وهناك عودة الى التراث في أكثر من مكان ومجتمع ، إن على صعيد العمران ، وطرق المعيشة والأدوات المستعملة ، والطعام والأزياء والألبسة ، والعادات والتقاليد ، وليس من السهل أبداً ، أن تتخلى المجتمعات عن تراثها ،لأنّه جزء لا يتجزأ من تاريخها .
والمأثورات الشعبية ، التي نحن بصدد إحياء جزء منها اليوم ،هي عملية إبداع حقيقية،هي تعبير صادق وحيّ عن واقع القدرات المتعددة والمتنوعة للمجتمعات ، وهي تمثل نوعا ًمن الخلق الحيّ والمستمر ، الذي يعتمد أساساً على موروثات ثقافية ،عايشتها المجتمعات عبر تواصل حقب تاريخية متعددة ، وهي تعبير أيضاً عن ثقافة المجتمع،عن علاقات الأفراد ببعضهم البعض ، عن طرق حياتهم ونمط معيشتهم ،عن فنونهم وإبداعاتهم ، وعاداتهم في الأفراح والأطراح ،عن أعمالهم وأشكالها ، وصلاتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية ، بما فيها الأدب والشعر والميادين الأخرى المماثلة .
إن أبناء المجتمعات الريفية ، لا يزالون قادرين على تحويل معتيات الطبيعة والحياة إلى أمور نافعة ومفيدة للمجتمع والإنسان وعلى إضفاء قيم جمالية على الأشياء التي يعملونها.
في موروثاتنا الشعبية نلاحظ الصدق ، الفن ، المستوى الإبداعي الرفيع ، وهذا ما يتناقض تماماً مع المتعارف عليه في المجتمعات ، أن كل شيء شعبي هو وضيع وذو مستوى متدنِ ٍ .
إن المدنية المزيفة جعلتنا نفتقد كثيراً من القيم الرائعة ، والمعاني السامية ، لكتير من الممارسات القديمة (كالعونة مثلاً) والعذوبة والبراءة والبساطة .
لعل ما نشاهده اليوم من عودة صادقة إلى الأصالة والتراث ، فإنه تعبير واضح عن رفض ذلك الزيف ، فلنحاول إحياء تراثنا قبل ان يندثر ويتآكله النسيان وعدم الإهتمام ، خاصة وان هناك مسائل كثيرة لم تعد واردة في قاموس العلاقات الإجتماعية كالأخوة والرحمية والمعاونة ، لماذا كان ذلك ، الجواب واضح وهو أن المصالح الشخصية والذاتية والمادية والأنانية طغت على كثير من النفوس والعقول ، اليوم نستعيد بعض ما إفتقدناه من ثقافة التعاون والإلفة والمحبة والمشاركة الحقيقية الصافية ، السهرات الجميلة، الدبكة ، الميجانا والعتابا ، الزجل ، دلعونا ، الزغاريد ، وما أجمل العبارة التي وردت على لسان الممثل أحمد الزين للمثلة القديرة بنت بنت جبيل وفاء شرارة عندما قال لها : " زلغطي يا أم حسين " فإستجابت وزلغطت .
أيّها الأخوة ، أيتها الأخوات
في هذا اليوم التراثي المميز لا بد من تقديم الشكر لوزارة الثقافة ، التي كان لها الفضل الأول في تنظيم وإحياء هذا اليوم التراثي ، مع الإشارة إلى أن الوزارة رعت أربعة مهرجانات على صعيد لبنان ، في الهرمل ، في أميون ، في قب الياس ، وفي بنت جبيل، وهذا المهرجان اليوم يمثل الجنوب.
لقد كلفت وزارة الثقافة جمعية سوا للسلام لتأمين الدعم المالي ، الذي بلغت قيمته ثلاثة آلاف دولار ، فالشكر موصول لهذه الجمعية الموقرة وللجمعية التعاونية النسائية ، والشكر أيضاً لبلدية بنت جبيل الراعية لهذا المهرجان ، وكذلك للهيئات النسائية في حزب الله ، وللتجمع الشبابي UNDP ولجمعية شؤون المرأة ولموقع بنت جبيل ولبعض المؤسسات والمحلات التجارية التي ساهمت بتقديم القبعات أو ثياب العمل ، ولكل الأفراد الذين قدموا مبادرات خاصة ، صبَت في هدف إنجاح هذا المهرجان . الشكر كلّ الشكر لمركز المطالعة والتنشيط ( المكتبة )، وخاصة للمنشطة المتميزة ريما شرارة التي تعطي من كل قلبها لإنجاح مثل هذه النشاطات.
كذلك الشكر كل الشكر لأربعة من الإخوان الخيَرين ، الذين تبرعوا بمبلغ تسعماية دولار ( 900$ ) من أصل التكاليف ، وقد رفضوا ذكر أسمائهم .
أيّها الأخوة ، أيّتها الأخوات
إنّ كل ما يشاع عن مبالغ للتكاليف ، وردت على صفحات الإنترنت هي عارية تماماً عن الصحة ، عملنا يتسم بكامل الشفافية ، وبوسع كل منكم الإطلاع على عملية صرف المبلغ الذي بلغ 3900$ فقط سيصرف عن كل نشاطات المهرجان من مسرح الدمى ، إلى السيرك وألعاب الخفة ، والدبكة التراثية ، والعزف على المجوز والعتابا ، والخيالة وأخيراً صحن الكمونة ، الذي سيعتبر أكبر صحن كمونة في لبنان .
وإننا نشير هنا ، إلى أننا ألغينا مشاركتنا في مسابقة مجموعة غينيس بسبب التكاليف الباهظة المطلوبة ، لقاء إيراد إسم بنت جبيل ضمن هذه المجموعة .
في الواقع أن بنت جبيل ليست بحاجة إلى دعاية ، فإسمها كعاصمة للمقاومة والتحرير والإنتصار كافٍ لها ، والعالم كله يشهد لها ولإخواتها العامليات اللواتي هزمن أكبر قوة غاشمة في منطقة الشرق .
قد يخيل للبعض أننا نقوم بعمل لا طائل منه ، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى أمور أكثر أهمية كالمياه والكهرباء والطرقات والصحة وغير ذلك ، نحن كهؤلاء الغيورين على المصلحة العامة وعلى المال العام ، نطالب معهم ونشًد على أياديهم ، لكننا في نفس الوقت ، نحن بأمس الحاجة أيضاً على إضفاء أجواء من الفرح والسرور على أهلنا وأبنائنا وأطفالنا ، نحن نسَر عندما نرى البسمة ترتسم على شفاه الجميع ، وليطمئن الغيارى أن التكاليف تمت تغطيتها من قبل جمعية سوا ومن قبل بعض خيَري بنت جبيل، وكنا حريصين على عدم تحميل البلدية أية أعباء مادية ، فهي لم ولن تبخل يوماً في تقديم كل عون ودعم مادي ومعنوي عندما ترى ذلك واجباً عليها .
بنت جبيل في 1 / 9 / 2011 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته