أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تولين: مجزرة منسيّة يتّمت 62 طفلاً

الجمعة 16 أيلول , 2011 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,950 زائر

تولين: مجزرة منسيّة يتّمت 62 طفلاً

مرجعيون | 39 عاماً مرّت على «مجزرة» تولين (مرجعيون). «مجزرة» مرّت خبراً عابراً في إحدى الصحف اللبنانية، ثم غابت عن السمع. اليوم، يروي شاهدان من أهلها ما حصل يومها. يتذكر عاطف حسن (59 عاماً) صباح ذلك اليوم، عندما قرّر جيش العدوّ الإسرائيلي دخول البلدة، لتدمير بعض المراكز العسكرية للجبهة العربية التي كانت متمركزة فيها. يقول: «كان عمري 20 سنة عندما اجتاحت 12 دبابة عسكرية، وآليات مختلفة، البلدة. حاولوا استدراج الأطفال، بتوزيع الحلوى عليهم، ليرشدوهم الى المراكز العسكرية، لكن المسلّحين تصدوا لهم عند مدخل البلدة بعد إطلاق قذيفة «آر بي جي» على دبابة عسكرية فشلّوا حركتها. حصل اشتباك أدّى الى استشهاد شابين للجبهة، أحدهما عراقي يدعى أبو سليمان، وآخر فلسطيني يدعى أبو عزّام». بعد دخول العدوّ إلى البلدة، طلبوا من الأهالي عبر مكبرات الصوت عدم الخروج من منازلهم، وفجّروا عدداً من المنازل والمراكز العسكرية. وبحسب حسن فإن «معركة حصلت مع عدد من شباب البلدة، استشهد فيها الشاب يوسف عوالي، وجرح كلّ من ابراهيم عوالي والطفل حسن والحاجة نوفة عوالي». ويذكر نبيه عوالي (52 سنة)، ابن عمّ الجرحى، أن «أقرباء الجرحى سارعوا الى نجدتهم، فلجأ أبي، عبد الحسين، وعمي حسين، إلى نقل الجرحى الثلاثة، ومعهم عمي منيف، والد الطفل حسن، وعبد الأمير عوالي شقيق الجريح ابراهيم، في سيارة مرسيدس 180 عسلية اللّون، وتركوا الشهيد يوسف في منزله. اتجهوا الى مستشفى صور الحكومي الوحيد آنذاك، الذي يبعد 35 كلم عن البلدة». ويتابع: «عند مدخل بلدة جويا، فوجئوا برتل من الدبابات الإسرائيلية المجنزرة قادم في الاتجاه المعاكس، أطلق الإسرائيليون النار عليهم، وعبرت الدبابات على السيارة ومن في داخلها من دون أي رحمة».
بقيت أجساد الشهداء ملتحمة بحديد السيارة إلى اليوم التالي، عندما علم نبيه بالخبر أثناء عودته مع أمه وإخوته من بلدة قلاويه، التي هربوا اليها مع عدد من أبناء البلدة. يقول «تلقيت نبأ استشهاد أبي وأقربائي على الطريق، فركضت أكثر من 25 كلم إلى مكان المجزرة، رغم أن عمري كان 12 سنة، وكنت أبكي طوال الطريق. ولدى وصولي إلى مدخل بلدة الشهابية وجدت دبابة للجيش اللبناني تحترق وبجانبها شهيدان للجيش، وبعد نحو كيلومتر واحد شاهدت سيارة فولز فاغن أصيبت بقذيفة اسرائيلية وبداخلها شاب قتيل، ورغم مناشدة الأهالي هناك لي بالعودة، إلاّ أنني تابعت الركض باتجاه المجزرة». لدى وصول نبيه إلى المكان شاهد أبشع مشهد في حياته «كانت السيّارة كلوح حديدي واحد ملتصق بالأرض وحولها بركة من الدماء، شاهدت رأس والدي ويده اليمنى، فعرفته من وجهه وساعة يده، أما الشهداء الآخرون، وجسد أبي، فقد التحموا بحديد السيارة». فقد نبيه وقتها أباه وعمه وجدته وخمسة من أولاد عمه، إضافة الى يوسف. يقول إن «هذه المجزرة شرّدت 62 طفلاً دون الثانية عشرة، بينهم أنا وإخوتي السبعة، وأولاد أعمامي الـ54». حزن نبيه عوالي وأقربائه اليوم ليس على ما حصل فحسب، بل أيضاً على سلوك «الدولة وجميع وسائل الإعلام التي لم تذكر يوماً هذه الحادثة، ولم يلجأ أحد في أصعب أوقات اليتم والتشرّد إلى تقديم يد العون إلينا. تُركنا وحدنا نبحث عن لقمة العيش المرّة بين حقول التبغ، حُرمنا التعليم والطفولة، لم يستطع أيّ من الـ62 طفلاً إكمال دراسته بسبب الحاجة، باستثناء واحد استطاع رغم مأساته أن يصبح ضابطاً في الجيش اللبناني». 10 آلاف ليرة حصلت عليها أسرة نبيه من مجلس الجنوب لإعالة 8 أطفال «كانت تعادل وقتها 3 آلاف دولار أميركي. كنت أتمنى أن يمسح أحد بيده على رأسي، وكنت أتمنى أن تأتي جهة لتقرّ باستشهاد أبي فتؤمن لإخوتي الصغار الرعاية الاجتماعية، أو على الأقل تذكّر بالحادثة. حتى السيارة التي التحمت دماء الشهداء بها أهملت وتركت لتجّار الحديد لبيعها، عوضاً عن أن تبقى رمزاً من الرموز التي تشهد على همجية العدوّ».
بعد حرب تموز 2006، استعاد عوالي بريقاً من السعادة التي فقدها «أثناء عودتي إلى البلدة بعد الحرب مباشرة، شاهدت في وادي الحجير ركام عدد من دبابات الميركافا التي دمرها رجال المقاومة، استطعت سحب مدفع دبابة، وعلّقته أمام مدخل منزلي، لأبيّن لأطفالي أننا استطعنا الانتقام ولو بعد حين».

Script executed in 0.17166709899902