البناء - شتلة التبغ، او الدخّان، تعتبر المورد الأساسي ومصدر الرزق الوحيد لمعيشة العائلات الجنوبية، التي شكّلت للمواطن الجنوبي، خصوصاً في قرى منطقة جبل عامل، عامِلَ صمود وتحدٍ ومقاومة ضد الاحتلال «الاسرائيلي» واستفزازاته وتعدياته، وأبعدت عنه شبح الفقر والعوز، وأصبحت جزءاً من التراث الشعبي لأبناء هذه المنطقة، ورمزاً لصمودهم، وكانت عاملاً مساعدا للمقاومة في تحرير هذه الارض، كونها ساهمت في تثبيت الناس في ارضهم وقراهم، في ظلّ سياسة كان يعتمدها العدو، ألا وهي إفراغ القرى من الناس.
تعتبر زراعة التبغ في الجنوب من الزراعات الشاقة والمعقدة جداً، وهي زراعة تقليدية لا تدخل فيها الحداثة، و متوارثة أبّاً عن جدّ، يشتغل فيها كل أفراد العائلة من الكبير الى الصغير، طوال أشهر عدة، وتبعث التعب والعناء والمرارة، من بدء زراعتها في الحقول حتى موسم القطاف، للعناية بهذه الشتلة عند زراعتها في الارض، بالاضافة الى ما تحتاجه من أدوية ومياه للري ومتابعة حتى جني المحصول، الذي احيانا لا يكاد يفي بالمطلوب والتعب والمصاريف واجرة العمال.
الحصول على رخصة لزراعة التبغ، يحتاج الى ان تكون لدى المزارع ارض مساحتها أربعة دونمات، حيث ان الدونم الواحد ينتج تقديريا 100 كيلوغرام؛ وكل زيادة عن مئة كيلو لا يعترف بها معتمدو استلام التبغ، ويتم توضيبه في «قُفَف» من قماش الخيش (الجنفيص) التي تزن حوالى 20 كيلوغراما للقفة الواحدة. واحيانا إذا لم يساعد الطقس، عبر هطول الامطار او عوامل الطبيعة الأخرى، يضطر حينها المزارع الى شراء محصول التبغ من أماكن مختلفة لتكملة الرخصة المعطاة له. ويستفيد من هذه الزارعة حوالى 16500 عائلة في الجنوب، حيث تنتج خمسة ملايين كيلوغراما من التبغ، ويباع الكيلو للدولة، عبر إدارة حصر التبغ والتنباك، بسعر وسطي قيمته 11500 ليرة لبنانية ، الذي يعتبر مدعوما باربعة آلاف ليرة.
شتلة التبغ الجنوبية، تشهد تناقصا مستمرا في مساحة زراعتها، حوالى 20 %، وتعود اسباب تناقص المساحة هذه الى عدوان تموز صيف 2006، حيث تضررت محاصيل هذه الزراعة ولم يتم التعويض على المزارعين؛ كما ان هناك حقولا ما زالت مزروعة بالقنابل العنقودية لم يجر تنظيفها.
من سنة لسنة في مثل هذه الايام، يتم تسليم محاصيل و»بالات» أو «قفف» التبغ من المزارعين، في مراكز معتمدة في بلدات ميس الجبل ورميش وعيتا الشعب، حيث تأتي لجنة مختصة من قبل إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، من اجل التدقيق في نوعية وجودة التبغ المسلّم من قبل خبير يحدد النوعية وعلى اساسها يتم احتساب قيمة انتاج المزارع. عادة الطرد (البالة) يزن حوالى 20 كلغ من التبغ، ويكون بحالة توضيب جيدة، وعلى المزارع ان يضع في الحسبان ان انتاجه يمر في مواصفات معينة، لمعرفة أصناف التبغ، ان كان من النوع الجيد أو الوسطي أو المتدني أو عديم النفع.
