أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عبقرية فلَّاح جنوبي.. حِرْفَة لحفظ التراث

الثلاثاء 01 شباط , 2011 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,842 زائر

عبقرية فلَّاح جنوبي.. حِرْفَة لحفظ التراث

لترسم أدوات الحراثة وادوات حياة الفلاح، بشكل مصغر جدا خارجا عن المألوف، يشدك للتمتع بها طويلا، يرسمها بإسلوب حرفي تراثي جديد، يكرس قيمة التراث ويبعثه الى كل تواق للتعايش مع حرفة المحافظة على التراث، التي تشدك، فتحول مخيلتك الى باحث عن اهدافها وعن قدرة الصبر التي ترسلها. 

من على رفوف النسيان، ينتشل أبو سهل عدة الفلاح ويدخلها في عالم الحرفة التي أتقنها وعشقها، يقول أبو سهيل لـ«البناء»: «أبيت عبرها إلّأ ان احفظ التراث الذي يتجه نحو الموت، والذي يدفنه تطور الحياة وحداثتها، والتي أيضاً ابعدت المرء عن موروثات لم يعد يبالي بها». 

وإذ يبدو كأنه يغرد خارج سربه، فقد بدأت الفكرة عام 1979، ويقول: «كنت أقوم بصيانة سيارتي عند المدعو سعد حمزة، حين رمى بقطعة حديد بطول 5 سنتيمترات، التقطتها وحولتها الى منجل، من هنا بدأت، ومنذ ذلك الحين اتجهت موهبتي نحو الاحتراف». 

يزاول أبو سهيل مهنة الحراثة في أرضه، يمضي الوقت الطويل يزرع ويحرث، ما ولّد داخله عشقاً للارض والتراب، ويحاول أن يبثه عبر حرفته الخاصة، يقول: «تحولت أدوات الفلاح اليوم إلى تحفة تزين المنازل من دون معرفة قيمتها، امضينا حياتنا في الارض، 

نحرث ونفلح، ونزرع وننتظر الحصاد، وفي النهاية لا نجيّر هذه المهنة إلى الشباب الذي لايعرف قيمتها». 

وإذ تظهر الحرقة في كلماته والغصة وهو يتأمل تلك المنحوتات الصغيرة التي صقلها، فإن حديثه عن هوايته يطول، فيقول: «وجدت نفسي مدمنا على تلك الهواية، أطوع قطع الحديد الصغيرة جدا، فتحرج من بين يدي آلة، أو منجلاً صغيراً، أو جاروشة أو معولاً أو حتى مورج». 

يقف في مهجعه يلملم ذكريات أيامه، ينهمك في اخراج منحوتته الجديدة ليثبت عبرها عبقرية فلاح يأبى الا ان يحفظ التراث والماضي الجميل، وان كان عبر قطع زاوجت بين الحديد والخشب، وجاءت تحفه غريبة لا تشبه الا مخيلته، يقول ابو سهيل: «أدوات الحراثة ذاهبة نحو الاندثار، وجدت نفسي بين اكوام من قطع خشبية وحديدية صغيرة جدا، جمعتها من الارض، وحولتها الى ادوات حراثه بأصغر حجم، لتحفظ التراث الذي اخاف ان يضيع هباء الجهل، والتغاضي عنه». 

وهو يتأمل المورج الصغير، والمنجل والجاروشة والبلاطة، يحادث منحوتاته بعيون دامعة، «إنهم أولادي، جسدتهم صغاراً كي احملهم واحفظهم في اي مكان». 

يبهرك عمله الذي أخرج عدة الفلاح المتبعثرة من داخل صندوق الذاكرة، وحوله الى أسلوب حرفي نحتي جديد يصوغ عبره رسالة مفادها «يمكن لنا أن نستفيد من كل شيء في الحياة، من قطع نرميها، فليس صعبا أن نتذاكى على القطع الصغيرة، بل على عكس الأمر ها قد أبدعت عبرها منحوتتي الخاصة التي ترجمت عبرها حياة الفلاح بكل مكنوناتها». 

مجموعة أبو سهيل النحتية الزراعية لم تكتمل بعد، هو يقول: «ظروف حياتي لم تسمح ان احقق شيئاً أو أكمل»، لكنه يعود ليؤكد ان ما يقوم به ليحفظ الارث والتراث خصوصاً بعد ان ولّت ايام المنجل ادراج الرياح، وتحول الى ركن للزينة، أما الجاروشة ومطحنة المنزل فأصبحتا تحفتين في الصالون، ومن يملك جاروشة يعتبر من الملوك. 

ربما لم يتسنَّ لأبي سهيل أن يقيم معرضه، ربما لم تصل إليه تقصيات وزارة الثقافة وأبواب قصر الاونيسكو، وربما لا يكون من النحاتين المشهورين «المتملقين» كي يحظى بالشهرة، لكنه مشهور على صعيده الشخصي، هو، ورغم تقدمه في العمر، إلا انه يعتبر نفسه مبتدئاً وهاوياً... المحافظة على تراث قد يندثر.

Script executed in 0.17676591873169