تربض القلعة الأثرية فوق تلة في وسط تبنين وتشرف على الجهات الأربع للبلدة. وعرفت عبر التاريخ باسم "طورون" أو "طور" نسبة الى موقعها الجغرافي وارتفاعها واشرافها على ما يحوطها من الجهة الشرقية – الشمالية بحيث تطل على قلعة الشقيف وسفوح جبل الشيخ ومناطق في الاراضي الفلسطينية المحتلة. أما من جهتيها الغربية والجنوبية، فتشرف على الحصن المواجه لها قرب كنيسة القديس جاورجيوس وعلى القرى المحيطة بتبنين.
لا تزال القلعة تمتد حتى اليوم، بفضل بقايا بنائها، على مساحة تزيد على 20 ألف متر مربع، وهي بمثابة الشاهدة الصامدة والصامتة على احداث رسمت حقبة مهمة من تاريخ جبل عامل، إن وفقاً لأهميتها العسكرية أو السياسية او حتى التجارية على مرّ الحقبات، منذ القرن السابع قبل الميلاد وصولاً الى عهد الانتداب الفرنسي، عندما استعملت كدائرة أساسية للمعاملات الرسمية انتهاء بعام 1942، تاريخ رحيل الجيش الفرنسي الذي كان يقيم فيها مع جنود مغاربة تعاونوا معه.
يعود تاريخ القلعة الى الحقبة الفينيقية، ثم جدد بناؤها في عهد الرومان. لكنها تعرضت للهدم في عهد الأشوريين والكلدانيين خلال حملاتهم العسكرية على مدينة صور. بعد تلك الفترة، رمّمت في العصر اليوناني، حيث تمركزت فيها فرقة عسكرية لحماية القوافل المتهجة الى المدن التجارية بين حوران وفلسطين.
إعادة تأهيل
دوّنت مراجع تاريخية عدة ان الحاكم الصليبي لمدينة طبريا في فلسطين هوغ ري سان أومير أعاد تأهيل القلعة خلال ثلاث سنوات من 1104 وحتى 1107، واتخذها موقعاً عسكرياً لشنّ هجماته على صور للإستيلاء عليها. ورغم احتلال الصليبيين صيدا وبيروت، بقيت صور صامدة، لكن الحاكم كان مصمماً على دخولها، فتقدم من طبريا الى قلعة تبنين في جبل عامل واتخذ منها موقعاً لشنّ هجماته العسكرية على المدينة العاصية.
بقايا المبنى الحالي للقلعة تعتبر طبقة وسطية كون القلعة مؤلفة من 4 طبقات، فمعالمها مستديرة الشكل وتعتبر من أوسع القلاع اللبنانية. يبلغ قطرها 180 متراً ومساحتها التقريبية نحو 20 ألف متر مربع وعدد أبراجها عشرة، أضخمها البرج الغربي المعروف باسم "برج أبي حمد" المطل على وادي السلطانية.
معالم لا تزول
مدخل القلعة عبارة عن باب واسع عرضه 2,60 مترين وارتفاعه 5 أمتار. ويبدو في الأعلى نقشان على حجرين لأسدين متقابلين وتظهر خلفهما بعض الزخرفات المنحوتة، أما بابها الحالي فقدمته الكتيبة النروجية التي عملت في المنطقة خلال فترة التسعينات، وصممته وفقاً لنموذج يتلائم مع مدخلها القديم الذي انتزعه أحمد باشا الجزار عندما احتل القلعة ونقله الى عكا، حيث وضعه على مدخل قلعتها.
من هذا الباب تدخل الى بهو كبير مستطيل الشكل، أرضه مرصوفة ببلاط صخري ينتهي في بهو آخر يضم باباً في وسطه عمود ضخم. اما من الناحية الشمالية فثمة بهوان تمتد امامهما فسحة مسقوفة بجدران سميكة، وتظهر قربهما بقايا لقصر رمّمت معالمه الكتيبة النروجية التي اعتنت بالقلعة، علماً أن مساحته لا تزيد عن 600 متر ويضم 4 أبراج، فيما يعتقد أنه بني بقصد المراقبة فوق تلة صغيرة يوازي علوها ارتفاع القلعة التي تحوطها من الناحية الغربية أراض تسمى الخندق وتعرف أيضاً باسم اراضي "تين الخندق".
وتعود هذه التسمية الى خندق يؤدي الى القلعة طمر في ما بعد.
أما من الناحية الشرقية فثمة آثار لحديقة صغيرة، إضافة الى سراديب وممرات تمتد من طبقة الى أخرى، لكنها ردمت مع مرور الوقت.
ويروي الطاعنون في السن انه خلال الحرب الأهلية الأخيرة، أمعن ناهبو الآثار تنقيباً وتفتيشاً في القلعة بقصد السرقة والتخريب. كذلك يفيد مالكو الاراضي التي تحوطها من الناحية الجنوبية انهم عثروا خلال أعمال الحراثة والبناء على حجارة صخرية ضخمة مستطيلة الشكل تشبه الصناديق، يرجّح انها من العهد البيزنطي.
حاضر القلعة ليس كماضيها، اذ لم يبق منها سوى بقايا ابراج وعقود يغزوها العشب وتحوطها الأشجار من الخارج، كما يسيطر الصمت الموحش على عقودها من الدخل. فآثار التخريب ظاهرة للعيان، بعدما سرقت حجارتها وحطّم مجهولون الاضواء الكهربائية التي كانت موجودة في داخلها لانارتها ليلاً، فيما قست العوامل الطبيعية على سورها الذي بدأ ينهار تدريجاً.
ولا شك في أن الأمر بات يتطلّب عملية انقاذ عاجلة وفقاً لمخطط متكامل يبعد عنها شبح الإهمال المزري، ويحافظ تالياً على معالمها الأثرية المهددة بالسقوط.