هاشم
وفي هذا الاطار، يؤكد نائب المنطقة عضو كتلة التنمية والتحرير الدكتور قاسم هاشم «ان شتلة التبغ وشجرة الزيتون شكلتا العامل الاساسي في صمود الناس وبقائهم في أرضهم، وهي مصدر الرزق الوحيد لابناء القرى الجنوبية الحدودية».
وطالب بوضع خطة طوارئ انقاذية سريعة، بعيدة المدى للسياسة الزراعية، خاصة في هذه المناطق الحدودية التي تعتمد في معيشتها على زراعة التبغ والزيتون والكرز والتفاح وغيرها، مشيرا الى كيفية تعاطي العدو «الاسرائيلي» مع مزارعي سكان المستعمرات على جانب الحدود؛ فيما الحكومة والمسؤولون اللبنانيون ينظرون باستخفاف واستهتار بأبناء هذه المناطق وعدم الاهتمام بمصادر رزقهم، مشيرا الى ان الحكومة والمسؤولين يساهمون في إفراغ هذه المناطق من ابنائها وتشريدهم وهجرتهم الى المدن». وطالب بتعديل الاسعار، حيث لم يلحظ تطور الاسعار منذ 15 سنة، فبقيت الأسعار كما هي، رغم التخضم الحاصل والغلاء الفاحش، ولم يتم تعديل كيفية احتساب نوعية التبغ المسلم، بالاضافة الى تأمين الضمان الصحي للمزارعين».
وحذر هاشم الحكومة قائلاً: «ان لم تبادر الحكومة وقبل إقرار موازنة العام 2011 في مجلس الوزراء، الى وضع خطة انقاذية لهذا القطاع الزراعي بكل تنوعه وخاصة للمناطق الحدودية، فسيكون لنا كلام وموقف آخران وسيكون التعاطي معها مختلفا في الوقت المناسب. فاما الاهتمام وتكو، الاولوية في بقاء الناس في ارضهم وللمساعدة ان يعيش الانسان بكرامة والا على الحكومة ان تعلن استقالتها من مسؤوليتها، وعندئذ يعرف المواطنون كيف يتدبرون امرهم».
نقابة مزارعي التبغ
ويلفت رئيس نقابة مزارعي التبغ في الجنوب حسن فقيه، الى ان النقابة عملت، بسعي لدى دولة الرئيس نبيه بري، على تقديم تسليم محصول التبغ 90 يوما، بما له من فوائد على المزارعين لناحية نوعية الانتاج وتخفيف العبء المالي عليهم، معتبرا ان ملف مزارعي التبغ مع الحكومة لم يتقدم قيد أنملة، حيث ان كيلو الدخان المباع لا يشتري نصف كيلو لحمة حاليا.
وأشار الى ان زراعة الدخان تحتضر وقال: «كأن الحكومة تكمل ما بدأه العدو الصهيوني في عدوان تموز 2006 بزرع مئات الدونمات بالقنابل العنقودية، بحيث ان خمس المحصول الجنوبي لا يسلم، لان المزارع «عم يطفش» من الزراعة، جراء ارتفاع تكاليف الفلاحة والادوية».
وأطلق فقيه صرخة استغاثة لمعالجة سريعة لهذا الملف، داعيا نواب المنطقة الى التقدم بسؤال الى الحكومة، حول خطتها لانقاذ القطاع الزراعي اللبناني.
شقير
من جهته، ناشد عبد المنعم شقير نائب رئيس بلدية ميس الجبل السابق، المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري، المنقذ لمزارع التبغ في الجنوب الذي صمد في ارضه، رغم كل المعاناة خلال فترة الاحتلال، بالعمل على تأمين الضمان الصحي ورفع الاسعار ومساعدته للعيش بكرامة، سيما ان اسعار شراء التبغ بقيت على حالها منذ 15 سنة، والمصاريف في ارتفاع مستمر.
شكوى المزارعين
ويرى المزارعون ان التبغ الجنوبي يعتبر من اجود انواع التبغ بالإجمال، وطالبوا بإنصافهم والعمل على تأمين مطالبهم التي تتمثل بالضمان الصحي ورفع الاسعار لتتلاءم مع الوضع الاقتصادي الذي يرهق كاهل المواطنين على حد سواء، والعيش في بحبوحة والصمود في ارضهم.
