أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

نزيلات دار العجزة في العباسية يفتقدن احتفال عيد الام

الأربعاء 23 آذار , 2011 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 12,711 زائر

نزيلات دار العجزة في العباسية يفتقدن احتفال عيد الام

فهيدة غريّب
لدى دخول الدار تختلف النظرة المسبقة عن هكذا مكان، لأن من فيها تخلى عنهم أولادهم بشكل ارادي، لكن بعد سماع قصة فهيدة غريّب، وبعد أن تبين أن التخلي عنها لم يكن من قِبل أولادها فحسب بل من قبل الدنيا أيضاً التي حكمت عليها وعلى أولادها بخيار لم يكن وارداً لولا حكم الظروف. تروي فهيدة قصتها، فتقول: «تزوجت للمرة الأولى من ابن عمي، وأنجبت منه ابنتين، ياسمين وشهيرة، لم يدم زواجي طويلاً بسبب عدم قدرتي على إنجاب الذكور، فوقع الطلاق وكان عمر ابنتي ياسمين اثني عشر عاماً، وعمر شهيرة عشر سنوات، وبعد مدة بسيطة تزوجت للمرة الثانية من رجل عنده خمسة اولاد، يبلغ عمر أصغرهم سنتين، وعاشت ياسمين وشهيرة معي لمدة شهر واحد، بعد ذلك، أصبحتا تتنقلان بيني وبين والدهما الى أن تزوجتا».
بعد 24 عاماً من زواجها الثاني، أصيبت فهيدة بانتكاسة صحية جعلتها عاجزة عن المشي من دون (عكازات)، وتقول: «أرسلني حينها زوجي الى ابنتي شهيرة كونها تعيش في لبنان على عكس ياسمين التي تعيش في استراليا، على اساس أن مدة الزيارة ستكون قصيرة، ولم اتوقع ان تتحول هذه الزيارة الى إقامة دائمة بعد اسبوع من وجودي هناك»، ارسل لي ورقة الطلاق بعد ان أصابني العجز،عارض أولاده تخليه عني، حيث علمت أن ابنه قال له: «نحنا منحملا اذا انت ما بدك»، جدال حُسم قبل أن يبدأ، «تطلقت وعشت ما بين أخي وابنتي، الى ان اصبت بانتكاسة صحية أخرى، فلم يعد في مقدور ابنتي إعالتي، هي التي بالكاد تعيل نفسها وعائلتها».
لم يعد بامكانها البقاء هناك، حتى محاولة السفر إلى حيث تسكن ابنتها فشلت بسبب عرقلة أوراق السفر، وبما أن «الانسان تقيل»، بدأت فهيدة تُفكر في المكان الذي يمكنها العيش فيه بما انها تجاوزت سن الستين، وتقول: «سمعت عن وجود دار يرعى المسنين في بلدة العباسية، اقترحت الفكرة على ابنتي وابن زوجي، وبعد مشاورات، اقتنعا بالفكرة ودخلت دار الأمان لرعاية المسنين».
الى الآن مضى على وجودها في الدار سنة ونصف السنة، وتقول فهيدة انها مرتاحة فيها كثيراً، فهي تلقى العناية الكاملة والتامة، لكن ما يزعجها هو بُعد أولادها اللاإرادي عنها، «صعوبة ظروفهم حتّمت هذا البعد، بحكم السفر من جهة والمرض من جهة أخرى».
تستخدم فهيدة عبارة «تهب النار في قلبي واشتاق اليهما كثيراً ولا ارتاح الا بعد ان أطمئن عليهما حتى ولو من خلال اتصال هاتفي». تعيش فهيدة في الدار بين الضحك والبكاء، بين الماضي والحاضر، تغني العتابا حيناً وتُغنّي الأغاني الأخرى حيناً آخر، وعندما تتحدث معها تُضحكك وتُبكيك في الوقت نفسه، مشاعر متناقضة تعيش في داخلها حتى في مناسبة عيد الأم (اللي بتردلا روحها)، قالت هذه العبارة وابتسمت، وما هي الا دقائق قليلة حتى عادت إلى البكاء للسبب نفسه، «البُعد»، وبينما الدموع تنهمر من عينيها تأمل وتتمنى حدوث مفاجأة تفرحها بعودة المغتربة وبشفاء المريضة لتراهما الى جانبها في هذا اليوم.
بهية حمدان
«مناسبة لجمع العائلة»، هكذا يعني عيد الأم لبهية حمدان، او ربما هذا ما تذكره منه وتتمنى العودة اليه، بهية تبلغ من العمر ثمانين عاماً، أرملة وليس لديها اولاد، في البداية، وبعد موت زوجها عاشت عند والدها، وبعد ان أعالته حتى الموت لم تجد من يُعيلها، فإخوتها بجانبها يعطفون عليها كثيراً، لكن كل واحد منهم لديه أسرته، وليس لديهم القدرة على التفرغ لخدمتها، ومن غير الممكن ان تسكن لمفردها في البيت، خصوصاً بعد ان تدهورت صحتها كثيراً، «عندما تراجعت صحتي نقلني ابن أخي الى المستشفى ومن ثم الى الدار، مضت سنتان وثلاثة أشهرعلى وجودي فيه».
تعتب بهية كثيراً اذ تقول: «ما حدا بيجي يطُل عليّ»، وبعد الاستفسار، عرفنا ان لديها ابن اخ يزورها من وقت إلى آخر، وفي حال تغيب عنها لمدة بسيطة، تعتب عليه، لكن العتب يزول لدى أول مكالمة هاتفية، أو أول زيارة، وكأنها عادت طفلة صغيرة، تحتاج إلى مداراة وكلمة ترضيها من جديد.
بهية مرتاحة في الدار، لكنها تقول :«ما في متل بيت الواحد»، فمهما بلغت ذروة راحتها هناك، تتمنى العودة الى منزلها الذي لا يمكنها العيش فيه، في ظل وضعها الحالي. في الدار تتذكر بهية أهلها بشكل دائم، وكأنهم الوحيدون الذين مرّوا في حياتها طيلة ثمانين عاماً.
زينب وزهرة
بينما زينب الحجار(88عاماً) وزهرة فقيه (76 عاماً) تجمعهما صداقة في نهاية عمريهما لم تجداها قبلاً، هذا ما لاحظه من يعتنون بهما في الدار، «لم نشهد حالة من هذا النوع في تاريخ الدار، لانستطيع التفرقة بينهما، ومن المستحيل فصلهما، ان تعلقهما ببعضهما وصل الى درجة الغرابة والتميّز والفرادة».
في هذا المكان، قصص كثيرة تسمعها، تفكر بأهلك، بنفسك، بالمستقبل المجهول، بمناسبات وُجدت للاحتفال والفرح والتمني، ثم تحولت الى ذكرى للتحسر على فقدان أيام وأشخاص، وعُمر ابتدأ بجمْعة وانتهى بوحدة، يستحيل عليك نسيانه، فيقبع متمركزاً في ذاكرتك. وحسرة على وطن يحضن ابناءه شباباً عندما يكون في حاجة إليهم، ويلفظهم أو يتخلى عنهم عندما يحتاجون هم أليه بعد أن تصل بهم الايام الى سن الشيخوخة.

Script executed in 0.17141890525818