السنوي، صباح أمس، «موجبات النظام الجديد الذي يمكن صياغته في المنطقة، والذي تنبع بذوره من التقارب الفارسي ــ التركي ــ العربي»، أكّد من صيدا، في غياب النائب السابق أسامة سعد، أهميّة الوحدة الوطنيّة في لبنان وضرورة صونها؛ ثم التقى مساءً عدداً من القوى والشخصيّات
خلال حفل تدشين المستشفى التركي للصدمات والحروق في صيدا الذي موّلته الحكومة التركيّة، حاول رئيس الحكومة سعد الحريري تقديم خطاب بمضمون سياسي. تحدث عن الوضع اللبناني وأهمية الوحدة والاستقرار من دون الإشارة الى المحكمة الدوليّة. وطمح الحريري إلى أداء لبنان أدواراً إقليمية، مشيداً باستعادة تركيا دورها الإقليمي والدولي. في المقابل، تحدث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن أهميّة المستشفى التركي للحروق والمساعدات التي قدمتها بلاده للبنان وعن صيدا «طيبة»، مؤكداً معاناة الأتراك عندما كان اللبنانيون يعانون من عدوان 2006.
في حفل تدشين المستشفى، يمكن التوقف عند أمور عديدة. صحيح أن الاحتفال كان سياسياً وشعبياً حاشداً، وأن الخيمة المقرّرة قد غصّت بالوفود السياسيّة والرسميين وبالحشد الجماهيري وبلبنانيين وفلسطينيين، وانتشر تلامذة المدارس بكثافة في الباحة الخارجية المقابلة، ما دفع بعض الظرفاء الى التعليق بالقول إن ما يجري احتفال تربوي بمؤسسة صحية، إلا أن ما أحيطت به الاستعدادات واستنفار تيار المستقبل خلال الأيام الماضية ووصول بطاقات الدعوة الى معظم العائلات الصيداوية، وإذا ما أضيف هذا الى حالة التشنج الصيداوي القائمة في المدينة بين المستقبل والتنظيم الناصري، وما يمكن أن يخلقه من تجييش للعصبيات، كان متوقعاً أن يكون الحشد الشعبي استثنائياً واستفتائياً.
مسؤولو المستقبل أبدوا رضاهم عن الحشد وطبيعته، وقال أحدهم لـ«الأخبار»: «حشد كما أردناه ترحيباً بضيف لبنان الكبير، وها هو جمهور رفيق وسعد وبهية الحريري يتدفق من كل حدب وصوب». وكان لافتاً أيضاً حضور مروحة واسعة من القادة السياسيّين والدينيّين، بينهم النائب في كتلة الوفاء للمقاومة نواف الموسوي، ما أصاب الصف الأمامي بتخمة، فبقي المطران إلياس نصّار جالساً في مكان جانبي إلى حين توسيع الصف، بينما قاطع النائب السابق أسامة سعد وقوى صيداوية معارضة وعبد الرحمن البزري الحفل لاعتقادهم أن المستقبل حاول الاستئثار بضيف كبير هو رئيس وزراء تركيا.
طيف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كان حاضراً بقوة، إن لجهة محاولة تقليد الحضور لطقوس مورست خلال زيارة نجاد للبنان، فاستخدمت الكلمات التركية بكثرة رداً على استخدام كلمات إيرانية أثناء حضور نجاد، أو لجهة تطييف الزيارة ومذهبتها، فقالت مدرّسة في ثانوية رسمية «كما احتفى الشيعة بقدوم نجاد، أيضاً السنّة يحتفون بالطيب أردوغان».
في الانتظار الذي امتد لساعة ونصف ساعة، مُلئ الفراغ بأغانٍ تركيّة وأخرى من وحي اغتيال الرئيس الحريري، وبعروض لفرقة فولوكلور تركي. التأخير لم يُزعج المواطنين المتلهّفين لمشاهدة «الشيخ سعد وأردوغان حتى لو بقينا للمساء» قال أحدهم. وفي الانتظار، مشاريع لفتاة كانت «تحلم بأخذ صورة مع الشيخ سعد ومع أردوغان، ومنحكي تانت بهيّة بتسهّلنا مع الأمن». أحد الملتحين أبلغ مندوبي وسائل الإعلام «نعم، نحن السنّة فخورون بالسلطنة العثمانية، وحبّذا لو تعود. إنها دولة الخلافة». وأكثر مناصرو المستقبل من رفع الأعلام التركية واللبنانية، بينما كان أحد مسؤولي الجماعة الإسلاميّة يوصي أنصارها قائلاً «فلترفرف رايات الجماعة». مدرّستان ناقشتا أهمية المسلسلات التركية المدبلجة، بينما جاء فلسطيني من مخيم عين الحلوة لأن الأتراك «دفعوا دم في البواخر (قاصداً أسطول الحرية)».
