باتت «سينما أمبير» معلما أثريا، فيما يحمل أحد شوارع مدينة صور اسم «سينما الحمرا» التي اختفت، وكذلك الأمر مع «سينما ريفولي». وأقيم على أنقاض «سينما دنيا» مبنى ضخم واندثر اسمها. وغابت «سينما روكسي» عن حكايات الأجيال. ذلك واقع دور السينما في صور، بعد توقف عروضها نهائياً قبل أكثر من عشرين عاماً. وتختزن تلك الدور، التي كانت قد أنشئت في فترات متفاوتة بدءا من أربعينيات القرن الماضي، ذكريات صورية لا يغيب عنها الحنين إلى تلك الحقبة.
ولا يزال كثيرون من الصوريين يتذكرون عن ظهر قلب تلك البدايات، وأفلام مرحلة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، التي تبثها اليوم الشاشة الصغيرة وخاصة أفلام شادية، وكمال الشناوي، وأنور وجدي، ويوسف وهبي، وفريد الأطرش، وشارلي شابلن، وطرزان، ولوريل وهاردي، وجورزيانو وغيرهم. وما تزال مباني الدور المهجورة عند تخوم الحارات القديمة في المدينة، وأطراف حي الرمل، شاهدة على واحدة من أهم المعالم الثقافية والفنية.
ويحاكي مبنى «سينما امبير»، الواقع مقابل ميناء صيادي الأسماك، على مقربة من السراي الحكومي التاريخ، من خلال قامته المكللة بقناطر، والمشيّدة بأحجار رملية على إيقاع العمارة العثمانية. ويسترجع المختار طوني خير الله، أحد ورثة مبنى «سينما أمبير» انطلاقة وعمل ونهاية دور السينما في صور، قبل إنشاء «سينما أ.ك. 2000» في منطقة جل البحر. يقول خير الله: «بدأ عمل السينما في صور مع سينما روكسي، وكانت عند بوابة صور. وتلتها سينما أمبير مع بداية الأربعينيات، وتميز بناؤها بالأحجار الرملية التي كانت سائدة في ذلك الزمن. ثم جاءت سينما ريفولي، ودنيا والحمرا، المقابلة لمقهى الدقة الشهير». ويذكر خير الله أن «الفيلم كان يعرض لثلاثة أيام في الأسبوع. وكانت بطاقة الدخول بربع ليرة لبنانية للصالة ونصف ليرة للبلكون. ومن ثم ارتفعت أسعار البطاقة إلى ليرة. ووصلت أخيراً إلى ثلاثة آلاف ليرة قبل توقف سينمات صور عن العمل كليا».
وعن وسائل الدعاية لحضور الأفلام، يضيف: «كانت مدينة صور صغيرة المساحة. وهي عبارة عن الحارات القديمة. فكان أصحاب دور السينما يعمدون إلى الإعلان عن الأفلام من خلال عاملين أحدهما يحمل لوحة عليها «أفيش» الفيلم وعنوانه، وآخر يقوم بقرع الجرس ويصرخان بأعلى الصوت: اليوم يعرض فيلم كذا الساعة كذا». ويلفت إلى أن تلك «الدعاية كانت الأنجح، لأن غالبية الناس كانوا يخرجون أو يقفون على شرفات منازلهم عندما يسمعون قرع الجرس وصوت المنادي».
وفي ما يتعلق بمبنى «سينما أمبير» الأثري، الذي انهار سقفه جراء عوامل الزمن والطبيعة، يوضح خير الله أنه «سيتم ترميم وتأهيل المبنى في إطار مشروع الإرث الثقافي».
ويؤكد الزميل اسماعيل صبراوي، (67 عاماً)، على أنه كان وما يزال من المولعين بالسينما منذ الطفولة. يقول، مستعيداً شريط الذكريات: «لم أترك فيلماً واحداً إلا وحضرته في سينما روكسي، وسينما أمبير وغيرهما من دور السينما في المدينة»، مضيفاً «أذكر أن سينما روكسي، وهي الأولى، أنشئت عند بوابة صور. ثم أقفلت في الستينيات من القرن الماضي بعدما شهدت احتراق فيلمين، الأمر الذي تسبب بخسارة كبيرة لصاحب السينما وهو من آل دادا». ويذكر صبراوي أنه «في تلك الفترة كان يخصص أصحاب الدور يوماً في الأسبوع للنساء، وهو يوم الخميس حيث كان يوماً مميزاً للشبان الذين كانوا «يتصببون» على الصبايا من أمام مبنى السراي الحكومي المقابل لسينما أمبير». ويشير صبراوي إلى أن ولعه «بحضور الأفلام كان يدفعني إلى جمع الاواني النحاسية وبيعها. وكذلك سرقة بعض الأواني من منزلنا من أجل ابتياع بطاقات الدخول، عندما كنت صغيرا».