شبعا :
للوهلة الأولى، بدا الوضع عادياً عند السياج الفاصل في المنطقة الحدودية، في ساعات الصباح الأولى من يوم أمس. دوريات روتينية لجيش العدو الإسرائيلي تعمل على مراقبة الطرف المواجه، وأخرى منهمكة بعملها اليومي في تسوية الطريق الترابية الموازية للسياج الشائك، بواسطة ما يشبه مكنسة حديدية عريضة تجرها سيارة عسكرية مصفحة. والهدف من ذلك يعرفه جيدا أبناء القرى المحاذية، وهو تحديد أي أثر لقدم «غريبة» على الطريق الناعمة، ما قد يعني تسللا إلى المنطقة المحتلة. يسخر المزارع الستيني أبو جميل الولي، الذي كان يعمل في حقله المحاذي لكل تحرك إسرائيلي، يقول: «اللجوء إلى المكنسة عند عدونا عادة قديمة، تعود لمطلع السبعينيات، لقد تجاوزها الزمن وباتت مكشوفة ودون فعالية، فالمواطن العادي يمكنه التسلل إلى فلسطين بدون أن تدوس قدماه التراب الممهد بعناية، والموازي للسياج الذي ملّ مكنستهم المسمارية صباح مساء».
غير أن صورة النهوض الصباحية والحركة العادية، تتبدل وتتلاشى مع أخبار الترقب والحذر الشديدين، من هواجس الآتي المتنامية في ظل قلق الداخل والتطورات التي تبدو وفي وتيرة تصاعدية. ويمضي نقيب تابع لـ«اليونيفيل» بمهمته في مراقبة جانبي الخط الأزرق في محور الغجر - الوزاني في القطاع الشرقي، لعدة ساعات خلف منظار كبير يتابع من خلاله كل حركة تقريباً. يسجل ملاحظاته، ويتصل بقيادته عبر جهاز اللاسلكي ليبلغها بكل جديد، لا يخفي الضابط قلقه من المستقبل. ويحاول ضبط أعصابه قليلاً. يقول: «هناك حركة غير عادية للجيش الإسرائيلي خلف الخط الأزرق، إنهم كما يبدو رفعوا من حالة استنفارهم. عندهم زحمة دوريات راجلة وأخرى مدرعة، وهي دائما مواكبة لخروقاتهم الجوية المتواصلة، عبر طائراتهم المقاتلة وتلك الاستكشافية من دون طيار. فهناك تحليق شبه يومي في أجواء المنطقة الجنوبية وفي عمق مختلف المناطق اللبنانية». وعن الجانب اللبناني، يقول الضابط: «لم تسجل أي تحركات لمسلحين لبنانيين. وإن كانت عندهم، وخاصة «حزب الله» أي تحركات أو استنفارات، فهي بالطبع تكون محبكة جيداً وفي غاية السرية ومن الصعب اكتشافها».
ويبدو مزارع من آل المحمد منهمكاً في زراعة حقله التي استصلحها حديثا. يقول: «الله يستر، الوضع يبدو لنا طبيعياً من مسافة بضعة أمتار من السياج». يغوص الرجل في الكلام، وهو يشير إلى نقطة محاذية لبوابة العباسية «هناك منذ أيام، ركز العدو عدة كاميرات تعمل على الطاقة الشمسية، إنها من النوع الحديث، لقد زاد جيش الاحتلال عدد هذه الكاميرات بشكل لافت، إنه جبان. يفضل مراقبتنا بالكاميرا ليبقى بعيداً خلف المتاريس». وفي تلك الأثناء، تمرّ دورية للكتيبة الإسبانية وأخرى تحمل عناصرهندية، تجول بمحاذاة السياج، «مسكينة هذه القوات»، يردد المحمد، «عملها يقتصر على كتابة التقارير وتعداد الخروقات. في حالات الهدوء دورها ماشي الحال. ولكن في الحرب، تختفي خلف سواترها وداخل دشمها، لا يحترمها العدو ولا يحسب لها حساب». يضيف: «ونحن نلتهي بمشاريع اليونيفيل الصغيرة التي لا تغني من جوع، وهم في المقلب المحتل يقطفون ثمار تلك القبعات الزرقاء اليانعة».
