أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بيان مقتضب: معادلة السنيورة وعدالة غير مسيّسة

الخميس 16 حزيران , 2011 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,769 زائر

بيان مقتضب: معادلة السنيورة وعدالة غير مسيّسة

لا يواجه الرئيس نجيب ميقاتي الصعوبات التي يصوّرها خصومه في وضع البيان الوزاري لثانية حكوماته. على غرار تجربته مع الحكومة الأولى، يستبق وضع البيان الوزاري بتحديد تصوّره له، من دون الإفصاح عنه، ريثما تلتئم اللجنة الوزارية المكلفة صوغه. عندئذ يصار إلى مناقشة مضمون البيان الوزاري في ضوء التحديات التي يتوقع ميقاتي أن تجبهها حكومته في الداخل والخارج. لم تكن الاستحقاقات التي رافقت حكومة 2005 أقل وطأة، في المرحلة الأكثر اكتنافاً للغموض لمصير لبنان حينذاك، وهو ينتقل من حقبة إلى نقيضها اختلط فيها الأمني بالسياسي، والخارج بالداخل، وانقلبت التوازنات رأساً على عقب.

كذلك حال الاستحقاقات التي تنتظر حكومة 2011، لا تبدو سهلة الهضم. إلا أن ميقاتي حدّد الوجهة التي يريد أن يسلكها في وضع البيان الوزاري:
1 ـــــ شأن الحكومة الأولى، يريد للحكومة الثانية بياناً وزارياً مقتضباً، مباشراً، لا يُشبه البيانات الوزارية الفضفاضة لحكومات الرئيسين فؤاد السنيورة عامي 2005 و2008 وسعد الحريري عام 2009، فاسترسلت في عشرات الصفحات في تناول الأزمات والقطاعات والاقتراحات من غير أن يشقّ أي منها طريقاً إلى التنفيذ. وإذ يرى ميقاتي أن معظم هذه المشكلات لا يزال نفسه، يسعى إلى بيان وزاري يحدّد التوجهات ويؤكد الالتزامات انطلاقاً من الاعتقاد بضرورة الانصراف فوراً إلى العمل.
2 ـــــ يعيد البيان الوزاري تأكيد الثوابت التي كان ميقاتي أعلنها في بياني التأليف والجلسة الأولى لحكومته، ويقارب العلاقة مع المجتمع الدولي بتمسّك لبنان بالقرارات الدولية التي تنطوي كذلك على موقف الحكومة الجديدة من المحكمة الدولية ما دامت انبثقت من قرارات دولية. إلا أنه يتطلع إلى التشبّث بعدالة غير مسيّسة. وهو الموقف الذي سبق له أن أبرَزه من أن أحداً، في لبنان أو خارجه، لا يسعه إلغاء قرارات دولية أو إنكارها، ولا يبدو لبنان في مثل وارد كهذا. ينظر كذلك باهتمام إلى استيعاب تداعيات القرار الاتهامي على الوحدة الوطنية، وهو ما تحدّث عنه مراراً. بموقفه من التمسّك بالقرار 1701 والحرص على عدالة غير مسيّسة تلاقيه الغالبية النيابية.
لكن حماية المقاومة تدخل في صلب مهمات حكومته، وهو التعهّد الوحيد الذي قطعه لحزب الله. لذلك يستعير البيان الوزاري للحكومة الجديدة العبارة التي ابتكرتها حكومة السنيورة (2008) وأدمجتها في بيانها الوزاري، وهي معادلة «حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته»، ثم تبنّتها تماماً حكومة الحريري (2009).
3 ـــــ لم يلمس ميقاتي حتى الآن، وخصوصاً على مرّ أشهر التكليف، ضغوطاً عليه لتحديد وجهة تأليف حكومته وتركيبتها وبيانها الوزاري. سمع باستمرار من زوّاره الدوليين ومن السفراء النافذي الدور في لبنان رغبة في تأكيد تمسّك حكومته بالالتزامات الدولية للبنان.
