أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بحيرة القرعون فارغة من المياه للصيانة: ماذا إذا لم تمطر كفاية

الأربعاء 05 كانون الثاني , 2011 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,387 زائر

بحيرة القرعون فارغة من المياه للصيانة: ماذا إذا لم تمطر كفاية

البقاع ــ ما إن يصل زائر المنطقة المعتاد إلى مشارف بلدة صغبين في البقاع الغربي، حتى يصعقه المشهد. التفاتة واحدة الى حيث اعتادت العين أن ترى مياه بحيرة القرعون تتماوج تحت النسيم، ستصيبه بالذهول. فالبحيرة الاصطناعية فارغة. للمرة الأولى في تاريخها فارغة كلها من المياه. تقترب لتفقدها كمن يتفقد عزيزاً معتلّاً، تقترب لتستطلع أين غارت مياه البحيرة، مائتان وعشرون مليون ليتر مكعب من المياه أين تبخرت؟ تكتشف، وبالاقتراب من حافّتها، أن البحيرة تحولت الى ما يشبه المستنقع الصغير، قليل من المياه لا يزال في قعرها، قليل لدرجة أن منسوبها لا يبلل حتى أسفل جدران السد الذي يرتفع أربعة وستين متراً. تقترب أكثر، فتنكشف لك آثار، لا بل أطلال المنازل القديمة التي كانت هنا قبل إنشاء سد القرعون والبحيرة، والتي كانت المياه قد غمرتها. حتى المقابر، تلك التي يعود أغلبها إلى فلسطينيين مكثوا قريباً من بلادهم هنا بانتظار عودة لم تحصل، وماتوا دونها، قبورهم تظهر كأنها تطفو من ذاكرة بعيدة، بعدما كانت غارقة في المياه والنسيان. يحيط بالبحيرة المفرغة من مياهها وجوم لا يقل عن ذهول الوافد الغريب، هو ذهول الأهالي. لكن مردّه ليس الدهشة إزاء المنظر غير المألوف بقدر ما هو خوف المعتاشين منها، المسترزقين من مراكبها و«لنشاتها» التي تقلّ سياحاً لن يقصدوها بعد اليوم لممارسة هوايتهم، ولن يجلسوا في متنزهاتها شبه المقفلة، المنتشرة على ضفتيها.
«بحياتي منذ وعيت على البحيرة ما شفتها هيك أبداً»، يقول علي يونس صاحب أحد المطاعم هنا. صدمته لم تدم طويلاً بعدما عرف سبب شح مياه البحيرة. لا يخفي الرجل خوفه من انعكاس تدنّي منسوب المياه في البحيرة خلال الحركة السياحية في الصيف المقبل، حيث يؤكد الخبراء أنها قد لا تمتلئ إلا بعد مرور شتاءين. شتاءان أي سنتان. «مشكلة إذا لم تكف مياه الإمطار ومياه الأنهار لملئها، يعني صيفنا عليه العوض» يقول مضيفاً: «بس ألله كبير».
مسؤول في مصلحة الليطاني رفض الإفصاح عن اسمه، لفت في حديث لـ«الأخبار» إلى أن ما يقوم به عمال الصيانة يقع ضمن عمليات صيانة دورية تحصل كل 4 سنوات، «وبعدما انخفضت كمية المياه فيها إلى 28 مليون متر مكعب من أصل 220 مليوناً، أي الى ما دون «جوانات» السد (العوازل الفاصلة)، بسبب استهلاك الكمية المخزونة لتوليد الطاقة في المعامل الثلاثة على مشروع الليطاني، قمنا بعملية الصيانة». وردّاً على سؤال عما إذا كان تفريغها بهدف تنظيفها كما قال الأهالي؟ أجاب المصدر التقني بأن تنظيفها لا ضرورة له «إذ عند امتلائها تخرج الأوساخ والرواسب تلقائياً». موضحاً أن التلوث الذي يحكى عنه، ليس مصدره البحيرة نفسها، بقدر ما هو من الانهار التي تصب فيها حاملة معها النفايات العضوية والصناعية والمياه الآسنة، وضبطها يتطلب قراراً من مصادر القرار، لوقف هدر مياه الأمطار.