عند وصول الحريري وأردوغان، ومعهما الرئيس فؤاد السنيورة وعدد من المسؤولين اللبنانيين والأتراك، دخلوا على وقع كلمات أغنية «طلّوا حبابنا طلّوا». وبعد كلمات لرئيس بلدية صيدا محمد السعودي ولوزير الصحة محمد جواد خليفة، ووزير الصحة التركي رجب أكداغ، ألقى الحريري كلمة مكتوبة رحّب فيها بأردوغان في صيدا، «خطّ الدفاع الرئيسي عن سيادة لبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي».
وخاطب الحريري أردوغان قائلاً: «أنت زعيم إسلامي بامتياز، ارتقيت بمفهوم الاعتدال الإسلامي الى أعلى المراتب العالمية، وأعدت الى تركيا أمجاد دور إقليمي وعالمي، لتصبح دولة مؤثرة في القرار الإقليمي، معناه بالنسبة إلينا أن هناك دولة صديقة ستكون الى جانب لبنان. وحضورك اليوم هو رسالة اطمئنان لكل اللبنانيين الى أن بلدهم سيكون بخير، وأن الأصدقاء الأوفياء أمثال رجب طيب أردوغان لن يتخلّوا عن مسؤولياتهم في دعم لبنان، وحماية استقراره الوطني، ومعالجة أسباب القلق التي تحيط به. ونؤكد أن لبنان سيكون بخير، بإذن الله، وأن اللبنانيين، بكل أطيافهم وفئاتهم السياسية، لن يفرطوا بوحدتهم الوطنية، مهما تصاعدت حدة الخطاب السياسي، ومهما سمعتم من حملات الكرّ والفرّ الإعلاميّة».
وأضاف الحريري «خيارنا في هذا البلد أن نعيش معاً، ونعمل معاً، ونتوحّد في مواجهة التحديات الإسرائيليّة، وأن نعالج قضايانا بالحوار ثم بالحوار. لن نيأس من الدعوة الى تحكيم العقل، ومن التمسك بالحوار الوطني بقيادة الرئيس ميشال سليمان، سبيلاً وحيداً لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر، وفي ظل مظلة عربية توفرها، بحمد الله، المساعي المشتركة للقيادتين في المملكة العربية السعودية وسوريا».
وقال الحريري إنه يؤمن بأن الوحدة الوطنية باتت عنصراً حيويّاً في الشراكة الاستراتيجية التي «نتطلع الى قيامها مع تركيا. فاستقرار لبنان جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة، وأصبح خلال العقود الثلاثة الماضية بمثابة المؤشر السياسي العام للاستقرار الإقليمي، ونقطة الارتكاز الرئيسيّة في تكوين مناخات التواصل الاقتصادي والإنمائي والإنساني بين الدول».
كذلك رشّح الحريري لبنان «لأن يكون حلقة أساسية في هذه العلاقات العربيّة ـــــ التركيّة، وجسر عبور لمزيد من الجهود والأفكار، نحو شراكة استراتيجيّة بين تركيا والدول العربيّة». وأكّد الحرص على «أن نكون شركاء في أي جهد، لقيام منظومة اقتصادية إنمائية عربية ـــــ تركيّة، سيكون لها من دون شك موقع مرموق في الخريطة الاقتصاديّة العالميّة».
