عرفْتُهُ في المرحلةِ المتوسطةِ تلميذاً هادئاً ، طموحاً ، مثابراً وصديقاً حميماً. وعِشنا سويّاً في كليةِ التربيةِ ستَّ سنواتٍ مفعمةٍ بالحيويةِ والنشاطْ ، مليئةٍ بالطموحِ والعزمْ، وترافقنَا في مهنةِ التعليمِ ثلاثينَ عاماً زملاءَ العطاءِ والتضحيةِ حتى في أحلكِ الظروفِ التي كان يمُّر بها الوطنُ. لم يتأففْ أو يتذمرْ بل ظلَّ متفائلاً إلى أبعدِ الحدودْ . أحبَّهُ طلابُهُ كما أحبَّهُ زملاؤهُ المعلمون ، وكلُّ من عرفََهُ لأنّهُ عَشِقَ مهنةَ التعليمِ وذابَ فيها . إلتزاماً منه بالقيمِ الأخلاقيةِ والدينيهْ ، وإنطلاقاً من عمقِ الرسالةِ التي يؤديها رسالةِ التعليمِ التي تُضاهي رسالاتِ الأنبياءِ في صنعِ الإنسانْ .
- أبا سعيد يشهدُ لكَ كلُّ مَنْ عرفَكَ أنّك عَمِلْتَ بروحِ الحبِ والوفاءْ ، وجاهدْتَ بالجسدِ والنفسِ حتى الفناء ، حتى تزاحمَ العطاءُ في رحلةِ كفاحِكْ .
متنقلاً بين ميس الجبل وبنت جبيل كالغيمة الماطرة توزعُ مطرَها ليعمَّ الخيرُ ، إيماناً منكَ بأنّ العطاءَ لا يتجزّأ .
خدمْتَ بإخلاصٍ ومحبةٍ ونِكرانِ ذاتْ ، فزرعْتَ العمرَ في مساكبِ العقولِ فحصدْتَ الحُبَّ والإحترامَ من حباتِ القلوبْ .
حتى صدقَ فيك قولُ الإمام علي ( ع ) : عاشروا الناسَ معاشرةً ، إذا غِبْتُمْ حَنّوا إليكمْ ، وإذا مِتّمْ بَكوْا عليكُمْ .
حقاً لقدْ أدمى رحيلُكَ القلوبْ ، وأبكى العيونْ ، وسَنحنُّ إليكْ مع إطلالةِ كلِّ صباحْ ، نتصورُكَ واقفاً بيننا تُردِّدُ مَعَنا النشيدَ الوطني وتبادلُنا الحديثَ في أوقاتِ فراغِكْ ، ومنقوشةُ الزعترِ ، وخبزُ الصاجْ توزعُهَا على الزملاءْ .
- أخي وزميلي أستاذ الفيزياء الأول
أبا سعيد هي ابتسامتُكَ تُطلُّ على نافذةِ الشمسْ ، وتشرقُ في عيونِ الأجيالِ التي علمْتَ وَرَبَّيْتْ، لتُصبحَ إبتسامةً على ثغرِ الزمنْ فوسامُكَ كما أتصورُهُ ينسجمُ مع تواضعَكَ . وسامُكَ شهاداتٌ في أيدي أساتذةٍ جُدُدٍ تخرجوا على يديكْ وغرسْتَ في نفوسهم حب العطاء وسامُكَ قلمٌ صغيرٌ في يدي سعيد وليلى يخطّانِ أحرف الحياة.
وسامُكَ أنت وسامُهُ حيٌّ في القلبِ والذاكرةْ .
فإنْ أزهرَ الربيعُ في رُبَى عاملةْ ستفتقدُكَ شجرةٌ خضراءُ في قلعةِ دوبي ، تحكي بعضاً من تجربتِكْ، وتُظللُ عينيكَ الوادعتينْ ، فأنت المحبُّ للطبيعهْ . ومَنْ يُحبُّ الطبيعةَ يحبُ العطاءَ ويحبُ الحياةْ . فكيف يستهويهِ الموتْ وتُسْكِنُهُ الآلامْ ؟
- رحلْتَ من غيرِ إذنٍ بالرحيلْ ، وتركْتَ زوجةً مؤمنةً صابرةً راضيةً بقضاءِ الله وقدرِهْ ، متعاليةً على الأحزانِ والأسى لفقد الزوجِ والسَّنَدْ ، كما تركْتَ زملاءَ وأحبةً يعيشون ذكراكَ ويتألمونَ لفراقِكْ .
- لسْتُ أرثيكَ كمن يرثي مُجاملةً ، بل أرثيكَ من نِتاجِكَ الذي جسّدْتَهُ عملاً لا قولاً بتواضعٍ وفخرٍ. وأنت الذي لم تفتحْ لنَا صدرَكَ لنرى أين يَسكنُ الألمْ ، كما فَتَحْتَهُ لنرى أينَ يَسكنُ العطاءْ .
- وأخيراً : لم نأتِ لتقديم العزاءِ لأسرتِكَ وأهلِكْ ، فنحنُ مِنْهُمْ ، إنما أتينا لنتواعدَ ونتعاهدْ : نتواعدُ على اللقاءْ ، ونتعاهدُ على العطاءْ .
فكن بانتظارِنا بابتسامتِكَ العريضةِ حينَ يأذنُ اللهُ باللقاءْ .