ويحرص ضابط هندي يعمل في تلال كفرشوبا المحاذية للمزارع المحتلة، مع جنوده، على عدم تجاوز المزارعين ورعاة الماشية الخط الأزرق المستحدث بعد العام 2006 في ذلك المحور، والذي لا يعترف به لبنان أصلا. يقول: «الوضع حرج على الجميع. وعلى رعاة الماشية والمزارعين ضرورة أخذ الحيطة، وعدم الاقتراب من السياج الشائك أو تجاوز الخط الأزرق تحت طائلة المسؤولية، وحفاظاً على سلامتهم. فالإسرائيليون يزيدون من حالة من التوتر، كما نلاحظ، ولا نعرف ماذا يخفون».
ويمضي الراعي حسين الأحمد طيلة النهار على مسافة قريبة من مواقع العدو. ونمت لديه خبرة في الوضع الحدودي كما يقول، «فما هو حاصل اليوم حرب مناظير ومراقبة، راقبني لراقبك، الكل يلجأ إلى منظاره. ذلك هو السلاح المعتمد في أيام الهدوء». يضيف: «يحمل الراعي منظارا، كما المزارع والجندي في الجيش، ناهيك عن مناظير «اليونيفيل» المتعددة الأحجام، والإسرائيلي في الطرف المحتل يتابع حركتنا بمنظار كبير، مركز على آلية، أو يحمله بيديه». وختم الأحمد: «اليوم حرب مناظير وغدا الله يستر».
وفي بلدة شبعا، التي لا تزال مزارعها محتلة من قبل الإسرائيليين منذ العام 1967، يتابع السكان التطورات في الداخل، وإن كانوا قد رفعوا في اليومين الماضيين لافتات مؤيدة للحريري. إلا أن تعلقهم بالمقاومة والتحرير راسخ «وهذا لا يلغي ذاك. فقد خبروا جيداً توازن الرعب. وتلك معادلة أثبتت جدارتها»، كما يقول المواطن السبعيني أبو محمد غياض، الذي ينظر من شرفة منزله إلى الموقع الإسرائيلي المشرف على البلدة، المسمى موقع المرصد. ويردد: «كنا نعتقد أن القبعات الزرق، والقرار الدولي، سيلزمان العدو على ترك الموقع القابع في أرضنا منذ العام 1967». ويرى أن «القرارات الدولية لم تغير شيئا عندنا، ومزارعنا المحتلة أكبر شاهد».
«من شبعا إلى كفرشوبا، الوضع نفسه والمعاناة متساوية»، كما يقول المزارع أبوعبد الغني يحيا (57 عاماً). ويشير إلى بستان زيتون عند الطرف الغربي للبلدة، وهو يقول: «لم نتمكن من قطف ثماره وللعام الثالث على التوالي بسبب القنابل العنقودية التي زرعتها إسرائيل. والسؤال: هل ستكون هناك حرب جديدة؟ لقد تحملنا الكثير وسنتحمل بعد؟ لقد انتهى عمرنا ولم تنتهِ الحروب في بلادنا إنه قدرنا».
وعند الطرف الشمالي للعباسية التي لا يزال السياج الحدودي الشائك يشطرها إلى قسمين، يرى صاحب دكان من آل شهاب وهو يزوّد عناصر «اليونيفيل» ببعض السكاكر، أن «الوضع الهادئ هنا يجب أن يستمر. لكن إسرائيل مثل العقرب غادرة، تاريخها عدواني ولا نعرف كيف ستتجه الأمور». ويقول راعي ماشية في الوزاني ياسر العلي، (46 عاماً): «الحرب مع إسرائيل لا بد منها، لقد تعودنا عليها. صحيح هناك خسائر لكنها تطال جانبي الحدود».
ويخيم الوجوم الغامض على الوجوه في المنطقة الحدودية. الكل في حالة قلق، فالرابط واضح بين تلك المنطقة والداخل اللبناني، والهواجس مشتركة في ظل العدو الواحد، والكل يبدو أنه يتحضر للآتي المجهول.
