وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعُونْ
والدي الحبيب
وحيدة أجلس في غربتي، وحيدة في لحظة كنت أتمنى أن أكون فيها قربك، أتحدث اليك وأنا أدرك أنك تسمعني، أبثك أشواقي، أنقل اليك الأخبار، أبثك همومي، أخبرك كيف كبر الأولاد وبدأوا يشقون طريقهم في الحياة والأهم أن أؤكد لك انني حملت الأمانة وما زلت وها أنا أحمل مسؤولياتي كما علمتني أن أكون.
في صباح نفس اليوم منذ أربع سنوات ذهبت أليك حيث كنت ترقد على فراش المرض وعندما رأيتني كررت كلماتك وبنفس الحنان، لماذا تركت عملك وجئت؟... أنا بخير، وقفت أنظر اليك وأنا معجبة بشجاعتك وحبك للحياة رغم صراعك الطويل مع المرض. كان عليّ أن أخرج من غرفتك فالمحبين كثر، وقفت خلف الزجاج أنظر اليك، لم أكن أدري أنها ستكون المرة الأخيرة التي أرى فيها عيناك ترقباني بعطفها وتحمل اليّ وصاياك التي لم أنسها يوما.
في مثل هذه اللحظة رفعت يدك مخاطبا طبيبك وكأنك توصيه نقل رسالة ما أو كأنك تتلو اعلان الرحيل وأغمضت عينيك ذاهبا في سبات أبدي وتركتنا في حيرة من أمرنا ليس لأننا نخشى المواجهة فأنت علمتنا الايمان بالآخرة والقدر بل لأننا كنا نتهيب فراق جسدك الحبيب.
وعدت في اليوم التالي الى بنت جبيل وقد قررت أنها عودتك الأخيرة بعد فراقات متعددة وكانت بلدتك الحبيبة في أنتظارك وهي في حيرة من أمر ذلك الفارس الذي عاد اليها في يوم العيد ليحتفل مع أبنائها بعيد التحرير وليمزج الحزن بالفرح فدخلها مكللا بالغار محمولا على أكف محبيه من أبناء كل القرى والبلدات الجنوبية التي زرع على بيادرها غلالا وافرة ما زالت ثمارها تزهر حتى الآن. عدت الى بنت جبيل واستلقيت في المكان الذي اخترته لنفسك متفيئا ظل شجرات الكينا التي زرعتها يداك والتي استعصت على الغزاة وبقيت شامخة تنتظر فارسها.
أخاطبك في كل يوم، أتلو صلواتي عليك وعنك، أسافر اليك حاملة افراحي وأحزاني فأنت الأب والصديق والرفيق وأنت الحضن والكتف وأنت المنارة والهداية. ألقاك دائما بانتظاري تسمعني وترسم لي الطريق وأنا أسير على دربك فلا أتعثر.
تمنيت اليوم أن أجلس بين يديك، أن أقبل التراب الذي تسكنه، أن أسقى الزهور التي تعاهدنا معها على ايناس وحشتك، أن ألثم شجرات الكينا التي تظللك وأن أزور حارات بلدتنا واحيائها واحدة واحدة وأن أعرّج في درب عودتي على الزرارية، البلدة التي أحببتها وأحبتك والتي وجدت في كل بيت من بيوتها وفاءَ وطيبة قلّ نظيرهما، لكن الدنيا حرمتني كلّ ذلك فوقفت من البعيد البعيد أبثك شوقي وحبي ولا أملك الا أن أبكي بحرقة ولوعة ولا أعلم هل أبكي فراقي لك الذي لم أتعوده أبدا أم أبكي وحدتي وتعبي وقسوة الدنيا علي.
أبي الغالي أشتاقك كثيرا كثيرا وأحبك كثيرا كثيرا
رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه