صور ــ تقرر، أخيراً، إقفال مكب رأس العين في صور الذي ارتفع خلال السنوات الست عشرة الأخيرة بمحاذاة الشاطئ ووسط الحقول الزراعية وشبكة المياه الجوفية التي تغذي القضاء. وكانت احتجاجات الناشطين البيئيين قد تضاعفت في الآونة الأخيرة على السموم والأمراض الذي ينشرها المكب، في وقت نصّت فيه الصفقة بين عاطف شبلي، صاحب العقار الذي يضم المكب، وكل من محافظ الجنوب وقائمقام صور آنذاك وبلديات المنطقة، على طمر النفايات في الحفرة الكبيرة التي استحدثها شبلي في ملكه الخاص لسحب التربة.
وبدلاً من أن تكب البلديات نفاياتها في أراضيها، «ضحّى» شبلي بأرضه لحل أزمة المكبات العشوائية التي كان أبرزها حينها مكب محمية شاطئ صور. ومنذ ذلك الحين، تدفع كل بلدية بدلاً سنوياً لشبلي لقاء استقبال نفاياتها.
لكن ما حصل أخيراً، هو أنّ جبل النفايات طفح، ما بات يهدد بانهياره على الحقول الزراعية المحيطة. ومن علامات تنصل اليد النافذة من المكب، امتناع وزارة الداخلية عن الترخيص لشبلي بنقل ردم ليطمر بها المكب منعاً لاشتعاله وانبعاث الروائح، كما جرت العادة. من جهة ثانية، حوّل الرجل المكب الى منظومة اقتصادية، فيستفاد من فتح الباب أمام شراء الحديد والبلاستيك وكل ما يصدر عن النفايات.
بعيداً عن المكب، عمل اتحاد بلديات صور على إنجاز معمل معالجة النفايات في عين بعال، حلّاً لأزمة النفايات في القضاء. وقد أنفقت ملايين الدولارات من صندوق الاتحاد الى جانب الهبة المالية المقدمة من الاتحاد الاوروبي والتجهيزات المقدمة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. أنجز بناء المعمل وجهّز في انتظار قرار تشغيله.
أخيراً، صدر القرار بإيحاء من الجهات ذاتها، بأن تطلق المناقصات أمام الشركات المتخصصة لتولّي التشغيل. وقبل أيام قليلة، نفّذت اللجنة المكلفة في الاتحاد تجربة على المعدات في المعمل، فتبيّن أنها قابلة للعمل مع قليل من «التزييت» بعد تخزينها لعامين. فهل قرب الفرج البيئي؟.
بالنسبة إلى أزمة المطمر، حسم الاتحاد الأمر مقترحاً توزيعه بالمداورة على عدد من البلديات التي تستقبله لمدة ثلاث سنوات لكل منها. إلا أن مصدراً مشرفاً على الملف، صرّح لـ«الأخبار» بأنّ «المطمر سيكون عنصراً احتياطياً لا إلزامياً للاستخدام، وخصوصاً بعد توجه الاتحاد نحو تكليف شركات عالمية لتتولى إما طمر النفايات غير القابلة للتدوير على مسؤوليتها وبعيداً عن الاتحاد وإما اعتماد تقنية الحرق للتخلص منها نهائياً»، علماً أن نقل المطمر الى خارج القضاء ليس مضموناً لأن الأقضية جميعها تعاني رفضاً شعبياً لفكرة المطامر. أما الحل عبر الحرق فيحتاج الى قرار حكومي لأن كلفته تفوق طاقة أي اتحاد بلدي. أما رئيس لجنة التصاميم في بلدية صور وأحد المشرفين على مشروع المعمل المهندس شريف بيطار، فيلفت إلى أنّ شركة إيطالية كانت قد عرضت تشغيل المعمل، متعهدة «ألا تبقي شيئاً من العوادم أي النفايات غير القابلة للتدوير التي ستستخدمها في تصنيع بلاط لأرصفة الشوارع بعد طحنها على سبيل المثال». لكن العرض لم يرق للاتحاد «الذي لم يقتنع بانتفاء العوادم من جهة، ورفَض التعديلات والتكلفة الإضافية على المعمل التي طلبتها الشركة من جهة أخرى».
لكن تلك التعديلات باتت أمراً واقعاً أمام المعمل الذي أنشئ على أساس تقنية التخمير والطمر قبل ست سنوات. وعلى الرغم من أنّ الشركة التي رست عليها المناقصة اعتمدت هذه التقنية، أقلعت الشركات المتطورة عنها لمصلحة أساليب أكثر تطوراً أبرزها حرق النفايات مع توفير مصافي الهواء اللازمة. وما يضع المعمل أمام تحدي النجاح، هو أنّه نفّذ مثيلاً لمعامل شبيهة في الولايات المتحدة الأميركية. لكن الفارق هناك أنّ السكان ملزمون بالفرز المنزلي لنفاياتهم وهو ما ليس متوافراً في منطقة صور. ولما كان الفرز من المصدر شرطاً رئيسياً لتشغيل المعدات بنجاح، ولخفض الكلفة المادية والزمنية والتوفير في عدد العمال، فإن الحملات التي أطلقتها بعض الجمعيات الدولية للإرشاد والتوعية في البلدات والمدارس حول الأمر لا تتجاوز كونها أنشطة وحلقات محدودة الأثر. ولم يعتمد الاتحاد والبلديات المنضوية فيه أي خطة شاملة في هذا الخصوص.