للوهلة الأولى، بدا الوضع عادياً عند السياج الفاصل في المنطقة الحدودية، في ساعات الصباح الأولى من يوم أمس. دوريات روتينية لجيش العدو الإسرائيلي تعمل على مراقبة الطرف المواجه، وأخرى منهمكة بعملها اليومي في تسوية الطريق الترابية الموازية للسياج الشائك، بواسطة ما يشبه مكنسة حديدية عريضة تجرها سيارة عسكرية مصفحة. والهدف من ذلك يعرفه جيدا أبناء القرى المحاذية، وهو تحديد أي أثر لقدم «غريبة» على الطريق الناعمة، ما قد يعني تسللا إلى المنطقة المحتلة. يسخر المزارع الستيني أبو جميل الولي، الذي كان يعمل في حقله المحاذي لكل تحرك إسرائيلي، يقول: «اللجوء إلى المكنسة عند عدونا عادة قديمة، تعود لمطلع السبعينيات، لقد تجاوزها الزمن وباتت مكشوفة ودون فعالية، فالمواطن العادي يمكنه التسلل إلى فلسطين بدون أن تدوس قدماه التراب الممهد بعناية، والموازي للسياج الذي ملّ مكنستهم المسمارية صباح مساء».
غير أن صورة النهوض الصباحية والحركة العادية، تتبدل وتتلاشى مع أخبار الترقب والحذر الشديدين، من هواجس الآتي المتنامية في ظل قلق الداخل والتطورات التي تبدو وفي وتيرة تصاعدية. ويمضي نقيب تابع لـ«اليونيفيل» بمهمته في مراقبة جانبي الخط الأزرق في محور الغجر - الوزاني في القطاع الشرقي، لعدة ساعات خلف منظار كبير يتابع من خلاله كل حركة تقريباً. يسجل ملاحظاته، ويتصل بقيادته عبر جهاز اللاسلكي ليبلغها بكل جديد، لا يخفي الضابط قلقه من المستقبل. ويحاول ضبط أعصابه قليلاً. يقول: «هناك حركة غير عادية للجيش الإسرائيلي خلف الخط الأزرق، إنهم كما يبدو رفعوا من حالة استنفارهم. عندهم زحمة دوريات راجلة وأخرى مدرعة، وهي دائما مواكبة لخروقاتهم الجوية المتواصلة، عبر طائراتهم المقاتلة وتلك الاستكشافية من دون طيار. فهناك تحليق شبه يومي في أجواء المنطقة الجنوبية وفي عمق مختلف المناطق اللبنانية». وعن الجانب اللبناني، يقول الضابط: «لم تسجل أي تحركات لمسلحين لبنانيين. وإن كانت عندهم، وخاصة «حزب الله» أي تحركات أو استنفارات، فهي بالطبع تكون محبكة جيداً وفي غاية السرية ومن الصعب اكتشافها».
ويبدو مزارع من آل المحمد منهمكاً في زراعة حقله التي استصلحها حديثا. يقول: «الله يستر، الوضع يبدو لنا طبيعياً من مسافة بضعة أمتار من السياج». يغوص الرجل في الكلام، وهو يشير إلى نقطة محاذية لبوابة العباسية «هناك منذ أيام، ركز العدو عدة كاميرات تعمل على الطاقة الشمسية، إنها من النوع الحديث، لقد زاد جيش الاحتلال عدد هذه الكاميرات بشكل لافت، إنه جبان. يفضل مراقبتنا بالكاميرا ليبقى بعيداً خلف المتاريس». وفي تلك الأثناء، تمرّ دورية للكتيبة الإسبانية وأخرى تحمل عناصرهندية، تجول بمحاذاة السياج، «مسكينة هذه القوات»، يردد المحمد، «عملها يقتصر على كتابة التقارير وتعداد الخروقات. في حالات الهدوء دورها ماشي الحال. ولكن في الحرب، تختفي خلف سواترها وداخل دشمها، لا يحترمها العدو ولا يحسب لها حساب». يضيف: «ونحن نلتهي بمشاريع اليونيفيل الصغيرة التي لا تغني من جوع، وهم في المقلب المحتل يقطفون ثمار تلك القبعات الزرقاء اليانعة».
