفت الكثير من المواقف المؤيدة لفريق 14 آذار، في ظل تحرك أحزابه كلّ ضمن جماعته وطائفته بين سكان المدينة.
من جهته، ينفي متروبوليت الروم الكاثوليك في صور، المطران جورج بقعوني، علمه بتحركات لأطراف من خارج المنطقة تدعو المسيحيين إلى نقل نفوسهم من صور، مشيراً إلى أن «عمليات نقل النفوس كانت تحصل في نسبها الطبيعية، مثل طلب العائلات التي نزحت منذ سنوات بدافع العمل نقل نفوسها إلى أماكن إقامتها». لكنه كشف عن زيارات دائمة تقوم بها قوى وفعاليات مسيحية من خارج المنطقة، تأتي لتتفقّد أحوال الطائفة وتبحث في سبل تعزيز وجودها. إلا أن بقعوني يعبّر عن ارتياحه تجاه واقع المسيحيين في صور لناحية تعاطي قوى الأكثرية معهم، في إشارة إلى الاهتمام الخاص الذي كان يوليه الإمام موسى الصدر والرئيس نبيه بري من بعده وحركة أمل للمسيحيين. ويذكر في هذا السياق حلقة الحوار التي شارك فيها أخيراً على هامش أعمال السينودس في الفاتيكان عن أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط. في الحلقة، استغرب بعض المطارنة من دول عربية العيش المشترك والتآلف الحاضر بين المسيحيين والمسلمين في صور ومنطقتها.



«البقاء السكني» من أجل البقاء

 

هجرة أو نزوح المسيحيين من الجنوب نحو بيروت أو دول الاغتراب وخلوّ القرى من سكانها وتحوّل أرزاقهم إلى خراب «ليست جديدة ولا تحتاج إلى محفّز خارجي مستجد»، بحسب الكثيرين. وفي محاولة لتعزيز صمود القلة القليلة الباقية في قراها، عمدت مطرانية الروم الكاثوليك إلى إنشاء مجمع البقاء السكني في العباسية في صور قبل 12 عاماً، وحصرت المستفيدين منه بفئة الصيادين الصوريين الكاثوليك في البداية، ثم المسيحيين عموماً. الشقق الثماني والسبعون التي أُجّرت لـ99 عاماً وبأجر رمزي، أسهمت في تمويل بنائها الحكومة الإسبانية وجمعية إنماء القدرات في الريف ومتموّل مسيحي من أبناء صور. إلا أن سنوات التأخير الطويلة التي سبقت تسليم الشقق قبل أقل من عامين، شهدت نزوح ثلاثين شخصاً من أصحاب الشقق. وتعمل المطرانية حالياً على التفاوض معهم من أجل إعادة تأجيرها إلى مقيمين آخرين. ولتحفيز البقاء، كشف بقعوني عن اتجاه المطرانية إلى إنشاء تعاونية زراعية وسكنية يستفيد منها المسيحيون المقيمون في بلدات صفد البطيخ وتبنين وبرعشيت، حيث ستقدم المطرانية 10 دونمات لبنائها. ويهم بقعوني أن يروّج لوجود 12 طفلاً مسيحياً مسجلين لهذا العام في حضانة تبنين للمرة الأولى منذ سنوات.
فوبيا الأقليات


Script executed in 0.20642495155334