أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مقهى مزعج لكلّ مواطن في صور

الأربعاء 24 آب , 2011 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,352 زائر

مقهى مزعج لكلّ مواطن في صور

جولة قصيرة في المدينة الصغيرة، تكفي للقول إنه لا تخلو زاوية من زواياها من مقهى. رغم صغر مساحتها الجغرافية. إلا أن عوامل عدة اجتمعت فيها لتجعل منها مقصداً للزوّار والسيّاح ومساحة للتسلية والسهر. التنوع الطائفي والسكاني وتمركز الأجانب فيها منذ عقود وانفتاح المدينة على ثقافات أممية، شكّل باب عبور لكل من يرغب في المساهمة بدعم قطاع السياحة والخدمات. الدولة دخلت أيضاً على خط «تغنيج» أصحاب الكيف والفرفشة، من خلال تصنيف صور في المخطط التوجيهي كمدينة سياحية. منذ ذلك الحين، تهدف مختلف المشاريع المحلية والأجنبية التي تنفذ فيها حالياً إلى تعزيز القطاعين الخدماتي والسياحي تحت شعار التنمية المدنية للوصول إلى خلق فرص ومجالات عمل تستقطب الزوار والسياح. على سبيل المثال، فقد أدى مشروع الإرث الثقافي الذي حوّل السير في الشوارع باتجاه واحد وعرّض مساحة أرصفتها وضيّق ممرّ السيارات، إلى اقفال محال عدة أو تغيير وجهة استخدامها نحو مقهى أو محل خدماتي. في شارع الحمرا، انسحب أصحاب ثلاث ورش تصليح سيارات إلى أطراف المدينة وأجّروا محالهم التي تحوّلت إلى مقاه تستقطب مشاة الأرصفة من السياح. الأمر الذي ضاعف أعداد المقاهي في أنحاء المدينة، حتى لم تعد تخلو زاوية من وجود محل لبيع النراجيل وتوفر خدمة الانترنت والألعاب التنافسية كلعب الورق والقمار أحياناً.
أجواء السهر في تلك المقاهي قد تختلف في الداخل، خصوصاً أن معظمها يقع في حي سكني، إما في الطابق الأرضي لمبنى أو في زاوية زقاق. ليس سهلاً التحدّث مع صاحب مقهى حول ظروف إنشائه: هل نال الترخيص وهل يلتزم بمواعيد الفتح والإقفال ويراعي خفض الأصوات الصادرة عنه من موسيقى ونقاشات الزبائن وأحياناً مشاداتهم؟ وهل يلتزم بالشكل الظاهر للخدمات التي يقدمها؟ أم أنه يقدّم الكحول في الخفاء ويتغاضى عن تعاطي المخدرات والحبوب من قبل بعض زبائنه ولا يمارس الرقابة على استخدام الانترنت والمواقع الإباحية ولعب القمار؟ أسئلة تبعث الضيق في نفس صاحب المقهى وتدفعه إلى التمنّع عن الاجابة عنها أو استقبالنا حتى. ردة الفعل التي تكررت لدى كثيرين من زملائه في المهنة، قد تنذر بأن خطأ يحصل داخل أمكنة يعلّق على بابها: «كافيه انترنت أو اكسبرس ونراجيل».
الكثير من أصحاب المقاهي لا يدركون في الأساس أن عليهم الاستحصال على رخصة قبل افتتاحها والتصريح عن الخدمات التي ستقدمها للزبائن ولأي فئة عمرية ينتمون. لأن القانون، في ما لو طبّق، يحدد موقع المقاهي بعيداً عن الأماكن المأهولة، فيما السائد انتشارها في الطبقات الأرضية من المباني السكنية. فضلاً عن عدم التزامها بدوام عمل محدد لا سيما في الليل حين تفتح بعضها أبوابها حتى ساعات الفجر. أما الظاهرة الأبرز فهي احتلال الأرصفة العامة من قبل بعض المقاهي، إذ يفرش أصحابها عليها الطاولات والكراسي ويركنون أحياناً موقد الشواء والركن الخاص بتحضير النراجيل.
وماذا عن البلدية؟ لماذا لم تتخذ حتى الآن إجراء تنظيمياً بحق هذا القطاع غير الشرعي بمعظمه، على غرار تدخلها في حلّ أزمة «الجت سكي» وزحمة السير؟ أم أنها لا تعلم بأن قانون البلديات ينصّ على شرط موافقتها على طلبات رخص استثمار المحلات المصنفة والمطاعم والمسابح والمقاهي والملاهي والفنادق.
وما يجعل من القضية مصدر قلق ما تسجّله التقارير الأمنية من أن تلك المقاهي المتكاثرة باتت مرتعاً لإشكالات فردية عدة تصل إلى إطلاق نار وضرب بالسكاكين. وتشهد انتشار ظاهرة السكر في بعضها رغم عدم حيازتها ترخيصاً لتقديم الكحول، فضلاً عن تعاطي المخدرات. علماً بأن القوى الأمنية كانت قد اقترحت على البلدية استصدار قرار يحدد مواعيد إغلاق تلك المقاهي بحيث يكون في الشتاء عند الحادية عشرة ليلاً وفي الصيف عند الثانية عشرة، إلا أن الاقتراح لم يلق تجاوباً. وفيما لم تشهد صور إجراء بحق أي من المقاهي، جاء التحرك من بلدة سلعا (قضاء صور). إذ قرر أحد المواطنين مواجهة هذه الظاهرة بشكل فردي بما أن الأجواء في البلدات أصبحت مشابهة لما يحدث في صور، فقد تقدّم المواطن ابراهيم أيوب أمام محكمة صور بطلب إصدار أمر على عريضة تقضي بإقفال مقهى في البلدة يتسبب بالازعاج واقلاق راحة المواطنين.
وتجتمع في المقهى «المزعج» أسباب عدة أدّت إلى اتخاذ الإجراء بحقه. فهو لم يستحوذ على ترخيص انشاء، ويقع وسط حي مولد الكهربا السكني ولا يلتزم بساعة اقفال محددة بل يفتح أبوابه حتى ساعات متأخرة. ومن بين الخدمات التي يوفرها لزبائنه ومن بينهم قاصرون، لعبة البلياردو. ولأن القانون يجيز لقاضي الأمور المستعجلة «اتخاذ الأوامر في الأحوال الاستثنائية التي تبرّر الخروج على القواعد العامة درءا للمخاطر المحدقة»، قرر رئيس محكمة صور القاضي عرفات شمس الدين إلزام مستثمري المقهى بوقف العمل فيه وإقفاله بالشمع الأحمر وعدم ممارسة أي نشاط فيه في المرحلة الراهنة. وفي حين لم ينكر مستثمرا المقهى مواصفاته الواردة في متن العريضة، إلا أنهما قدما طلباً أمام المحكمة بعدم صلاحيتها للنظر بطلب أيوب. غير أن الأخيرة وجدت بأن «مسؤولية السلطات الإدارية عن إعطاء التراخيص اللازمة لاستثمار المحلات والمقاهي لا تحول دون اختصاص القاضي الذي يبقى المرجع لاتخاذ التدابير اللازمة لمنع أي تعد على السلامة العامة والنظام في كل مرة توصد الأبواب أمام المواطن من قبل المراجع الإدارية». فهل يعلن المواطنون يأسهم من البلديات ويلجأون الى القضاء لحلّ أزمة مقهى.

Script executed in 0.18901896476746