يصحّ ذلك خصوصاً على الموقف الأميركي، في ضوء ما شاع عن شروط أرادت واشنطن فرضها عليه. عندما استقبله في 20 أيار، أبلغ إليه مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان أنه يريد الاطلاع منه على موقف لبنان من عقوبات محتملة يريد المجتمع الدولي فرضها على سوريا، كردّ فعل على قمعها الاحتجاجات الشعبية، واستفسر من ميقاتي عن أقصى مدى يسع لبنان، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، بلوغه في خطة كهذه. كان جواب الرئيس المكلف آنذاك أن لبنان لا يجاري فرض عقوبات على سوريا التي تجمعه بها معاهدة واتفاقات وحدود مشتركة وعلاقات مميّزة، وأن على المجتمع الدولي أن لا يتوقع وقوفه ضدها، كما أن عليه أن لا يحرج لبنان بموقف كهذا.
كان قد لفته تعمّد فيلتمان التحدّث بالعربية في أولى لحظات الاجتماع، بينما المصوّرون يلتقطون الصور، كي يقول إنه لم يأتِ من أجل مناقشة موضوع تأليف الحكومة، وهو ليس شأن حكومته التي لا تريد التدخل فيه ولا تعنيها الأسماء. ثم أسهب في الحديث عن جولته وخطاب الرئيس باراك أوباما واضطرابات سوريا، ولم يفاتح ميقاتي بكلمة عن التأليف.
قبل ذلك الخميس 12 أيار، فوجئ ميقاتي عند استقباله السفيرة الأميركية مورا كونيللي بسؤالها إن كان يتوقع تأليف الحكومة في نهاية الأسبوع، فردّ بالنفي. عندئذ أبدت ارتياحها إلى الجواب، وعقّبت بأن ذلك يعفيها والسفارة من إعداد نبذات عن وزراء الحكومة الجديدة لإرسالها إلى الخارجية الأميركية في عطلة نهاية الأسبوع. كان ذلك فحسب كل ما اتصل بشأن التأليف، ثم تحدّثا في أوضاع المنطقة. بعدما انصرفت، انتقل ميقاتي من مكتبه إلى منزله كي يفاجأ بعد أقل من نصف ساعة ببيان للسفارة يتضمّن مواقف صارمة من التأليف والإصرار على الالتزامات الدولية للبنان، وخصوصاً المحكمة، ولم تكن كونيللي قد نبست ببنت شفة من أي ممّا ورد في بيان السفارة. تيقّن ميقاتي أنها كانت تحتاج إلى مقابلة لتطلق من منصتها رسالة عن موقف معروف سلفاً ومكرّر لحكومتها من التأليف، من غير أن تحدّثه في مضمون بيان السفارة الذي كان قد أعدّ سلفاً.
4 ـــــ لم يسمع أياً من زوّاره الموفدين والسفراء يحدّثه عن عقوبات ضد لبنان من جراء تركيبة الحكومة أو توزير حزب الله. لم تتناهَ إليه تهديدات من هذا الطراز، وأعربت سلسلة المواقف عن تأكيد الثقة به، لكنها حرصت على توقع التزام لبنان تعهداته الدولية.
بعد ساعتين من إبصار حكومته النور، زاره السفير الفرنسي دوني بييتون وممثل الأمين العام للأمم المتحدة مايكل وليامز وهنّآه على تأليفها وكرّرا الثقة به، وكذلك باحترام لبنان القرارات الدولية. سمع أيضاً قبل ذلك من سفراء دول كبرى مَن يقدّر تجربته السابقة على رأس حكومة 2005 التي شهدت انضمام حزب الله لأول مرة إلى السلطة الإجرائية بالوزير طراد حمادة. لم يُحمّل حينها عبء هذا التوزير.
كانت ثمّة إشارة إضافية ذات دلالة رافقت زيارة ميقاتي الثلاثاء لأداء مناسك العمرة في السعودية، عندما أُعدّ له ترحيب ملكي واستقبال وضيافة مميّزان غير مسبوقين في حال مماثلة، رغم أنه لم يطلب لقاء أي من المسؤولين السعوديين ورغب في حصر الزيارة ببعدها الديني.

Script executed in 0.16645193099976