لذلك فقد انتشرت برك المياه الصناعية في الجنوب منذ مئات السنين، وقد ساهم في هذا الانتشار الطابع الزراعي الذي تتميز به هذه الناحية من لبنان، لذلك فقد شكلت البرك الخزان للرئيسي لإمداد الزراعات المحلية بالمياه خاصة أيام الصيف ولزراعة الدخان بشكل اخص ومورد حيواناتها باقي ايام السنة، وهذا ما يفسر الانتشار الكبير لتلك البرك في معظم القرى والبلدات الجنوبية ولعل كبرها أو صغرها يشير إلى حجم الزراعات في تلك القرى وعدد سكانها.
ويتبدل اسماها من قرية إلى أخرى حيث تتقلب بين البركة أو "الحاوز" أو "الحوارة" أو العين (عندما تبنى بجانب أو فوق عين للماء)، الا أنه يندر أن لا تجد حي في أي قرية لا يحمل أي اسم من تلك الأسماء ويكون بمحاذاة ساحة تستعمل للاحتفالات العامة مما يشير إلى الارتباط الذي كان يجمع بين الماء والسكان. وكانت تحفر البرك في الاراضي الترابية لسهولة الحفر فيها ثم يقام حائط من الحجارة الصخرية قبل وضع الطين عليه كي لا تتسرب المياه الا ان البرك التي كانت تحفر في الصخر هي افضل كما يقول البعض رغم انها تتطلب جهد اكثر لبنائها وذلك لان الصخر يحافظ على المياه من التسرب. كما وتشكل هذه البرك بالاضافة الى اهميتها الزراعية مصدر رزق بالنسبة لاصحاب صهاريج نقل المياه حيث تجدهم مصطفين بجانب البركة بأنتظار توصيل نقلة الى حقل او ورشة او منزل
ويعيد احمد موسى هذا الانتشار للبرك إلى "قلة المصادر المائية في المنطقة خاصة أيام الصيف حيث أن معظم العيون الموجودة هي موسمية تجف صيفا وبالتالي نشأت الحاجة إلى تخزين مياه الأمطار في برك بنيت لهذه الغاية في ألاماكن المنخفضة من القرى كما بنيت لها مجاري مياه لتحمل الأمطار إليه من الأراضي المرتفعة"، ويشير موسى أن استعمالات هذه المياه المجمعة كانت "تتنوع بين الزراعة والري إضافة للبناء والاستعمالات المنزلية حيث كانت تقصدها بنات القرية ونسوتها من اجل غسل الثياب والمواعين وذلك لتوفير المياه المجمعة في الابار الخاصة للشرب قبل وصول خطوط مياه مشروع الليطاني الى المنازل كما كن ينقلن مياه الخدمة للمنازل بواسطة خواب يحملنها على رؤوسهن"، لذلك يتابع موسى فان تلك البرك خضعت على مر السنوات للعديد من التوسيعات مع زيادة السكان وبالتالي الحاجة إلى مياها كما حصل في بنت جبيل وكونين ومارون الرأس وأماكن أخرى.
ونظرا لاهمية البركة عمدت البلديات بعد التحرير وبالتعاون مع مجلس الجنوب ومنظمات خيرية عدة الى صيانة هذه البرك لاستمرار الحاجة اليها كما حصل في بلدات عدة كمارون الراس وبنت جبيل وكونين في حين انشأت برك جديدة بسبب عدم كفاية البرك القديمة لتلبية الحاجات كم حصل في الطيري وبيت ليف وعيترون، فيما تم حفر بئر ارتوازي بالقرب من بركة دبل لتزويدها بالمياه باستمرار وبالتالي تبقى تلبي الحاجات باستمرار ولا تجف في نهاية الصيف كما يحصل لمعظم البرك كما أن انعدام الحاجة إلى هذه الخزانات في مناطق أخرى دفع بأهلها إلى ردمها بعد أن تحولت بالنسبة لهم إلى عبء على النظافة العامة، كما حصل مثلا في بلدة بارون حيث أن انخفاض عدد المزارعين فيها بسبب الهجرة الكبيرة دفع ببلدية البلدة إلى ردم البركة التي كانت موجودة في وسط البلدة وإنشاء حديقة عامة فوقها بينما جرى صيانة بركة "رام شيغا" الموجودة بين الأراضي الزراعية بالقرب من حدود فلسطين المحتلة.
وتعتمد البلديات اليوم على الهبات الخارجية لبناء برك جديدة بالقرب من الاراضي الزراعية، حيث عمدت بلدية عيترون الى ردم البركة الواقعة في وسط البلدة وباشرت ببناء بركة جديدة بالقرب من الحدود حيث تنتشر المساحة الاوسع من الاراضي الزراعية للبلدة، كما قامت بتأهيل بركة اخرى للغاية ذاتها.
وتذكر كتب التاريخ أن بركة كونين من أقدم البرك في المنطقة، حيث يعيد احمد دبوق عمرها "إلى العصر الروماني، وقد جرى إعادة تأهيلها بعد التحرير حيث كسيت بطبقة من البلاستيك من الداخل منعا لتسرب مياها إلى باطن الأرض كما جرى تلبيسها بحجر صخري من الخارج وأصبحت تستوعب حوالي 24 ألف متر مكعب من مياه الأمطار تستعمل في زراعة الدخان والبناء".
أما اشهر واكبر برك المنطقة فتقع في بنت جبيل في حي يعرف باسمها، وتعتبر هذه البركة حديثة نسبيا بالنسبة لبركة البلدة الأولى التي كانت موجودة بالقرب من ساحة "النبية" ألان في محلة عرفت أيضا باسمها "حي الحوارة"، حيث يشير كبار السنة في البلدة إلى أن البركة الأخيرة كانت تستعمل أصلا للشرب وهي موجودة فوق نبع للمياه العذبة كانت تعرف "بعين الصاعين" كانت تغذي البركة بالإضافة إلى مياه الأمطار، وقد ردمت هذه البركة التي كانت تقوم على مساحة ألفين متر مربع نهائيا في العام 94 حيث شيد فوقها مبنى تابع لبلدية بنت جبيل ويضم عدد من الدوائر الرسمية الأخر. أما البركة الحالية فتقوم على مساحة خمسة ألاف متر مربع ويصل عمقها في الوسط إلى أكثر من عشرة أمتار وتقع في ارض منخفضة حيث تصب بها جميع المجاري المائية التي تحمل مياه الأمطار حيث تحتفظ بمخزونها المائي معظم أيام الصيف.
وتحتاج هذه البرك باستمرار الى تنظيفها من الترسبات الناتجة عن الرمال و الوحول و الصخور التي تحملها سيول المياه اثناء الشتاء ويتم ذلك عادة في نهاية فصل الصيف حيث تكون المياه في اقل مستوى لها.