أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«قوت الشتاء» أول هموم العائلة في محافظة النبطية

الأربعاء 15 كانون الأول , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 5,287 زائر

«قوت الشتاء» أول هموم العائلة في محافظة النبطية

«ليت الطقس يتبدل ويستمر الصيف بلهيبه، علنا نتجنب همّ شراء الوقود، التي باتت مشكلة المشاكل»، ذلك ما ينشده المواطن أبو حسن علي حمدان العاجز عن تأمين مؤونة الشتاء من مازوت أو حطب في ظل ارتفاع أسعارهما. ويشاركه جاره حسين الحاج الرأي، «قوت الشتاء مشكلة ضاغطة وإلزامية، لا يمكن تأجيلها أبداً. يمكننا تأجيل شراء وصفة دواء لأطفالنا، لكن من المستحيل البقاء من دون مازوت في الشتاء لساعة واحدة». وتساوي المواطنة سمر زغيب المازوت بالخبز والمياه في فترة الصقيع. وتسأل: «هل للعائلة أن تعيش من دون مأكل أو مشرب؟ وهل يريدون لنا الموت أمام جنرال الشتاء. قوت النار مازوت أو حطب، فمن أين ندفع ثمنها، ولصالح من وقف دعم مادة المازوت؟». 

كثيرون من أبناء حاصبيا والعرقوب (طارق أبو حمدان)، تأخروا في تأمين «قوت الشتاء»، بسبب الصيفية الثانية التي استمرت حتى مطلع كانون الأول الجاري. وبدأت المشكلة مع أخبار العاصفة الثلجية، فحدثت هجمة غير مسبوقة على محال بيع الصوبيات، كما يقول أحد التجار، الذي تفاجأ بحشود المواطنين إلى متجره، «فقبل 48 ساعة من ساعة الصفر لوصول العاصفة، بعتُ في يوم واحد أكثر من 100 صوبيا وألف قسطل»، مشيراً إلى «توجه المواطن لشراء صوبيا الحطب، بحيث تجاوزت نسبة بيعها ستين في المئة عن صوبيا المازوت». والسبب كما يضيف «ارتفاع اسعار المازوت ورفع الدعم عنه. ويبقى تأمين الحطب في القرى الجبيلة أرخص وأهون، إضافة إلى لجوء رب العائلة إلى جفت الزيتون، الذي يوفر عليه نصف حاجته من قوت النار». 

ويشير جمال سنان، الذي عمل صيفاً على تسويق الحطب على متن سيارته من المنطقة الساحلية، إلى أنه ينقل شهرياً «أكثر من 20 نقلة. ويتجاوز سعر النقلة الـ 500 دولار، والحطب الموجود في منطقتنا لا يكفي، في ظل منع قطع الأشجار من الأحراج. والمواطن اليوم يفضل الحطب على المازوت». 

جميل عبد العال يقول نحن هنا في العرقوب، نبدأ منذ بداية فصل الصيف بتجميع الحطب من أرضنا الزراعية التي نقوم باستصلاحها او تقليم اشجارها، ويستمر ذلك لعدة اشهر حتى نتمكن من جمع حاجتنا. 

ويشير عدد من أصحاب معاصر الزيتون، إلى أن المواطن الحاصباني بات يتجه إلى شراء الجفت المصنع والمعدّ للاستعمال المنزلي، وهو أقل كلفة من المازوت ومن الحطب. ويصنع الجفت قطعاً أسطوانية، وزن الواحدة ما بين 1000 و1200 غرام، وبطول يصل إلى 20 سنتيمتراً وقطرها بين 10 و12 سنتيمترا، يتم تغليفها بورق صلب. ومن ثم تجميعها في أكياس صغيرة سعة أحدها 25 قطعة. وتباع اليوم من ثمانية إلى عشرة آلاف ليرة، ليكون ثمن الطن الواحد بين 220 و250 ألف ليرة. ويحتج المواطن أبو علي فارس يحيى على ارتفاع أسعارالمازوت، «لذلك نلجأ إلى الحطب الذي بات سعره ينافس المازوت تقريباً. ونقوم بتأمينه من أرضنا على مدار الصيف. وما أن يأتي الشتاء حتى تكون مؤونة الحطب قد تأمنت. ونستخدم الجفت كذلك». ويرى رشيد زويهد، وهو صاحب إحدى معاصر الزيتون عند الحاصباني، أن «كل قطعة من الجفت يستمر اشتعالها حوالى ساعة مع قوة حرارة مضاعفة عن الحطب العادي. وبإمكان رب العائلة توفير حوالى أربعين في المئة من ميزانية التدفئة الشتوية عند استعماله للجفت، فلا تتعدى كلفة الموسم الـ 250 دولاراً، في حين أن الكلفة تتضاعف مع استعمال الحطب أو المازوت». 

