بعدما انتقل من تحت ظلال شجرة المشمش، أن جلست أم لأربعة أطفال أكبرهم في العاشرة من عمرها، وقد أبعدتها الأحداث عن زوجها الباحث عن القوت بين حروب بيروت. جلست برفقة صديقتها العزباء العشرينية، وهي حمّالة همومها وشجونها، تتحدثان خلال عصرونية ذاك النهار، كما هي حالهن في عصرونيات كل يوم من تلك الأيام.
وبعدما جرّ الكلام بعضه بعضا، وجاء حديث الزواج، وعدت الأم صديقتها بهدية فريدة لم يحدث أن أهديث من قبل في حفل زواج، وقد دعمت وعدها بقسم ويمين.
بعدها بشهور قليلة، التحقت الأم مع أطفالها بالزوج في بيروت، ليقيموا في إحدى شقق المهجرين في الضاحية الجنوبية، وقد زادت عائلتها فردا ذكرا جديدا. أربعون يوماً فقط هو العمر الذي عاشه الطفل الرضيع في حضن أمه التي ولدته قبل أن ترديها شهيدة واحدة من عبوات الغدر المتنقلة في شوارع الوطن الممزق آنذاك. فخلّفت وراءها عائلة مؤلفة من خمسة أطفال أكبرهم لم تتجاوز أعوامها العشرة بعد، وأصغرهم طفل بأيامه الأربعين، وما بينهما أطفال ثلاثة لم يكونوا يدرون حجم الخسارة.. وزوج مفجوع.
تريث الوالد لأشهر طويلة، قبل أن يبدأ بالتفكير بمغامرة زرع «خالة» للأولاد في البيت، على ما تحمله الكلمة من مورثات سوداوية بين العوام وفي المجتمعات. ولكن، للأولاد الخمسة حملهم الثقيل الذي لا تقدر عليه إلا الأم.
وبعدما ارتضى الفكرة، أشير عليه بطرق باب أهل تلك الصديقة العزباء العشرينية نفسها، فطرق الباب وما كان أسرع الجواب.
بين ليلة وضحاها، وجدت تلك الصبية نفسها، وهي في عز عمرها الوردي، مسؤولة عن بيت وزوج وفوقهما خمسة أطفال لم يبلغوا الحلم بعد. تخلت تلك الصبية العشرينية فجأة عن كل ما حلمت به، لا عرس ولا حفلة، لا فستان ابيض أو زفة، وحتى انها لم ترتض بشبكة ومهر وخلافه: «أولادك أحق بمالك». رضيت فقط بما أرسلته لها الأم الفقيدة والصديقة الغائبة من هدايا، لقد كنا نحن الهدية التي لم تهد لأحد من قبل.
ومرت بعدها سنوات ولا أحلى، على الرغم مما حوته من حلاوة ومرارة حال الأيام مع البشر. فكانت ملاذنا، وأول وآخر ملاجئنا التي نسكن إليها، ربّتنا، ونصحتنا حين احتجنا النصح، وحمتنا حين احتجنا الحماية.
فلأننا عشنا في أحضانك، ولأنك ربّيتِ وسهرتِ، لأنك حرمتِ نفسك وأعطيتنا، لأننا لم نفتقد أمنا، لأنك أحببتنا كما أحببت وحيدتك من بطنك، وربما صغيرك، وشقيقنا يشهد بأنك أحببته أكثر، ولأنك كنت الرسالة الأروع، بسبب ذلك كله، وأكثر بكثير، في عيدك، لن أهديك كلمات رقيقة، ولا عبارات حب واعتراف بالجميل، بعيدك وأمام كل العالم، لن أهديك إلا النداء الأحلى والأجمل، «يا أمي».
وبعدما جرّ الكلام بعضه بعضا، وجاء حديث الزواج، وعدت الأم صديقتها بهدية فريدة لم يحدث أن أهديث من قبل في حفل زواج، وقد دعمت وعدها بقسم ويمين.
بعدها بشهور قليلة، التحقت الأم مع أطفالها بالزوج في بيروت، ليقيموا في إحدى شقق المهجرين في الضاحية الجنوبية، وقد زادت عائلتها فردا ذكرا جديدا. أربعون يوماً فقط هو العمر الذي عاشه الطفل الرضيع في حضن أمه التي ولدته قبل أن ترديها شهيدة واحدة من عبوات الغدر المتنقلة في شوارع الوطن الممزق آنذاك. فخلّفت وراءها عائلة مؤلفة من خمسة أطفال أكبرهم لم تتجاوز أعوامها العشرة بعد، وأصغرهم طفل بأيامه الأربعين، وما بينهما أطفال ثلاثة لم يكونوا يدرون حجم الخسارة.. وزوج مفجوع.
تريث الوالد لأشهر طويلة، قبل أن يبدأ بالتفكير بمغامرة زرع «خالة» للأولاد في البيت، على ما تحمله الكلمة من مورثات سوداوية بين العوام وفي المجتمعات. ولكن، للأولاد الخمسة حملهم الثقيل الذي لا تقدر عليه إلا الأم.
وبعدما ارتضى الفكرة، أشير عليه بطرق باب أهل تلك الصديقة العزباء العشرينية نفسها، فطرق الباب وما كان أسرع الجواب.
بين ليلة وضحاها، وجدت تلك الصبية نفسها، وهي في عز عمرها الوردي، مسؤولة عن بيت وزوج وفوقهما خمسة أطفال لم يبلغوا الحلم بعد. تخلت تلك الصبية العشرينية فجأة عن كل ما حلمت به، لا عرس ولا حفلة، لا فستان ابيض أو زفة، وحتى انها لم ترتض بشبكة ومهر وخلافه: «أولادك أحق بمالك». رضيت فقط بما أرسلته لها الأم الفقيدة والصديقة الغائبة من هدايا، لقد كنا نحن الهدية التي لم تهد لأحد من قبل.
ومرت بعدها سنوات ولا أحلى، على الرغم مما حوته من حلاوة ومرارة حال الأيام مع البشر. فكانت ملاذنا، وأول وآخر ملاجئنا التي نسكن إليها، ربّتنا، ونصحتنا حين احتجنا النصح، وحمتنا حين احتجنا الحماية.
فلأننا عشنا في أحضانك، ولأنك ربّيتِ وسهرتِ، لأنك حرمتِ نفسك وأعطيتنا، لأننا لم نفتقد أمنا، لأنك أحببتنا كما أحببت وحيدتك من بطنك، وربما صغيرك، وشقيقنا يشهد بأنك أحببته أكثر، ولأنك كنت الرسالة الأروع، بسبب ذلك كله، وأكثر بكثير، في عيدك، لن أهديك كلمات رقيقة، ولا عبارات حب واعتراف بالجميل، بعيدك وأمام كل العالم، لن أهديك إلا النداء الأحلى والأجمل، «يا أمي».