ويحرص ضابط هندي يعمل في تلال كفرشوبا المحاذية للمزارع المحتلة، مع جنوده، على عدم تجاوز المزارعين ورعاة الماشية الخط الأزرق المستحدث بعد العام 2006 في ذلك المحور، والذي لا يعترف به لبنان أصلا. يقول: «الوضع حرج على الجميع. وعلى رعاة الماشية والمزارعين ضرورة أخذ الحيطة، وعدم الاقتراب من السياج الشائك أو تجاوز الخط الأزرق تحت طائلة المسؤولية، وحفاظاً على سلامتهم. فالإسرائيليون يزيدون من حالة من التوتر، كما نلاحظ، ولا نعرف ماذا يخفون».
ويمضي الراعي حسين الأحمد طيلة النهار على مسافة قريبة من مواقع العدو. ونمت لديه خبرة في الوضع الحدودي كما يقول، «فما هو حاصل اليوم حرب مناظير ومراقبة، راقبني لراقبك، الكل يلجأ إلى منظاره. ذلك هو السلاح المعتمد في أيام الهدوء». يضيف: «يحمل الراعي منظارا، كما المزارع والجندي في الجيش، ناهيك عن مناظير «اليونيفيل» المتعددة الأحجام، والإسرائيلي في الطرف المحتل يتابع حركتنا بمنظار كبير، مركز على آلية، أو يحمله بيديه». وختم الأحمد: «اليوم حرب مناظير وغدا الله يستر».
وفي بلدة شبعا، التي لا تزال مزارعها محتلة من قبل الإسرائيليين منذ العام 1967، يتابع السكان التطورات في الداخل، وإن كانوا قد رفعوا في اليومين الماضيين لافتات مؤيدة للحريري. إلا أن تعلقهم بالمقاومة والتحرير راسخ «وهذا لا يلغي ذاك. فقد خبروا جيداً توازن الرعب. وتلك معادلة أثبتت جدارتها»، كما يقول المواطن السبعيني أبو محمد غياض، الذي ينظر من شرفة منزله إلى الموقع الإسرائيلي المشرف على البلدة، المسمى موقع المرصد. ويردد: «كنا نعتقد أن القبعات الزرق، والقرار الدولي، سيلزمان العدو على ترك الموقع القابع في أرضنا منذ العام 1967». ويرى أن «القرارات الدولية لم تغير شيئا عندنا، ومزارعنا المحتلة أكبر شاهد».
«من شبعا إلى كفرشوبا، الوضع نفسه والمعاناة متساوية»، كما يقول المزارع أبوعبد الغني يحيا (57 عاماً). ويشير إلى بستان زيتون عند الطرف الغربي للبلدة، وهو يقول: «لم نتمكن من قطف ثماره وللعام الثالث على التوالي بسبب القنابل العنقودية التي زرعتها إسرائيل. والسؤال: هل ستكون هناك حرب جديدة؟ لقد تحملنا الكثير وسنتحمل بعد؟ لقد انتهى عمرنا ولم تنتهِ الحروب في بلادنا إنه قدرنا».
وعند الطرف الشمالي للعباسية التي لا يزال السياج الحدودي الشائك يشطرها إلى قسمين، يرى صاحب دكان من آل شهاب وهو يزوّد عناصر «اليونيفيل» ببعض السكاكر، أن «الوضع الهادئ هنا يجب أن يستمر. لكن إسرائيل مثل العقرب غادرة، تاريخها عدواني ولا نعرف كيف ستتجه الأمور». ويقول راعي ماشية في الوزاني ياسر العلي، (46 عاماً): «الحرب مع إسرائيل لا بد منها، لقد تعودنا عليها. صحيح هناك خسائر لكنها تطال جانبي الحدود».
ويخيم الوجوم الغامض على الوجوه في المنطقة الحدودية. الكل في حالة قلق، فالرابط واضح بين تلك المنطقة والداخل اللبناني، والهواجس مشتركة في ظل العدو الواحد، والكل يبدو أنه يتحضر للآتي المجهول.