ويشير العديد من أصحاب محطات الوقود إلى أن «نسبة بيع مادة مازوت التدفئة انخفضت إلى ما دون الخمسين في المئة، والمواطن الحاصباني الذي كان يتزود بهذه المادة خلال شهر أيلول عبر تعبئة خزان في منزله، سعة ألفي ليتر، تحول اليوم إلى شراء المازوت بكمية لا تتجاوز عشرة ليترات، تكفيه ليوم أو يومين، في محاولة للتوفيركما يبدو». 

مواطنون يحطبّون كرومهم 

سارع أهالي قرى وبلدات منطقة النبطية (عدنان طباجة) أثناء العاصفة إلى وسائل التدفئة طلباً للدفء، معتمدين في ذلك على مادة المازوت بالدرجة الأولى والحطب والغاز بالدرجة الثانية. ولجأ الأهالي إلى تحطيب كرومهم من الأشجار المثمرة وفي طليعتها أشجار الزيتون، أو احتطاب الأشجار الحرجية بالرغم من انعكاس هذا الأمر سلباً على الطبيعة والبيئة في المنطقة، أو تجهيز خشب البناء المستعمل للحطب، وغير ذلك من الأساليب التي ابتكروها استعداداً لبرد الشتاء، ولتفادي التكاليف الباهظة للتدفئة، في حين كان يتمنى الكثير من المواطنين الفقراء أن تدوم فترة الصحو أطول فترة ممكنة، لكونهم لا يستطيعون شراء وسائل التدفئة من المازوت والغاز والحطب، كما هي حال فاطمة ريحان، التي تدثرت بالأغطية والحرامات إتقاءً للبرد الحالي، وهي لم تفكر بوسائل التدفئة، لأنها لا تملك الأموال اللازمة لشرائها، وقد درجت على هذه العادة قبل ارتفاع أسعار هذه المواد وبعدها. 

ولم تشهد محطات المحروقات قبل العاصفة الأخيرة أي تهافت من قبل المواطنين على تخزين مادتي المازوت والغاز، لاعتقاد الأهالي بإمكانية تراجع أسعار المادتين، علماً أن الارتفاع العالمي لأسعار النفط يبشر بالمزيد من ارتفاع مشتقاته في لبنان، كما يقول صاحب محطة الصبوري للمحروقات في النبطية جمال الصبوري، مسجلاً إقبال المواطنين على شراء المادتين المذكورتين، بالتزامن مع اشتداد موجة البرد والصقيع التي نشهدهما حالياً. ولم يتمكن المواطن محمد بشر من شراء الحطب اللازم وتموينه، نظراً لارتفاع أسعاره. كما أنه لم يستعمل مادة المازوت للسبب نفسه، لذلك لجأ لتشحيل كرمه من الزيتون وتخزين الحطب والأغصان واستعمالها للتدفئة، وبذلك يوفر الكثير من الأموال التي كان سيدفعها، والتي ستكون عائلته بأمس الحاجة لها خلال فصل الشتاء. ولجأ محمد الأخرس لجمع خشب البناء المستعمل وتقطيعه واستعماله للتدفئة، لأنه أقل سعراً من حطب الأشجار الحرجية المثمرة ومادتي المازوت والغاز، مطالباً المسؤولين في الدولة والحكومة بدعم سعر المازوت خلال الموسم الحالي، كما حصل العام الماضي، تضامنا مع أوضاع الفقراء من المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة. 