بدوره، استهل أردوغان كلمته بتحية أهل صيدا «من صميم قلبي»، قائلاً: «ما شاء الله، صيدا طيبة، والمستشفى التركي طيّب، وأنا أتمنى أن يكون المستشفى التركي للصدمات والحروق فاتحة خير وسرور لأهل صيدا ولبنان». وشكر كل من «ساهم في إيصال هذا المبنى الى حيّز الوجود، ابتداءً من رئيس الوزراء وأفراد حكومته ووزارة الصحة والرئيس السنيورة وعمّة رئيس الوزراء السيدة بهيّة الحريري والمعماريين والمهندسين والعمال»، قائلاً: «إنني أؤمن بأن مستشفى مثل هذا سيسدّ ثغرة من ثُغَر الطلب على هذا النوع من المستشفيات في لبنان وفي صيدا، هذا المستشفى يزخر بأحدث التجهيزات الطبيّة، إنني أؤمن بأن هذا المركز سيكون له دور كبير من الناحية التعليميّة وتوفير الرعاية الصحية لأهل صيدا ولبنان».
وذكر أردوغان أن بلاده افتتحت حتى الآن 55 مدرسة، و«أعمالنا لبناء 15 مدرسة إضافيّة مستمرة، كذلك سلّمنا لبنان مركزين صحيّين، وسنستمر في جهودنا لتوفير الموارد المائيّة لبعض البلدات في لبنان، وكذلك حاجتها الى بعض سيارات الإسعاف، فنحن نعرف وندرك تماماً وظيفتنا تجاه إعادة إعمار لبنان، وسنقوم دائماً بهذه الوظيفة على أكمل وجه. إن لبنان هو شقيق تركيا، وأنتم أشقاؤنا، والآلام التي عانيتموها في 2006 عانيناها، وشعرنا بالألم ذاته آنذاك، لذا فإن مدّ لبنان بمثل هذه المراكز هو سبب لشعورنا بالسعادة».
رعد لأردوغان: يجب دعم الجهد السوري ــ السعودي لتجاوز الأزمة
ودعا أردوغان اللبنانيين إلى الوحدة، قائلاً «يجب المحافظة على الوحدة ومنع المغرضين من التسلل إليها». وأضاف أن «لبنان كان ولا يزال مثالاً للتعايش ولوحدة الألوان، وقد تعايشت في لبنان كل المذاهب والأديان على مر التاريخ»، لكن «من فترة لأخرى، ظهر من كان يغرض ويحبّ أن يسيء الى هذا الوئام. يجب ألّا نترك لهم الفرصة، يجب أن نمشي معاً الى المستقبل على قاعدة أساسها المصلحة اللبنانية».
ورأى أردوغان أنه «إذا نجحنا في هذا، فلتثقوا بأن لبنان سيكون النجمة الساطعة في هذه المنطقة. انظروا الى هذا الساحل، سألت قبل قليل فقيل لي إنه ستون كيلومتراً من الجمال الأخّاذ، يجب ألا ندع فرصة لأحد لأن يلوث هذا الجمال ... يجب أن لا نفسح في المجال لأحد لأن يلّوث هذا الجمال بالدماء، يجب أن نصون هذا المكان بالسلام، أحيّيكم ضمن هذه العواطف».
وتعرّف أردوغان إلى مولود فلسطيني حمل اسم «رجب طيب أردوغان إبراهيم شناعة» كان قد ولد في السابع عشر من حزيران من العام الجاري، بعد أيام على استهداف إسرائيل لأسطول الحرية.
وأجرى أردوغان سلسلة لقاءات سياسيّة مع وفد من حزب الله، برئاسة النائب محمد رعد، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، والرئيس نجيب ميقاتي، ورئيس حزب الكتائب أمين الجميّل ورئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة سمير جعجع، كما عاد والتقى الحريري مساءً.
وبعد لقائه الحريري، أشار رعد إلى أن وفد حزب الله عرض «لأردوغان رؤيتنا للأزمة القائمة في لبنان»، مشدداً على «ضرورة دعم الجهد السوري ـــــ السعودي من أجل تجاوز هذه الأزمة»، لافتاً الى أن «لتركيا دوراً حيوياً في هذا المجال».
بدوره، نقل ميقاتي لأردوغان عتب أبناء طرابلس الذين كانوا يتمنّون أن تكون زيارته أول من أمس الى الشمال من طرابلس، بوابة الشمال، «لكي يرحّبوا به ويعبّروا له عن عمق محبتهم له». وأكّد «أهمية الاستمرار في دعم المبادرة السوريّة ـــــ السعوديّة لحل الأزمة الراهنة في لبنان، وتمنّيت عليه أن تواكب تركيا هذا المسعى بالنظر الى العلاقات الممتازة التي تتمتّع بها مع كل الأطراف».