وطرح المزارع خليل حمدان سؤالا على المعنيين، حول ما يجنيه من انتاج هذه الزراعة، حوالى 4 ملايين ليرة: «هل تكفيه لإعالة عائلة مؤلفة من عشرة أشخاص؟ سيما ان شتلة التبغ تأخذ كل وقته واياما تمتد على عدد ايام السنة»، لافتا الى ان مصاريف الطبابة والاستشفاء والمدارس وغيرها من المستلزمات، بالإضافة إلى تكاليف الفلاحة وايجار الرخصة ناهيك عن المأكل والمشرب تثقل كاهله. وناشد الجهات المختصة العمل على رفع الاسعار ومساعدة المزارعين للعيش بكرامة دون حاجة الى احد».
المختار
ويقول مختار حداثا عبد الامير ناصر: «لقد تم حصر زراعة الدخان للعائلة بأربعة دونمات، انتاج الجميع 400 كلغ من التبغ، بحيث يساوي اربعة ملايين ليرة. ويسأل هل تكفي لإعالة عائلة وتقديم ما يلزم لها من مأكل وملبس وأدوية وسد مصاريف السنة من مبيدات وايجار فعالة وغيرها؟ من قبل كنا إذا شعرنا بضائقة نزيد من مساحة زراعة التبغ للتعويض عن خسارته، لكن اليوم حوصر بتحديد الكمية المزروعة».
ويضيف:»قبل ذلك كان ثمن كيلو غرام الدخان نشتري به حوالى كيلوغرامين من اللحوم، اما الآن فقد انقلبت المعايير، فبات ثمن كل كيلوغرامين من التبغ يساوي ثمن كلغ من اللحمة! خلال الحرب صمدنا واختبأنا واولادنا، لكن في ايام الجوع كيف سنصمد ونسد جوع اولادنا؟ لدي عائلة من مؤلفة من خمسة اشخاص، الوضع الحالي اضطرني لتسفير ثلاثة منهم الى الغربة فيما ابقيت اثنين لإعانتي في كبر سني، «شو المطلوب مننا، بدهن ايانا نترك هذه البلاد ونغادر. كل شيء بينحمل إلا جوع، عدوتنا «اسرائيل» قاتلناها، لكن هل نستطيع ان نقاتل الجوع والفقر؟».
أبو علي
اما المزارع ابو علي فيقول: «ان المصاريف ترتفع وتزداد من سنة الى سنة، فزراعة شتلة التبغ تحتاج الى حراثة واسمدة التي هي في ارتفاع مستمر، فكل العائلة تعمل في هذه الزراعة من اجل تأمين رزقها ومعيشتها، داعيا الدولة الى العمل على تأمين رخص إضافية ليتسنى للمزارعين زراعة شتلة التبغ والعيش في بحبوحة والصمود في ارضهم».
عاملة «شك»
وعن تعب العمل في قطف وشك ورق الدخان، تقول العاملة السورية هنيدة،» انها تأتي كل سنة وعائلتها من اجل قطف أوراق الدخان الخضراء التي تنضج في شهر تموز، حيث نغدو باكرا قبل شروق الشمس لإتمام عملية القطف حتى الساعة السابعة صباحا، ونعود الى حيث نعمل من اجل شك الورق بمشكاك ورقة تلو الورقة، حتى يمتلئ .ثم نجمعه ونضعه في الخارج ليتم تجفيفه ولاحقا توضيبه في الخيش. نحن العمال نتعب كثيرا، في هذا الشغل، كثيرا ما تنغرز إبرة المشكاك في اصابعنا، كما ان رائحته تملأ المكان وتصبح ايدينا سوداء جراء الشك. ولولا الحاجة لما اتينا الى لبنان لنعمل في هذا القطاع المتعب والمؤذي لأجسادنا، لكن الحاجة تجعلنا نعمل من اجل لقمة العيش بكرامة».