وبدأ علي شرف الدين استعمال مادة الحطب المقتطعة من البساتين الساحلية، والتي اشترى حمولة «بيك آب» متوسط الحجم منها بمبلغ 550 ألف ليرة كما يفعل في كل موسم، نظراً لفوائدها الصحية وكلفتها المنخفضة مقارنة بسعر مادة المازوت الذي يرتفع أسبوعياً، وتلافياً للروائح التي تسببها هذه المادة وخطرها الناجم عن كونها قد تكون مغشوشة، مما سيعرضه مع أفراد عائلته للخطر. 

ولأن الحاجة أم الاختراع، فإن بعض المواطنين الذين لا طاقة لهم على شراء وسائل التدفئة من الغاز والمازوت والحطب التجاري، يعرضون حياتهم للخطر ويقصدون ما تبقى من الأحراج القليلة على ضفاف نهر الليطاني المليئة بالقنابل العنقودية لجمع ما تيسر لهم من الحطب اليابس لتدفئة عائلاتهم، كما يفعل علي أيوب، الذي يقول: «أنا أعمل في الليل والنهار، وبالكاد أستطيع إعالة عائلتي وأولادي، فكيف سيكون بوسعي شراء المحروقات والحطب للتدفئة، لذلك فإني مضطر لاستحضار الحطب اليابس من الأحراج كما ترى، وإذا لم أفعل ذلك، ستبقى عائلتي من دون تدفئة». ويوضح التاجر حسن حمزة أنه يشتري الحطب المقطع من بساتين الحمضيات في العاقبية، وينقله بواسطة سيارته وهي من نوع «بيك آب» متوسط الحجم ويعرضه للبيع في ساحة النبطية بمبلغ يتراوح بين 550 و600 ألف ليرة، أو ينقله إلى الزبائن في القرى والبلدات المجاورة بحـــسب الطلب، لافـــتاً إلى أنه يربح مئة دولار في كل حمولة بيك آب، وتلك الحمولة تكــفي لتدفئة العائلة طيلة فصل الشتاء. 

ويعتمد السكان في منطقة بنت جبيل (علي الصغير) على المازوت بشكل رئيسي للتدفئة، مع بعض الاستعمال المتفرق للحطب نتيجة عدم وجود الغابات الحرجية، والذي يتم شراؤه بمعظمه من المناطق الساحلية، إذ يبتاعون حطب أشجار الليمون بشكل رئيسي. ويترقب المواطنون أسعار صفيحة المازوت المرتفعة، فيما يتراوح سعر نقلة الحطب بين مئة ومئتي دولار أميركي، بحسب نوع الحطب. ويضاف إليها أجرة النقل بمتوسط مئة ألف ليرة. ومع حالة القلة التي يرزح تحتها معظم الأهالي، حيث تعتبر المنطقة من أكثر المناطق فقراً في لبنان، فإن تعبئة المازوت تتم بمقدار الحاجة اليومية وفق التقنين الذي تسمح به الظروف المادية لكل أسرة. 

ويشير نبيل بزي، أحد أصحاب المحطات إلى أن «تخزين المازوت من قبل العائلات للشتاء قد انخفض بشكل كبير جداً خلال العام الحالي. فربّ الاسرة الذي اعتاد على تخزين خمسمئة ليتر، لم يستطع تعبئة أكثر من مئة إلى مئة وخمسين ليتراً. في حين أن نسبة من يشترون حاجتهم اليومية فقط، من هذه المادة ارتفعت إلى ما يقارب 90 في المئة». ولا يخفي بزي أن «تأثير رفع الدعم عن المازوت في العام الحالي أثر بشكل ســـلبي على القدرة الشرائية للأهالي، حيث انخفض معدل البيع اليومي من حوالى سبعة آلاف ليتر إلى الف ليتر فقط». 

Script executed in 0.18987512588501