أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«عيش» رمضان في صور

الإثنين 08 آب , 2011 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,336 زائر

«عيش» رمضان في صور

بعيد الواحدة من فجر الأحد، تجمعت شلة الأصدقاء في ساحة البوابة في صور. الشباب وصلوا من بلداتهم، الحوش، طورا، طيردبا، صريفا والقليلة، ليمضوا سهرة رمضانية في الحارة القديمة في المدينة. زقاقان لا ثالث لهما في خريطة الشلة الرمضانية: زقاق الفوالين وزقاق الملاحم وما بينهما من مقاه. أصحاب هذه المحال، احتلوا بإذن أو بغيره، الزقاق الذي كان قبل ساعات ممراً لروّاد السوق ومساحة مشتركة بينهم وبين جيرانهم من المحال الأخرى. الزقاق من أوّله إلى آخره تحوّل إلى صالة استقبال. الطاولات والكراسي بمختلف أحجامها تحتل كل الزوايا التي تمتلئ بالزوار بدءاً من منتصف الليل حتى طلوع الفجر.
يتحلق الشباب حول إحدى طاولات محل الفول. إلى جوار قدر الفول النحاسي، ينهمك علي مزرعاني في تلبية الطلبات التي تتكاثر مع ساعات الليل. الطلبات لا تنزل الى الطاولات فحسب بل تذهب في كل الأنحاء، إما عبر «الديليفري» أو عبر أصحابها الذين حضروا ليتسلموها عند موعد السحور. يتنوّع زبائن الفول. هنا عائلة بكامل أفرادها تتسحّر، وهناك مجموعة من الأصدقاء الذين يجمعون بين صحن الفول والنرجيلة يصطفون على باب محل مجوهرات. في المقابل، يجلس عدد من الصبايا عند مدخل صالون تزيين نسائي. مظهرهن الخارجي لا يناسب جلسة فول في زقاق شعبي. تسريحة الشعر والكعاب العالية واللباس البرّاق يوحي بأنهن قد أنهين سهرتهن في حفلة ما ونزلن إلى السوق لإكمالها. يوضح مزرعاني بأن محل الفول خاصته، وهو الذي أدرج عادة فتح المحال بين موعدي الافطار والسحور. ففي عام 1998، فتح المحل عند الثالثة فجراً لتقديم الفول لمن يرغب من المتوجهين إلى أعمالهم باكراً أو إلى تأدية الصلاة. ولما لاقى إقبالاً، أصبح دوام العمل في رمضان متواصلاً، بين إعداد الفول نهاراً والبدء ببيعه منذ ساعات الإفطار حتى السحور. خطوة مزرعاني حرّكت جيرانه، القصابين والفوالين الذين حذوا حذوه إلى أن تحوّل السوق القديم في صور إلى خلية نحل لا تهدأ وبات مقصداً في رمضان خصوصاً منذ ثلاث سنوات. ويلفت مزرعاني إلى أن رمضان كان سابقاً شهراً للراحة بالنسبة إلى محال المأكولات. أما حالياً، فإنها تتكسب من غير الصائمين الذين يتضاعفون عاماً بعد عام في النهار ومن مختلف الفئات في الليل.
بعد صحن الفول، يتوجه الرواد إلى زقاق الملاحم. رائحة الشواء التي تسبب ضباباً كثيفاً في الزقاق المسقوف، تجبر المارة على استطلاع اللحم المشوي الذي يحضر أمام الزبون. مساحة مترين فقط تفصل بين طاولة ريما يزبك والخروف المعلق داخل الملحمة في الهواء الطلق. تتحلق حولها بناتها وأحفادها وصديقتها وبناتها وأحفادها أيضاً. الأجيال الثلاثة اجتمعت في السوق القديم على حفلة شواء عند الثانية بعد منتصف الليل، علماً بأن المكان الشعبي لا يندرج في يومياتهن في باقي أيام السنة، بل إن رمضان وحده قادر على أن يجيء بهنّ إلى هنا. وقد لا تكفي نظرة واحدة لتبيان القيمة المضافة التي يكتسبها السوق في ليل رمضان، ليستقطب فئات اجتماعية قد تشعر بنوع من «الاستياء» لدى المرور نهاراً بين بسطات الخضر ومسالخ الدجاج والملاحم التي تجاور محال الألبسة والأحذية.
على طاولة أخرى، تجلس جنين رحال لتناول اللحم المشوي. هي من جبيل وصديقها من جونيه. لبيا دعوة أصدقائهما المتحدرين من قضاء صور والمقيمين في بيروت أو المغتربين في الولايات المتحدة وأفريقيا. تقرّ جنين بأن الاجواء مختلفة هنا ولا تشبه رمضان في طرابلس أو صيدا لناحية المظاهر الدينية.
بل إن شهر الصوم يعني هنا المتعة واللقمة الطيبة التي تندرج ضمن سهرة وليس سحوراً. فعلى تلك الطاولة، اجتمع مسلمون ومسيحيون. حتى المسلمون منهم لا يلتزمون بالصوم. الأمر ذاته ينطبق على رواد طاولة أخرى تحلق حولها شبان كانوا يخططون لتناول الكحول بعد اللحم المشوي ثم تمضية اليوم التالي على شاطئ البحر.
الحركة محصورة في هذين الزقاقين اللذين يقعان عند مدخل حارة المسلمين. هنا، يختلف المشهد تماماً، الهدوء والظلام يشيران إلى أن سكان الحارة ليسوا مدعوين إلى تلك السهرة لأن معظمهم عمال أجراء وصيادو سمك يستيقظون باكراً إلى أرزاقهم، عدا أنهم، في كل الأحوال، غير قادرين على إنفاق 5 آلاف ليرة على صحن فول و50 ألفاً على كيلو لحم مشوي. السكون يخيّم على محيط المسجدين اللذين لبسا زينة خجولة متواضعة. لا مصلين هنا وبابا المسجدين مقفلان. يوضح أحد الجيران بأنهما يفتحان عند مواعيد الصلوات فقط. عدم الالتزام جهاراً بالصوم في صور، تحول أخيراً إلى ظاهرة ينتقدها علماء الدين على المنابر وتؤرق بعض الفعاليات والجمعيات الأهلية. شهر رمضان، برأي البعض، «يضيع في صور بسبب تنوعها الطائفي وتداخل أحياء المسلمين والمسيحيين من أبنائها مع مئات الأجانب المقيمين فيها. خلطة تجعل من الصعب ضبط الصوم ومظاهره التي لا تسهم الجهات المعنية في نشرها. فالبلدية لم تنظم حملة كافية برأي البعض للزينة الرمضانية، بالمقارنة مع اللافتات التي ترفع بكثافة للترحيب أو التهنئة بشخصية ما»، الأمر الذي يجعل من صور «مدينة علمانية لا تلتزم بلون ديني واحد» برأي هؤلاء.
إلا ان الخطوة اللافتة التي قامت بها البلدية للمرة الأولى منذ سنوات، تنظيمها لمائدة الرحمن في أحد أحياء الحارة الفقيرة. سفرة قد تتكرر خلال الشهر في أحياء أخرى، إلى أن تتجدد ظاهرة الموائد الجماعية التي تلاشت على غرار المسحراتية ربما لأن صور لا تنام، فلا تحتاج إلى من يوقظها.

Script executed in 0.19839096069336