وأشار مصدر آخر لـ«الأخبار» الى أن عملية الصيانة هذه جاءت بعد معاينة شركة فرنسية للسد في الصيف الماضي، واكتشافها أن السد يتعرض لتسرب المياه بكميات كبيرة، نتيجة اهتراء في «الجوانات» بين المكعبات الاسمنتية التي يتكوّن منها السد، ولفت الى أن الشركة ذاتها تقدمت هذا العام بعرض لأعمال الصيانة والترميم بما يمنع التسرب، لكن بكلفة عالية جداً، وعلى أثرها «تقدم مهندسون يعملون في مصلحة مياه الليطاني بعرض للمشروع وإنجاز العملية من دون أكلاف إضافية ناجمة عن استخدام غير المستخدمين الفنيين في داخل المصلحة، فجرى تحويل المياه بقوة كبيرة الى معامل الطاقة لتفرغ خلال ثلاثة أيام، حتى يتسنى للعمال صيانة السد»، وشرح أن موسم امتلائها يكون دائماً في نهاية شهر أيار، وهذا يتطلب أمطاراً غزيرة غير معروف ما إذا كانت ستهطل هذه السنة بعد.
أبو جاد الذي ينتظر فصل الصيف ليعمل على تأجير مركبه للسياح، كي يؤمّن عيشه لباقي فصول السنة، يحاول أن يخفي خوفه من تراجع وفود هؤلاء إذا لم تمتلئ البحيرة، لكنه يضيف «انشالله بعد ما يفضّوها ينظفوها منيح حتى ما يضل صيتها إنها ملوثة»، إذ إن تراجع السياحة في البقاع الغربي، وتحديداً في محيط البحيرة، ناجم برأيه عن «حديث الإعلام عن تلوث البحيرة، وهذا اللي عاملّها سمعة سيئة».
تخوف أصحاب المتنزهات والمراكب، لا يختلف عن هواجس المزارعين الذين يعتمدون في ري مزروعاتهم على المياه المتجمعة في بحيرة اصطناعية تعدّ من كبرى البحيرات في المنطقة.
لا يكفّ المزارع حسين ياسين عن لوم المعنيين في مصلحة مياه الليطاني، لأنهم لم يقوموا بعملية ترميم السد وصيانته في أوقات أخرى. فاليوم، برأيه، «نحن بأمسّ الحاجة إلى مياه البحيرة»، متحسراً على المياه التي تساقطت في الآونة الأخيرة، من دون تجميعها في «السد، ضيعانها راحت هدر، إذا هلق بعز الشتي الأنهار شحيحة، كيف بدها تعوض اللي راح؟» يتساءل بقلق، خالطاً تخوفه بالعتب على المسؤولين وسياستهم في حماية المياه، «عنا ما حدا سائل، وإسرائيل عم تعمل كل هالشي علشان المي، ونحن عنا المي ومش قادرين نسقي مزروعاتنا بالأيام العادية، شو بدنا نعمل اذا ما إجا شتا كافي؟ هه؟ قللي».

المهمّ نجاح الصيانة

مدير مصلحة الأبحاث العلمية في تل عمارة ـــــ رياق الدكتور ميشال افرام، أكد أن سعة البحيرة 220 مليون متر مكعب، وأن «هذه الكمية التي فقدتها جراء عملية الصيانة تحتاج الى أمطار متواصلة على مدار شهرين حتى تستردّها»، مؤكداً: «المهم أن يكون عمل الصيانة ناجحاً بما يمنع التسرب إذا امتلأت، حيث لا طريقة أخرى لمعالجتها». ولفت إلى أن هذا المشكلة ستزيد الشح شحاً، إذا لم تعالج، أما إذا بقيت التقلبات المناخية وقلة الأمطار، ففي هذه الحالة، يضيف «قد تحتاج البحيرة الى ثلاثة اعوام حتى تعوض ما فقدته

Script executed in 0.1891770362854